تواصل » صحف ومجلات

المقومات السياحية للسلطنة.. واقع الاستثمار في القطاع السياحي 4/17

في 2016/01/04

سعود بن علي الحارثي- الوطن العمانية-

” واصلنا سيرنا إلى داخل القرية الجميلة التي غسلها المطر ومازالت قطراته تلمع على الأغصان وأوراق الشجر تداعب ضوء الشمس بعد انقشاع السحب فيخيل للرائي أن لآلئ ألماسية تفرزها الأشجار, استقبلتنا قرية ( حيم ) ببشاشة ونضارة وسعادة من اغتسل بماء السماء, النخيل والأشجار والزرع والحجر تتلألأ بقطرات الغيث فرحة, وتتراقص متجاوبة مع موسيقى المياه المتدفقة.”
رابعاً: قرية حيم بولاية العامرات:
بسبب نشاط وتأثيرات المنخفضات الموسمية التي تهب أمطارها الغزيرة لدرجة الفيضان أحيانا على القارة الهندية وبعض الدول المجاورة للسلطنة، ولتوفر العوامل الجوية والطبيعية (( الجبال الشاهقة، الرطوبة العالية في طبقات الجو العليا والسفلى، والرياح الجنوبية الشرقية))، وغيرها من العوامل المؤثرة التي يستطيع المختصون في علم الطقس والتنبؤات الجوية عدها وشرحها بشكل تفصيلي تفوق إمكانياتي المتواضعة، بسبب هذه العوامل تشهد جبال الحجر وبعض المحافظات الداخلية في السلطنة في فصل الصيف عواصف رعدية تتكون في فترة ما بعد الظهيرة وتستمر عادة إلى حين موعد مغرب الشمس قد تتقدم أو تتأخر قليلا لتنقشع السحب بعد ذلك فيعود إلى السماء صفاؤؤها، ومن ثم تعاود العاصفة الرعدية غارتها المصحوبة برياح وزوابع شديدة (( دائما ما تخلف خسائر في الممتلكات وخاصة في النخيل والأشجار الأخــرى )) في مساء اليوم التالي، هذه العواصف تنشط في سنوات وتضعف في أخرى ويمكن أن يمر صيف أو أكثر فلا يحظى بعاصفة رعدية واحدة، وقد ضعفت هذه العواصف كثيرا في السنوات الماضية، وكانت هذه الزوابع الممطرة تسبب الازعاج لملاك النخيل والمزارعين والتجار في الماضي، عندما كانت النخلة تعادل أهميتها من الناحية الاقتصادية أهمية النفط في أيامنا الراهنة، وعندما كان الآباء يعتمدون عليها اعتمادا كبيرا في حياتهم الاقتصادية والغذائية والمعيشية، ذلك أن العواصف الرعدية تتكون في فصل الصيف وتشتد حدتها خلال موسم الحصاد بنوعيه التمور والبسور لتتسبب في إتلاف جزء كبير منها ملحقة خسائر مادية لا تقدر بثمن بحساب تلك الأيام.
ولكن وفي المقابل يكون لها تأثيرها الايجابي على منسوب المياه إذ يستفيد العديد من الأفلاج والآبار وتمتلئ السدود بالمياه في بعض الأودية في أيامنا الحالية.
وفي المواسم الصيفية الممطرة تبرز حقيقة أن للأمطار والسحب والعناصر المرافقة من رياح وبرق ورعد وغيرها محبين وعشاقا ومتخصصين كثيرين في السلطنة، أنشأوا لهم مواقع وحسابات ومجموعات في مواقع التواصل وشبكة الانترنت لهذا الغرض, فيها يتبادلون المعلومات بشأن الأمطار التي هطلت، ودرجة غزارتها والأماكن التي سقطت فيها، ومستوى السحب وحركتها وإجراء التحليلات ووضع التوقعات بحسب قراءتهم لمواقع التنبؤات المتخصصة وللبالون والمؤشرات المصاحبة من رطوبة ورياح سطحية مدعمة بالخرائط السطحية والصور المختلفة…
ولا تخلو تلك المواقع من صور ومقاطع فيديو خلابة تتضمن لحظة سقوط الأمطار والبرد وجريان الشلالات والأودية والشعاب والبرك المائية وغيرها، وقد لاقت تلك المواقع والمجموعات رواجا اتضح من خلال المشاركات الواسعة التي تصف السحب في لحظة تكوينها والأمطار في هطولها وتقدم المعلومات التفصيلية عنها وباتت مرجعا للعديد من المواطنين الذين يرغبون بمتابعة مستوى الأمطار في مناطقهم.
ونظرا لأنني أحد الهواة الذين ينشطون في تتبع هذه السحب والاستمتاع بأجواء الأمطار وجريان الأودية ومناظر الشلالات الهابطة من قمم الجبال، وعلى إثر مشاهدتي لواحدة من هذه السحب الصيفية ضمن سلسلة التكونات المحلية على الحجرين الشرقي والغربي, والتي قدرت اعتمادا على خبرتي الطويلة في هذا المجال بأنها على مقربة من جبال السرين والقرى المجاورة في ولاية العامرات، فقد أخذت أسرتي وانطلقت متتبعا أثرها مؤملا الاستمتاع بأمطارها وهوائها المنعش والتخفيف من الأجواء الصيفية الحارة ولو لبضع ساعات قليلة, إذ تتراجع درجات الحرارة بشكل كبير في المواقع التي تسقط فيها الأمطار ويستمر الهواء لطيفا لبعض من الوقت…
من بين السحب العالية والمتوسطة أطلت على شكل طبقات بيضاء ناصعة يدفع بعضها بعضا تسمى في بعض المحافظات ( قهبة ) وفي محافظة أخرى ( دقل ) وقد تكون لها مسميات مختلفة في محافظات ومناطق أخرى.
غيمة محملة بالأمطار تشكلت نتيجة لتوفر الظروف.
دققت في هيئتها وألوانها وقاعدتها المطيرة وحجمها وما اذا كانت من النوع الذي يسكب مطره بغزارة على الارض العطشى من عدمه, استطلعت وخمنت موقعها على ضوء خبرات متراكمة…
جهزنا لوازم القهوة وأخذنا ترمس الشاي وما تيسر من الطعام وانطلقت مع أفراد أسرتي إلى الموقع الذي توقعت وخمنت أن تلك الغيمة قد أنزلت مطرها فيه.
أخذت طريق بوشر العامرات وبعد أن تجاوزتها ببضعة كيلومترات ظهرت لوحة معدنية كتب عليها (حيم ) طلبت من ولدي محمد أن ينحرف بالسيارة غربا نحو هذه القرية التي تنام في أحضان سلسلة جبال شماء تفصل بين ولايتي الطائيين والعامرات.
بعد مسار امتد لعدة كيلو مترات في شارع معبد استقبلنا وادي القرية في جريان متوسط إثر أمطار سقطت من تلكم السحابة…
واصلنا سيرنا إلى داخل القرية الجميلة التي غسلها المطر وما زالت قطراته تلمع على الأغصان وأوراق الشجر تداعب ضوء الشمس بعد انقشاع السحب فيخيل للرائي أن لآلئ ألماسية تفرزها الأشجار, استقبلتنا قرية ( حيم ) ببشاشة ونضارة وسعادة من اغتسل بماء السماء, النخيل والأشجار والزرع والحجر تتلألأ بقطرات الغيث فرحة, وتتراقص متجاوبة مع موسيقى المياه المتدفقة.
قمم الجبال تعانق الأرض وتتواصل مع عناصر الطبيعة وتشاركها البهجة عبر سلسلة من الشلالات التي تجري على وجه البسيطة وتلتقي وتجتمع على شكل جداول وأنهار صغيرة مشكلة بعد اكتمال واديا استقبلته القرية عن بكرة أبيها وكأنها في يوم عيد وهل في هذا الوجود من لا يفرح بالمطر ويسعد بقطراته التي تنزل من السماء ؟.
عطر المطر ممزوجا برائحة الطين وشذا الأزهار البرية وأريج الأشجار ينعش النفس ويبهج القلب ويطرب الروح إنه الماء والماء حياة…
ساقية الفلج المعلقة في سلسلة جبلية تمتد لما يزيد على كيلو تمد البساتين والأشجار والبشر والحيوان والطير بماء الحياة وتعد معلما تراثيا بارزا في هندستها المعمارية ومحطات مسارها التي تعبر عن ذكاء وإبداع وروح إنسانية مؤمنة بالعمل متمسكة بالحياة قادرة على معالجة وتجاوز الصعاب والتحديات, هنا في قرية ( حيم ) وفي هذه اللحظات الاستثنائية بحق تكاملت وتوافقت عناصر الطبيعة لتشكل لوحة فنية غاية في الإبداع والجمال.
بين الفلج والشلال والأشجار الوارفة المرتوية والوادي الطيني قبل أن يتراجع منسوبه فيميل إلى الصفاء, وفي رملة ناعمة غسلها المطر قبل دقائق فقط تناولنا ما تيسر مما حملناه وقفلنا راجعين بنفوس بهجة سعيدة…
ففي عمان من القرى والأودية والجبال والمناظر الطبيعية والمشاهد الآسرة ما يحتاج إلى الاكتشاف والاستمتاع بمقوماته.