سلطان النعيمي-
مع ظهور الدولة الوطنية في صورتها الحالية، بعد اتفاقية وستفاليا تزامن معها مفهوم آخر أصبح بدوره جزءاً لا يتجزأ من أي دولة، بل يتعداها ليصل إلى كونه المعيار في بقاء الدول أو اندثارها. هذا المفهوم هو الأمن الوطني. وبعيداً عن تعقيدات مفاهيم الأمن الوطني فإنه يمكن القول: إن مفهوم الأمن الوطني يتجلى في حفظ الدولة وأمنها من المهددات سواء المهددات الداخلية أو المهددات الخارجية. هذه المهددات التي تؤثر بلا شك سلباً على عجلة التنمية والتطور لأي دولة كانت.
ولعل القارئ يتساءل هنا عن تلك الجوانب التي تؤثر على الأمن الوطني وتهدده. الحقيقة أن الجوانب كثيرة ومتعددة، يأتي التهديد العسكري على قائمتها، كما أن ضعف الاقتصاد، وبالتالي انخفاض معدلات التنمية وارتفاع نسبة البطالة يرخي بظلاله على الأمن الوطني، ويصبح مهدداً محتملاً وقائم للأمن الوطني.
وفي ظل التقدم التكنولوجي وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي سهولة انتشارات الشائعات والترويج لها، أصبح الفضاء الإلكتروني مجالاً خصباً لأن يكون مهدداً مباشراً للدول، ولعل ثورات ما يطلق عليها بالربيع العربي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل على المهددات، التي من الممكن أن يشكلها الفضاء الإلكتروني.
وحين نتحدث عن الأمن الوطني لدولة الإمارات فإنه كسائر الدول الأخرى يأتي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمني الإقليمي والدولي. هذا الجزء من الكل لا شك في أنه يؤثر ويتأثر بدرجات متفاوتة. من هذا المنطلق حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها على لعب دور مهم وفاعل على كلا المستويين الإقليمي والدولي.
فوجدنا المشاركة الإماراتية في حفظ السلام في كوسفو فترة التسعينيات، كما كان لها إسهاماتها في كل من الصومال وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول، بما يتناسب وحاجات هذه الدول من المساعدات الإنسانية وغيرها.
ولا يخفى على القارئ مدى ما يشكله الإرهاب من تهديد على العالم فأصبح بحق ظاهرة عالمية ومهدداً عالمياً يتوجب معه تكاتف الجهود لمواجهته. وما إن تم الإعلان عن التحالف الدولي لمواجهة داعش في العراق حتى وجدنا دولة الإمارات في مصاف الدول، التي شاركت في هذا التحالف.
وبالنظر إلى الخصوصية، التي تتمتع بها دولة الإمارات فإن البُعد الخليجي والعربي يعتبر جزءاً رئيساً من أمنها الوطني. وهو ما دفع من جهته إلى المساهمة الإماراتية الفعالة في دعم الدول العربية في جميع المجالات بوصفها عمقاً استراتيجياً وخياراً لا رجعة فيه. ويكفي الوقفة المشرفة لدولة الإمارات في دعم جمهورية مصر العربية، لتستعيد دورها الإقليمي والحيوي في المنطقة.
عين القارئ تتجه قبل اليمن والمشاركة الإماراتية في التحالف العربي ليدرك أن الحضور الإماراتي يأتي من منطلقات متعددة، فإضافة إلى المساهمة في إعادة الشرعية في اليمن وردع الانقلابيين المغتصبين للسلطة، تدرك القيادة الإماراتية ما يشكله اليمن من أهمية لأمنها الوطني، فبالنظر إلى الموقع الجغرافي لليمن يمكن القول إنه مؤثر ليس على الأمن الإقليمي فحسب، وإنما يمتد ليطال الأمن العالمي. ولنا في باب المندب وأهميته كونه ممراً عالمياً، إضافة إلى استغلال تنظيم القاعدة ومن خلفه داعش الظروف، وجعل اليمن منطلقاً للتنظيمات الإرهابية للقيام بعمليات التدريب والاستقطاب، دلائل واضحة على أهمية عودة الاستقرار، وعودة الشرعية في اليمن.
مما تقدم يمكن القول: إن الأمن الوطني لأي دولة كانت لا يمكن بأي حال من الأحوال فصله عن الأمن الإقليمي والأمن الدولي، بل لا بد من إدراك أن أمن أي دولة، وحفظ مكتسباتها ومقدراتها يبدأ من أبعد نقطة عن حدودها والمساهمة، ضمن العمل الجماعي مع بقية دول العالم ودول الجوار.
وتأتي دولة الإمارات في ظل قيادتها الحكيمة لتكون لاعباً رئيساً في المساهمة في الأمن الخليجي والعربي مروراً بالإقليمي وانتهاء بالأمن الدولي، وكل ذلك لإيمانها الراسخ بأن أمن واستقرار دولة الإمارات ليس بمعزل عما تقدم.