علي حيدر- الاخبار اللبنانية-
مع دخول رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران حيّز التنفيذ، في إطار تطبيق الاتفاق النووي، دخلت إسرائيل، بدورها، مرحلة مواجهة مفاعيل هذا الاتفاق وتداعياته على أمنها القومي. ونتيجة لذلك، ستجد إسرائيل نفسها وجهاً لوجه مع التهديدات والفرص، المقدرة والكامنة في هذا الاتفاق
بالرغم من أن الاتفاق النووي ضَمِن عدم امتلاك إيران ما يمكنها من تطوير قدرات نووية عسكرية، لمدة عشر سنوات، إلا أنه أدى إلى رفع منسوب القلق في تل أبيب. وتمحورت المخاوف الإسرائيلية ــ جراء هذا الاتفاق ــ حول نجاح الجمهورية الإسلامية في انتزاع شرعية دولية لمكانتها كدولة نووية، وبالتالي حول مفاعيل رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
فإسرائيل ترى أن لهذا الإجراء تداعيات وآثارا مباشرة وبعيدة المدى، تبدأ من تعزيز النظام الإسلامي وتنمية قدراته الاقتصادية والصناعية والعسكرية، وتنتهي إلى تعزيز حلفائه وتحديداً قوى المقاومة.
من جهة أخرى، ترى إسرائيل أن تعاظم القدرات الإيرانية، وخطر محور المقاومة على الأنظمة الخليجية، ينطوي على فرص إستراتيجية، وذلك على قاعدة الخطر والمصير المشترك. وهذا التقدير لم يعد مجرّد تخمين مفترض، بل ورد مرات عدة على ألسنة كبار المسؤولين الإسرائيليين، بدءاً من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مروراً بالعديد من المسؤولين الرسميين، وصولاً إلى مقاربة المعلقين والخبراء.
في السياق ذاته، حضرت الأزمة المستجدة ــ التي تفاقمت بين إيران والسعودية ــ لدى القيادات الإسرائيلية، التي رأت فيها تجسيداً لما كانت إسرائيل تعده فرصة لتعزيز التحالف والتنسيق مع الأنظمة الخليجية، في مواجهة الجمهورية الإسلامية. ونتيجة لذلك، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن التوترات المتصاعدة بين السعودية وإيران، عززت الآمال في إسرائيل بأن يتمكن المسؤولون الإسرائيليون من بناء علاقات أقرب مع الممالك الخليجية، انطلاقاً من العداء المشترك لطهران. ونقلت الصحيفة عن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي دوري غولد، قوله إن «إسرائيل كثّفت جهودها من أجل إصلاح وتحسين العلاقات في المنطقة، في محاولة لتطويق النفوذ الإيراني، وتهديد المتطرفين». وقال غولد «من الواضح أن هناك نقاط التقاء في المصالح بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، استناداً إلى واقع أن الجهتين تواجهان تحديات متطابقة في المنطقة».
«وول ستريت جورنال» أشارت، أيضاً، إلى أنه «خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى ضوء المواجهة السياسية بين إيران والسعودية، بدأ بعض المشرّعين الإسرائيليين بالدعوة إلى إقامة تفاهم علني مع الدول العربية». وفي هذا الإطار، رأت الصحيفة أن «الاعتداء الأخير على السفارة السعودية في طهران ــ وانهيار العلاقات الدبلوماسية بين إيران والدول الخليجية ــ يعكس اتساع الأرضية المشتركة بين الخليج وإسرائيل». ولفتت، استناداً إلى مسؤولين إسرائيليين، إلى أن «الاتفاق النووي، الذي جرى توقيعه في تموز، أدى إلى تحفيز الجهود الإسرائيلية الرامية إلى تطوير العلاقات مع الدول العربية، بالاعتماد على القنوات الخلفية». وبناء عليه، قال أحد هؤلاء المسؤولين «شهدنا خلال الأشهر الستة الأخيرة، تكثيفاً في العلاقة (مع الدول العربية)».
في الإطار ذاته، نقلت «وول ستريت جورنال» عن العضو في الكنيست الإسرائيلي تسيبي ليفني قولها إن «لدينا الفهم ذاته للمنطقة»، مضيفة أن «هذا الأمر يمثل أساساً من أجل إقامة حلف».
وفيما ذكرت الصحيفة أن «إسرائيل لا تملك علاقات دبلوماسية رسمية مع الدول الخليجية»، أضافت أن «بعض المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأن اجتماعات سرية عقدت، خلال السنوات الأخيرة»، في إطار تعزيز العلاقات. وعلى هذا الصعيد، أشارت، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وغربيين، إلى أن غولد يقود جهوداً من أجل إنشاء علاقات دبلوماسية وتجارية واستخبارية أفضل.
كذلك، لفتت «وول ستريت جورنال» إلى أن «غولد سافر إلى أبوظبي، العام الماضي، حيث كان دوره مركزياً في افتتاح المكتب الدبلوماسي الإسرائيلي في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في الإمارات، في تشرين الثاني». وأشارت إلى أن «هذا المكتب هو أول ظهور دبلوماسي إسرائيلي في الدول الخليجية، حيث قادت عمليات الاستخبارات الإسرائيلية عملية اغتيال مسؤول كبير في حركة حماس (محمود المبحوح) في عام 2010».
أزمة العلاقات بين طهران والرياض حضرت، أيضاً، في مقاربة رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، اللواء احتياط عاموس يادلين، الذي رأى أنها يمكن أن تستمر وتواصل تناميها، وفقاً لسيناريوات ثلاث. الأول، وهو الأكثر تطرفاً: إمكان المواجهة العسكرية بين الجانبين، التي يمكن أن تتسبب بزيادة العنف في الشرق الأوسط، والذي اجتاح المنطقة منذ عام 2011. إلا أن هذا الاحتمال، برأي يادلين، بعيد المنال، والبلدان غير مستعجلَين للذهاب إلى حرب، فيما هما ما زالا يتواجهان في جبهات قتال أخرى: إيران في سوريا، والمملكة العربية السعودية في اليمن.
السيناريو الاكثر ترجيحاً، قد يكون استمرار المواجهة، ولكن عبر منسوب منخفض. ويتمثل ذلك في استمرار البلدين بدعم حلفائهما في المنطقة، واكتفائهما بالحرب بالوكالة والمنافسة الاقتصادية. ورأى يادلين في هذا السيناريو مؤشراً على استمرار عدم الاستقرار الإقليمي، وصعوبات إضافية على طريق حلّ النزاع في سوريا واليمن. أما السيناريو الثالث، غير المرجح أيضاً، فهو التوفيق بين الجانبين من خلال وساطة تقودها القوى العظمى.
وخلص يادلين، الذي تولى سابقاً رئاسة الاستخبارات العسكرية «امان»، إلى أن المواجهة الحالية بين طهران والرياض، تؤكد تداخل المصالح بين إسرائيل والسعودية، وخصوصاً أن كلتاهما ترى في الجمهورية الإسلامية عدواً لدوداً. وضمن هذا الاطار، يمكن لإسرائيل أن تساعد المملكة العربية السعودية في نضالها ضد المحور الراديكالي في سوريا، وضد الطموحات النووية الإيرانية، وبما ترى فيه إسرائيل طموحاً إيرانياً بالهيمنة على الشرق الأوسط.