نجحت الدراما الوطنية في كسر التابو، في وقت أشاح الآخرون بوجوههم عن مواجهة القضايا السيسيولوجية الشائكة. مسلسل «سلفي»، الذي تبثه قناة «إم بي سي»، أحد الأعمال القلائل التي نجحت في طرق قضايا وطنية شديدة الحساسية، بقالب ساخر، لكنه دقيق التصويب والتأثير.
في حلقة «سلفي» التي تناولت الاختلاف المذهبي داخل الوطن، من خلال عرض درامي كوميدي رائع، شُرع الباب أمام نقاش قضية رأي عام مهمة، هي: كيف يجب التعامل مع التنوع المذهبي داخل الوطن؟ وهل الاختلاف المذهبي مداعاة للتناحر والحروب دائماً، كما تحاول بعض وسائل الإعلام المشبوهة تصويره، أم بالإمكان خلق بيئة وطنية صالحة، تنظر وتتعاطى مع التنوع المذهبي بإيجابية، باعتباره عنصر إثراء للساحة الثقافية المحلية؟. ففي النهاية الإعلام سلاح ذو حدين، تختلف نتائج تأثيره في القضية التي يثيرها، باختلاف الزوايا التي ينطلق منها، فهناك برامج وقنوات فضائية كثيرة تقتات على تأجيج الفتنة المذهبية، وقنوات أخرى تسعى لوأد الفتنة ونزع فتيلها بكل الطرق، وشتان بين الاثنتين.
من نافل القول، إن التنوع هو سمة من سمات المجتمعات الحديثة، وإن الاختلاف المذهبي، هو أحد مظاهر التنوع والاختلاف القائم بين البشر، وإن المجتمعات المتجانسة انقرضت من الوجود، بل حتى الأسر لدينا في المملكة، صارت تجمع النقيضين، الجندي الذي يحمي الوطن، والإرهابي الذي يفجر نفسه في جموع المصلين. لكن التنوع المذهبي له خصوصية في هذه المرحلة، لكونه تحول عن سابق إصرار وترصد، لهوية سياسية، لا يلبث بعدها حتى يصبح أزمة حقيقية؛ بسبب الفرقة والتشظي الذي ينتج عن عملية «تسييس المذهب ومذهبة السياسة»، وتحويل القضايا الخلافية من كونها اختلافا فقهيا، لخلاف سياسي، وعندها فقط يتحول المذهب كونه عقيدة، يرثها الولد من والديه، وطريقة يفهم من خلالها تعاليم مذهبه. وهي في المحصلة النهائية، شأن شخصي بين العبد وربه، وليست إيديولوجيا سياسية، تربط مصير الفرد بمصير الجماعة المذهبية التي ينتمي إليها، سواء كانت الجماعة على حق أم على باطل.
من هذه المنطلقات، أو غيرها، لابد للوعي السليم، أن يقودنا نحو تشجيع البرامج التلفزيونية التي تعالج مسألة الخلاف المذهبي، وتخفف من الاحتقان الطائفي الناتج عن الصراعات الإقليمية الكبرى، وكذلك المبادرات الرسمية، أو شبه الرسمية، كمبادرة «احنا أهل»، التي تأتي في سياق الحرص على حماية النسيج الاجتماعي، من ناويي الشر التي تعصف بالمنطقة، وخصوصاً، التفجيرات الإرهابية التي طالت المساجد في العام الماضي من شهر رمضان، وكان هدفها تهيئة الأرضية للفتنة المذهبية، لضرب السلم الأهلي، وتقويض دعائم الدولة الوطنية.
إن مسلسل «سلفي» في شجاعته بطرح المسألة الطائفية بهذه الجرأة والوضوح، ينم عن حس وطني عال، بالمسؤولية الأخلاقية تجاه السلم الاجتماعي، في لحظة تاريخية صار الجنون الطائفي يُغني المفلسين.
محمد الصادق- اليوم السعودية-