وكالات-
يطلّ التلفزيون السعودي خلال شهر رمضان المبارك مختلفاً هذا العام؛ فبعد أن كان السعوديون خلال الشهر الفضيل ينتظرون "طاش ما طاش"، ودروس الداعية علي الطنطاوي، والشيخ عبد العزيز بن باز، سيكونون على موعد مع عادل إمام وجرأته المفرطة.
فعلى مدى خمسة عقود بقي التلفزيون السعودي ملتزماً بكونه محافظاً، يقدّم برامج ومواد إعلامية تمثّل توجه الحكومة السعودية، مع الاهتمام بكونه يبثّ من أرض الحرمين.
عادل إمام المعروف بأفلامه ومسلسلاته غير المناسبة للأسرة سيكون على مائدة السعوديين الصائمين من خلال مسلسل "عوالم خفية"، ومهّدت للمسلسل حملة أطلقها القائمون على التلفزيون السعودي منذ أيام، ويستهدفون بها التهام النصيب الأكبر من كعكة المشاهد، بدءاً من الموسم الرمضاني.
كما تعرض القناة الأولى الرسمية مسلسل "طايع" لعمرو يوسف ومن إخراج عمرو سلامة، في بثّ حصري، إلى جانب مسلسلين أحدهما لنيلي كريم، ويحمل اسم "اختفاء"، من تأليف أيمن مدحت وإخراج أحمد مدحت، أما المسلسل الآخر فهو "بالحجم العائلي" ليحيى الفخراني، وتأليف محمد رجاء وإخراج هالة خليل.
لكن السؤال المهم هو هل ستُعرض هذه المسلسلات بعيداً عن "مقصّ الرقيب"؟ خاصة أن عادل إمام معروف بأعماله "الخادشة للحياء"، فقد اعتاد "حرّاس الشاشة" السعودية شطب المشاهد التي لا يرونها مناسبة للذوق العام المحافظ.
وخلافاً لبرامج المسابقات المحافظة، تحضّر القناة السعودية لبرنامج يومي ضخم ومباشر على مدار 30 حلقة، وآخر للمسابقات بجوائز مالية ضخمة ونوعية يقدّمها فنان وفنانة خليجية للمرة الأولى، وقد كان ذلك من المحظورات فيما مضى؛ لكون المرأة وفق وجهة نظر الرقيب "عورة".
- غصب متغيّر للجمهور
لوحة إعلانيّة انتشرت مؤخراً في أغلب شوارع المملكة، مُكتفية بكلمة "غصب" فقط، دون أي دلالة على هُوية المُعلِن أو ما يُروَّج له.
غرابة الإعلان جعلت الجميع يخمّنون حقيقة ما يُخفيه بعد هذه الحملة القوية والكبيرة على مستوى المملكة، فالناس في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يتحدثون عن سرِّ الإعلان الغامض.
لاحقاً كشف المخرج الإذاعي والتلفزيوني ماجد النعيم، على صفحته في فيسبوك، يوم 11 أبريل، أن الإعلان يأتي بعد توقيع رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون مع شركة إعلانات لإعادة الثقة في التلفزيون السعودي، حيث كان المشاهد يسميه في السابق غصب (1) وغصب (2)، وسوف يشاهده المتابع بهُوية جديدة من برامج ومسلسلات تجعله "غصب" برضى الجمهور، وهو ما لم تضمنه القناة بعد.
لكن فئات عديدة من الجمهور السعودي عارضت الإعلان ومحتواه، محذّرة من تبعاته على الجمهور، في حين اعتبره آخرون ناجحاً لتسويق القناة التي اعتبروا مشاهدتها كانت إجباراً لهم.
الاتصال في حملة #غصب للقنوات السعودية مبني على رأي القائم عليها وليس على مدارك الجمهور "insights”. لو كانت هناك دراسة عن علاقة الجمهور الجديد بغصب 1 و 2 لكانت النتيجة ضعيفة بسبب تغير الجيل والأغلبية الساحقة هي من مواليد حديثة. pic.twitter.com/qL5yoIObQh
— محمد التميمي Brαɴdιɴɢ l (@BenTamimi) April 12, 2018
وكتب محمد باحارث: "تبعات إعلان غصب على العقل الباطن سيئة، وهذا استخدام سلبي للقوة الناعمة ضد الشعب السعودي. أتمنّى من وزارة الداخلية ووزارة الإعلام ووزارة التجارة إيقافه وتغريم المعلن".
كما طالب المغرّد السعودي جميع المختصّين النفسيين بشرح "مخاطر تعريض العامة لكلمات سلبية".
تبعات إعلان #غصب على العقل الباطن سيئة و هذا استخدام سلبي للقوة الناعمة ضد الشعب السعودي.
— محمد باحارث MBS (@mbahareth) April 9, 2018
اتمنى من وزارة الداخلية و وزارة الإعلام و وزارة التجارة ايقافه و تغريم المعلن. @MOISaudiArabia@moci_ksa @SaudiMCI
ارجوا من جميع المختصين النفسيين شرح مخاطر تعريض العامة لكلمات سلبية pic.twitter.com/S9PoQiQot9
أما هاني الظاهري فقال: "شعار غصب لا يلغي الصورة السلبية عن التلفزيون بل يكرّسها نفسياً لدى الجمهور ويطبعها بصورة ثلاثية الأبعاد في عقله الباطن، واللون الأسود فيه يعمّق السلبية، وكان حرياً بالمسؤول عن الحملة الاستعانة بخبراء في التسويق النفسي ليفهم ماذا أقصد.. التسويق عالم كبير وليس خبط عشواء وسوالف مجالس".
- انقلاب يهزّ الشاشة
التلفزيون السعودي كان يعرض خلال رمضان البرامج الدينية خلال النهار، ومع وقت العصر يعرض مسلسلات للأطفال كـ "بابا فرحان" الشهير للأطفال، ثم برنامجاً دينياً إما للداعية علي الطنطاوي أو للشيخ عبد العزيز بن باز، ثم صلاة المغرب من المسجد الحرام، يليه مسلسل "طاش ما طاش" الشهير، ثم صلاة العشاء والتروايح، وعند منتصف الليل برنامج مسابقات، تليه صلاة التهجّد والفجر.
ومنذ تأسيس التلفزيون السعودي، عام 1962، كان حريصاً على بثّ برامج ومسلسلات تناسب المجتمع السعودي المحافظ، مع تركيزه على عرض مواد إعلامية تسلّط الضوء على التراث والماضي وذكرياته بشكل رتيب.
ومع دخول عصر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية انقسم السعوديون بين متابعة القناة الأولى الرسمية بمضمونها الجادّ، والتي تعكس بيئة وهوية الإنسان السعودي الحضارية والثقافية والاجتماعية، وبين الانتقال نحو عالم الفضاء الرحب من خلال قناة امتلكها سعوديون كشبكة "MBC" التي جذبت برامج ومسلسلات تخالف بشكل كبير الهوية المجتمعية للبلاد.
وتأتي هذه التطوّرات في أوساط الإعلام الرسمي بوتيرة متسارعة ومتزامنة مع التغييرات التي شملت مختلف المجالات وأهمها، لا سيما الاقتصادية والأمنية؛ من خلال تغيير المسؤولين والقادة، وذلك مع تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد، في حين لم تغب تلك التغييرات عن القطاع الثقافي والمجتمعي.
فبن سلمان كان قد تحدّث حول ضرورة تغيير التوجه الديني في البلاد، وتوعّد بالقضاء على ما سمّاه "بقايا التطرّف" في القريب العاجل، مبيّناً في حوار صحفي له: "اتّخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، ولا أعتقد أن هذا يشكّل تحدياً، فنحن نمثّل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه".
وبحسب ما أوضحت التغييرات التي طالت مفاصل عديدة بالسعودية، فإن للإعلام نصيباً من هذا التوجه.
وكان أحد أبرز أوجه التغييرات في وسائل الإعلام؛ لما لها من تأثير كبير في المجتمع، وفي إقناع أفرادها بأفكار وليّ العهد، تعيين الإعلامي المعروف بتوجّهاته العلمانية، داوُد الشريان، رئيساً تنفيذياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، العام الماضي.
الشريان الذي بدأ عمله في الإعلام من خلال الصحافة في سبعينيات القرن الماضي، ذاع صيته كثيراً في برنامجه الجريء "الثامنة"، الذي انطلق من خلال قناة "إم بي سي" السعودية في 2012، واستمرّ على مدى خمس سنوات، حقّق من خلالها شهرة واسعة.
وجاءت بصمات الشريان بخطوة أولى دشّنها التلفزيون السعودي مطلع أكتوبر الماضي، إذ بدأ ببث أغاني أم كلثوم، المطربة الراحلة، وهو ما أثار جدلاً شعبياً ونخبوياً واسعاً في المملكة بين رفض وقبول.
ويدخل الانقلاب في الشاشة السعودية ضمن ما تشهده البلاد من تغييرات اجتماعية "دراماتيكية" غير مسبوقة؛ إذ شهد شهر سبتمبر 2017 اتخاذ السلطات عدة قرارات تستهدف دمج المرأة في المجتمع، والسماح لها بقيادة السيارة ودخول المدرجات الرياضية. كما سمحت بالحفلات الغنائية، ورخّصت دوراً للسينما، وغيرها من المظاهر الانفتاحية بالمجتمع السعودي.