الخليج أونلاين-
بعد غيمة سوداء داكنة أطلَّت على السعودية، إثر ارتكابها جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وفشل إعلامها الرسمي والخاص، في صد تداعياتها، والتخفيف من وطأة الضغط الدولي على المملكة وقادتها، بدأت الرياض بإنهاء حساباتها مع مسؤولي ماكينتها الإعلامية.
وكان أول الراحلين وزير الإعلام عواد العواد، الذي أُقيل بقرار من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وتعيين تركي شبانة، مديرِ قنوات "روتانا" الفنية، خلفاً له، وصولاً إلى إقالة تركي الدخيل، أحد الأذرع الإعلامية المقربة من ولي العهد محمد بن سلمان، من منصب المدير العام لقناتي "العربية" و"الحدث".
ويأتي قرار إقالة "الدخيل"، بعد أن أكدت مصادر مطّلعة لـ"الخليج أونلاين"، في وقت سابق، أنه سيُقال من منصبه بسبب غضب الديوان الملكي السعودي، لما اعتبره تغطية سيئة وضعيفة لحادثة اغتيال الصحفي خاشقجي، في الثاني من أكتوبر 2018.
وخلال جريمة قتل خاشقجي، ظهر الإعلامي السعودي، بشقيه الرسمي والخاص، عاجزاً أمام الحقائق التي كانت تكشفها السلطات التركية يوماً بعد الآخر، والتي أكدت مسؤولية الرياض عن قتله وتقطيع جثته.
واستخدم الإعلام السعودي أسلوب التشكيك في الحقائق الدامغة التي كانت تنشرها وسائل الإعلام العربية الدولية والمتعلقة بقضية خاشقجي، وهو ما أفقده مصداقيته أمام جمهوره الداخلي والخارجي، حيث بات هدفاً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
إخفاقات "الدخيل"
وعملت قناة "العربية"، بقيادة "الدخيل"، في ذلك الوقت، على استضافة شخصيات سياسية سعودية، لإظهار أن المملكة تتعرض لمؤامرة دولية، واختلاق روايات لا تستند إلى أي دليل، من خلال الاتهامات التي وجهوها إلى تلك الدول، التي من ضمنها قطر.
وعاش الإعلام السعودي حالة تخبُّط غير مسبوقة في تاريخه، إذ لجأ منذ بداية جريمة القتل، إلى إجراء مقابلات مع أفراد عائلة خاشقجي، وإظهار تأييدهم الكامل لولي العهد محمد بن سلمان، ورفض الاتهامات الموجهة إليه بمسؤوليته عن الجريمة.
كذلك، لعب إعلام الرياض بورقة خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي، ومحاولة تكذيبها، وادعاء أنه غير مرتبط بها من الأساس، واتهامها بأنها عميلة استخباراتية لإحدى الدول.
ولم تدُم تأويلات "الدخيل" و"العواد" طويلاً، حيث انهارت جميع رواياتهما المختلقة، بعد إقرار السعودية بمسؤوليتها عن جريمة قتل خاشقجي داخل قنصليتها، على يد فريق اغتيال يرتبط عدد من أفراده بالديوان الملكي.
ووضعت الرواية السعودية الرسمية إعلامها موضع تكذيب وإحراج، حيث عمل خلال 18 يوماً بعد جريمة الاغتيال، على النيل من أي دولة أو وسيلة إعلامية تؤكد مقتله داخل السفارة، وتأكيد مغادرته إياها.
ولم يكتفِ إعلام المملكة، وخاصة قناة "العربية" بقيادة "الدخيل"، بتلك الفضيحة العالمية، بل زاد من تضليل الرأي العام المحلي والدولي، من خلال نشر روايات غير دقيقة لجريمة اغتيال خاشقجي، وعدم التعامل مع الإعلام الدولي الذي اتهم بن سلمان، وسبب له حرجاً عالمياً.
وهوجمت تركيا من خلال مقال للكاتب بدر العتيبي، قال فيه: "الواشنطن بوست أضحت دبابة توجه قنابلها إلى السعودية، وانجرفت تختلق قصصاً، زاعمةً أنها تنقلها عن مصادر تركية لم تسمها".
ولم يتردد الإعلام السعودي، ومن ضمنه قناة "العربية"، في استهداف "طوران قشلاقجي" رئيس جمعية "بيت الإعلاميين العرب في تركيا"، المدافِعة عن حقوق الصحفيين، والذي كان له دور كبير في تسليط الضوء على حادثة الاغتيال، فوُجِّهت إليه اتهامات مرسلة لا أساس لها، بعيداً عن القضية الأساسية.
كما أخفق "الدخيل"، رأس الهرم الإعلامي بالسعودية، في التعامل مع قضية اغتيال خاشقجي باحترافية، فهاجم الولايات المتحدة الأمريكية، حليفة المملكة، بشكل متسرع، من خلال التلميح، في مقال له، بأن الرياض ستستبدل بالتحالف مع واشنطن إقامة علاقات مع روسيا، وعودة العلاقات مع حركة "حماس" و"حزب الله" اللبناني، المصنَّفين على قائمة الإرهاب الأمريكية.
مجلس جديد لـ"العربية"
وعن إقالة "الدخيل"، أعلن وليد الإبراهيم، رئيس مجلس إدارة مجموعة MBC، في بيان له، تأسيس مجلس تحرير لقناتَي "العربية" و"الحدث" برئاسة عبد الرحمن الراشد، وعضوية كل من مازن تركي السديري، وعلي الحديثي، وسلمان الدوسري، وفيصل عباس.
كما أعلن تعيين نبيل الخطيب مديراً عاماً لـ"العربية" و"الحدث" خلفاً لـ"الدخيل"، الذي شغل هذا المنصب منذ 29 يناير 2015.
وقال الإبراهيم: "يهدف تأسيس مجلس التحرير إلى رفد القناتين بأفضل الخبرات، خصوصاً أنه يتمتّع بالاستقلالية الضرورية، لضمان مهنية العمل ومصداقيته".
ومن أبرز مهام مجلس التحرير -وفق الإبراهيم- دعم ومؤازرة إدارة قناتَي "العربية" و"الحدث" ومنصاتهما المتعددة، إضافة إلى تطوير القدرات التحريرية والفنية فيهما.
حالة غضب تمثلت بإقالات
وكانت مصادر أكدت لـ"الخليج أونلاين"، أن حالة من الغضب العارم تجتاح البلاط الملكي السعودي، بسبب ضعف التغطية الإعلامية، التي سادت وسائل الإعلام التابعة للمملكة، بعد حادثة اغتيال خاشقجي.
وقالت المصادر المطلعة على الوضع الداخلي للمملكة: إن "سعود القحطاني، مستشار ولي العهد (المُقال)، اتصل بالمسؤولين الإعلاميين عن وسائل الإعلام السعودية، المحلية والأجنبية، للتعبير عن سخط القصر الملكي من فشلهم الكبير في نفي الاتهامات الموجّـهة إلى المملكة، خلال الأيام الأولى من الحادثة، بأنها تقف وراء اختفاء خاشقجي واغتياله".
وأضافت المصادر، التي يعمل أحدها بقناة "العربية"، المملوكة بصفة غير مباشرة للحكومة السعودية: إن "الديوان الملكي اتخذ قراره إجراء تغييرات شاملة في وسائل الإعلام التابعة للمملكة، بعد انتهاء قضية اغتيال خاشقجي".
وكشفت المصادر حينها، أن "مدير قناة العربية، تركي الدخيل، سيكون على رأس القائمة"، وهو ما حصل فعلاً، مشيرةً إلى أن "الدخيل أصبح متأكداً من أن أيامه في القناة صارت معدودة، بعد أن وصلت إليه تهديدات من الديوان الملكي بأنه سيُقال هو وعدد من المسؤولين الكبار بالقناة، بسبب الضعف الكبير الذي اتسمت به القناة وموقعها الإلكتروني في صدّ ما سموه (الهجمة الشرسة) و(الحملة المُغرضة) على المملكة"، في إشارة إلى الانتقادات الدولية الموجهة إلى الرياض بعد تورّطها في جريمة اغتيال خاشقجي.
وأمام تحركات الملك سلمان الجديدة، والمتمثلة بجملة الإقالات والتعيينات الجديدة لمسؤولين إعلاميين، يبقى السؤال: هل ستنجح السعودية في حفظ ما تبقى من ماء وجهها، بالقضايا التي مستها؟
الأوامر الملكية تقطع "شريان" بن سلمان الإعلاميَّ
كما أطاحت الأوامر الملكية التي صدرت مؤخراً، بالإعلامي المعروف بتوجّهاته العلمانية، داوُد الشريان، من منصبه كرئيس تنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون، بعد تعيينه في العام الماضي، تزامناً مع أبرز أوجه التغييرات بوسائل الإعلام، لما لها من تأثير كبير في المجتمع، وفي إقناع أفراده بأفكار وليّ العهد.
حيث أصدرت هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، السبت الماضي، قراراً يقضي بإبعاد مدير القناة الأولى من منصبه؛ بعد بثّ القناة الحفل الغنائي الخاص بماجدة الرومي، والمقام في محافظة العلا.
"الشريان"، الذي بدأ عمله بالإعلام من خلال الصحافة في سبعينيات القرن الماضي، ذاع صيته كثيراً في برنامجه الجريء "الثامنة"، الذي انطلق من خلال قناة "إم بي سي" السعودية في 2012، واستمرّ على مدى خمس سنوات، حقّق خلالها شهرة واسعة.
وجاءت بصمات "الشريان" بخطوة أولى دشّنها التلفزيون السعودي مطلع أكتوبر 2017، إذ بدأ ببث أغاني كوكب الشرق أم كلثوم، وهو ما أثار جدلاً شعبياً ونخبوياً واسعاً في المملكة بين رفض وقبول، قبل أن يقلب وجه التلفزيون السعودي المحافظ.