وكالة بلومبيرغ الأمريكية-
أثارت الأخبار التي نقلتها وكالة بلومبيرغ الأمريكية بشأن شروع قنوات سعودية في نقل مقارها من إمارة دبي إلى الرياض، ردود فعل واسعة، حيث رحب سعوديون بالخطوة التي تأتي استجابة لقرار أصدرته الحكومة هذا العام، فيما بدا بعض الإماراتيين مستائين من الخطوة.
وقالت وكالة بلومبيرغ (الأربعاء 1 سبتمبر) إن قنوات إخبارية سعودية كبيرة بدأت نقل مقارها الرئيسية من دبي إلى الرياض استجابة لجهود الحكومة السعودية الرامية لتحفيز الشركات متعددة الجنسيات على نقل مقارها للمملكة.
ونقلت الوكالة عن عدد من العاملين أنه تم إخبار العاملين في قناتي العربية والحدث بخطط الانتقال من دبي إلى الرياض يوم الاثنين (30 أغسطس).
وستتم هذه الخطوة على مراحل، تهدف أولاها لإنتاج 12 ساعة من البرامج الإخبارية من العاصمة السعودية بحلول أوائل يناير 2022.
واحتفت الصحف السعودية بالخطوة التي اعتبرتها "عودة للإعلام المهاجر إلى البلاد"، فيما اعتبرت شخصيات إماراتية الأمر تنكّراً لما قدمته الإمارات إلى الإعلام السعودي على مدار سنوات.
أمر طبيعي
صحيفة "عكاظ" السعودية وصفت الأمر بأنه "طبيعي"، مشيرة إلى أنه من غير المنطقي أن تطلب المملكة من الشركات متعددة الجنسيات نقل مقارها في المنطقة إلى الرياض في حين تظل مقار مؤسسات سعودية كبيرة في الخارج.
وفي مقال بعنوان "عودة الإعلام المهاجر"، قال الكاتب السعودي خالد السلمان (الخميس 2 سبتمبر) إن الخطوة "تأخرت كثيراً"، وإن مبررات استمرار عمل هذه القنوات من الخارج لم تعد موجودة بعد الخطة الطموحة لتطوير الأعمال التي بدأها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقال السلمان إن وجود المقار في الرياض لن يؤثر على عمل المراسلين والطواقم الخارجية في جميع الدول، مشيراً إلى أنه "لن يؤثر أيضاً على مهنية القنوات وإنتاجيتها".
كما أن وجود هذه القنوات في الساحة السعودية سيمنح الإعلاميين السعوديين مزيداً من الفرص لممارسة المهنة واكتساب الخبرة والمهارة، وهي فرص حازها في الغالب غير السعوديين في الخارج، بحسب الكاتب.
ولفت السلمان إلى أن المملكة تمتلك حالياً الكوادر الوطنية عالية التأهيل التي تستحق ممارسة عملها من داخل بلادها، مؤكداً أن "الصوت السعودي لا بد وأن يصدح من داخل السعودية"، بدلاً من "الاغتراب المهني".
وسبق أن دعا الأكاديمي والمسؤول السعودي السابق، الدكتور عبد العزيز التويجري، المدير العام السابق للإيسيسكو، لنقل القنوات السعودية التي تبث من الخارج إلى الرياض.
وكتب التويجري تغريدة في يناير من هذا العام، قال فيها: "أصبح لِزاماً نقلُ القنوات التلفزية المحسوبة على بلادنا إلى الرياض".
وقد رد عليه الإعلامي السعودي محمد الأحمد آنذلك، بالقول: إن "هذه قنوات خاصة هدفها استثماري تسعى لأكبر عدد من المتابعين. ومن ثم لأكبر عدد من المعلنين... ولو مستثمر سعودي شارك في الاستثمار في سوبر ماركت أو مستشفى خارج المملكة يعتبر محسوب علينا ويجب أن ينقله لها".
لكن الأحمد علّق على خبر بدء نقل مقار القنوات من دبي للرياض بالقول: "ليس مهماً أن تكون في الدوحة أو في أبوظبي أو في الرياض أو في الكويت أو في مسقط أو في المنامة؛ فحيثما تكون من هذه العواصم الست فهي في أرض خليجية وتحت سماء خليجي".
وجاءت تغريدة الأحمد رداً على تغريدة للسياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، قال فيها إن دبي رحبت بقناة العربية السعودية وقدمت لها أفضل ما عندها حتى ازدهرت وأكدت حضورها، مضيفاً أن القناة السعودية كانت بحاجة لدبي في لم تكن الأخيرة بحاجة لها.
وأضاف عبد الله: "الآن حان الوقت أن تقول دبي للعربية وداعاً.. مع السلامة وبالتوفيق".
في المقابل اعتبر الإعلامي السعودي صالح الجسمي أنه "من الطبيعي جداً أن تنتقل هذه القنوات وغيرها إلى الرياض كونها عاصمة القرار العربي"، حسب قوله.
انتقال تدريجي
وقال المتحدثون إنه سيتم تقديم الدعم لبقية الموظفين للتحرك بشكل تدريجي مع اكتمال المرافق، وأكدت الإدارة للموظفين أنه لن يكون هناك تسريح للعمال.
وترى بلومبيرغ أن المملكة العربية السعودية تضغط على الشركات الدولية لوضع مراكزها في الشرق الأوسط في المملكة بحلول بداية عام 2024 أو المخاطرة بخسارة أعمالها في أكبر اقتصاد في المنطقة.
ونقلت الوكالة عن الرئيس التنفيذي لمجموعة MBC، سام بارنيت، وهي أكبر محطة إذاعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قوله إن خطط الشركة السعودية لإنشاء مقر جديد في الرياض، التي تم الإعلان عنها العام الماضي "تسير على الطريق الصحيح".
وتضم مجموعة "إم بي سي" التي تأسست في بريطانيا في التسعينيات عدداً من القنوات التلفزيونية وإذاعة، إضافة لعشرات من المواقع الإلكترونية التي تتخذ من مدينة الإعلام في دبي مقراً لها.
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة إن الأخيرة ستحافظ على حضور قوي في الشرق الأوسط.
وبدءاً من العام 2024، ستتوقف الحكومة السعودية والمؤسسات المدعومة من الدولة عن توقيع العقود مع الشركات الأجنبية التي تتخذ من الشرق الأوسط مقار لها في أي دولة أخرى في المنطقة، بحسب ما أعلنته الحكومة في فبراير الماضي.
وقالت الحكومة السعودية إن هذه الخطوة تهدف إلى الحد من "التسرب الاقتصادي"، وتعزيز خلق فرص العمل.
كما خصص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان 800 مليار دولار لتحويل الرياض إلى واحدة من أكبر عشرة اقتصادات مدن في العالم.
وفي حين تضمنت الخطوات السابقة حوافز للشركات للتحرك، احتوى الإعلان، في فبراير، على تهديد ضمني بخسارة مليارات الدولارات من الصفقات ما لم تنتقل إلى السعودية.
تحدٍّ ليس سهلاً
وتقول وكالة رويترز إن هذا الإجراء هو أحدث محاولة من جانب المملكة لإعادة تشكيل نفسها كمحور مالي وسياحي، لكنها أشارت إلى أنه لن يكون من السهل تحدي هيمنة دبي باعتبارها العاصمة التجارية والمالية للمنطقة.
وسبق أن قال المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، ناصر الشيخ، إن تحرك الرياض يتناقض مع مبادئ السوق الخليجية الموحدة، وكتب على تويتر إن الجذب القسري غير مستدام، حسب تعبيره.
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان أكد مراراً أن هذه القرارات لا تستهدف دولة الإمارات، وإن الأمر يتعلق بحق السعودية في أن يكون لديها نصيبها العادل من المقرات الإقليمية".
وإلى جانب الإنذار، تقدم السعودية أيضاً للشركات التي تؤسس مقرات إقليمية في الرياض إعفاءً كاملاً من الضرائب على الشركات لمدة 50 عاماً، وهو إعفاء مشروط بتوظيف سعوديين لما لا يقل عن عشر سنوات.
كما تقدم الحكومة للشركات أفضلية محتملة في مناقصات وعقود الكيانات الحكومية، وذلك بحسب نشرة )استثمر في السعودية) التي تشرف عليها وزارة الاستثمار.
وأظهرت النشرة أن الشركات ستحصل على خدمات إعادة تموضع وإصدار أسرع للتراخيص وقواعد ميسرة لتصاريح العمل للأزواج.
وقال الجدعان إن بعض القطاعات ستُعفى أيضاً من قرار ربط العقود الحكومية بتأسيس مقرات إقليمية. ومن المقرر أن تصدر قواعد مفصلة قبل نهاية 2021.
ويمضي الأمير محمد بن سلمان قدماً في خططه لإصلاحات اجتماعية واقتصادية لتحديث المملكة المحافظة وجذب استثمار أجنبي للمساعدة في تنويع مصادر الاقتصاد بعيداً عن النفط. ويقول إنه يريد أن تصبح الرياض مدينة عالمية بحلول 2030.