كمال صالح - الخليج أونلاين-
يوماً بعد آخر، تزداد شعبية البودكاست في منطقة الخليج، وتجتذب مزيداً من شريحة الشباب، كوسيلة حديثة لتلبية الحاجة للتعلم والثقافة والترفيه.
الاهتمام بهذا النوع من المنصات في منطقة الخليج كان مبكراً، ويعود تحديداً إلى عام 2009، بسبب حالة الشغف الذي سادت أوساط الشباب خلال تلك الفترة، خصوصاً أولئك الذين ذهبوا للابتعاث في بلدان غربية، وفي المقدمة الولايات المتحدة، أكبر منتج لبرامج البودكاست في العالم.
وعند النظر إلى المحتوى الخليجي من برامج البودكاست، يتصدر عديد من البرامج التي تجاوزت شهرتها الجغرافيا الخليجية لتصل إلى العالمية، على سبيل المثال "بودكاست فنجان" الذي يقدمه الإعلامي السعودي عبد الرحمن أبو مالح، الذي وصلت نسبة مشاهدات إحدى حلقاته المرئية إلى 85 مليون مشاهدة على موقع "يوتيوب"، فكيف يبدو واقع البودكاست في الخليج، وما آفاقه وتحدياته؟
ريادة خليجية
في عام 2009، أطلق البروفيسور الكويتي محمد قاسم أحد أقدم برامج البودكاست العربية، وحمل اسم "Sciware"، وكان عبارة عن دردشة صوتية حول العلم والتقدم العلمي، ولا يزال حتى اللحظة قائماً ويقدم محتوى يحظى بشعبية واسعة في أوساط الشباب الخليجي.
بذات العام، أطلق مشهور الدبيان وجميل عبد الأحد بودكاست "سعودي غيمر"، وحينها كان بودكاست بالألعاب الإلكترونية وأخبارها.
وكانت بداية البودكاست في الخليج شبابية يغلب عليها طابع الترفيه، ثم انتقلت لتصبح لاحقاً وسيلة للتثقيف وإيصال الفكرة، والتعبير عن مشاكل المجتمع، وسبرت أغواراً يصعب على الإعلام التقليدي، أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي، الوصول إليها أو مناقشتها بجودة عالية.
وتوسعت ظاهرة البودكاست في دول الخليج لتنتقل إلى الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين، لكن السعودية أصبحت السوق الأكثر جاذبية لهذا النوع من البرامج الحديثة.
أرقام خليجية
لا يزال المحتوى العربي في الإعلام الجديد ضعيفاً، كما أنه كذلك في البودكاست، لكن يبدو أن المحاولات الرائدة تتركز في دول الخليج، وتحديداً السعودية.
ووفقاً لأرقام رُصدت منتصف العام 2023، فإن السعودية تعتبر أكبر سوق خليجي للبودكاست، ففيها أكثر من 5 ملايين مستمع منتظم، في حين يوجد في الإمارات 2.3 مليون مستمع، بينما لا تتوافر إحصائيات دقيقة في بقية دول الخليج.
وهناك العشرات من برامج البودكاست الخليجية، المتنوعة والمتخصصة، والتي نجحت في مناقشة وطرق مواضيع من الصعب تناولها في الإعلام التقليدي، كما لا تستطيع منصات التواصل مناقشتها.
ولعل أبرز مواضيع البودكاست في الخليج ما يخص المال والأعمال، والتجارب الحياتية، والفكر والثقافة وبناء العلاقات، والتنمية والجوانب النفسية، والعلاقات الاجتماعية والأسرية، والسياسة أيضاً، والأدب.
وتشير الإحصائيات إلى أن 3 من أصل 10 أشخاص يستمعون للبودكاست، تستحوذ دول الخليج منها على نصيب الأسد إنتاجاً واستماعاً.
وبالنظر إلى سوق البودكاست عالمياً، تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية القائمة، في الوقت الذي تشير فيه الأرقام إلى أنه بحلول العام 2027 سوف يتجاوز سوق البودكاست قرابة 66 مليار دولار.
بودكاست خليجي
وعند الحديث عن البودكاست في الخليج، يتصدر "فنجان" من شركة "ثمانية" كمثال حي للريادة الخليجية في هذا المجال، إذ أصبح الأشهر، ليس خليجياً فحسب، بل عربياً، وربما ينافس عالمياً أيضاً.
بودكاست فنجان يقدمه الإعلامي السعودي عبد الرحمن أبو مالح، ويحظى بشعبية كبيرة في الأوساط العربية والخليجية تحديداً، ومنذ انطلاقه في 2015، استضاف المئات من المؤثرين ورواد الأعمال والمتخصصين والخبراء والتجار والسياسيين والمفكرين والمثقفين ورجال الدين والأدب وعلم الاجتماع وعلماء النفس والأطباء والمخترعين وغيرهم.
نجاح "فنجان" دفع المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام إلى الاستحواذ على منصة "ثمانية" المنتجة للبرنامج، في عام 2021، وقالت الرئيسة التنفيذية للمجموعة جمانا الراشد: إن الاستحواذ "سيتيح آفاقاً جديدة في مجال المحتوى الصوتي الرقمي، الذي يشهد نمواً كبيراً على المستويين الإقليمي والعالمي".
كذلك تنتج "ثمانية" بودكاست "السوق"، وهو من البرامج التي حازت انتشاراً واسعاً في أوساط المهتمين بعالم المال والاستثمار، ويخوض في مواضيع لها علاقة بالاستثمار وريادة الأعمال وتحولات السوق وغيرها، يضاف لذلك برنامج "سوالف"، باللهجة السعودية واللهجات الخليجية الأخرى.
ومن برامج البودكاست الخليجية الشهيرة بودكاست "حروب الأعمال"، الذي يأتي ضمن قائمة أفضل البرامج الصوتية التي أنتجت في السنوات الأخيرة، ويسلط الضوء على كواليس المنافسة بين الشركات والمؤسسات العالمية، وتنتجه شبكة "الجزيرة".
كما نجح بودكاست "بدون ورق" الكويتي في سبر أغوار مواضيع حساسة، وكذلك برنامج "أبجورة" السعودي، وسلسلة من البرامج في سلطنة عُمان والإمارات وقطر والبحرين.
وفي قطر كانت برامج البودكاست التابعة لقناة "الجزيرة" ذات انتشار واسع، زاد مع إطلاقها في العام الماضي منصة "أثير" الخاصة بهذا النوع من البرامج.
شعبية كبيرة
ولعل ما يميز هذه البرامج سهولة إنتاجها وجاذبيتها للشباب، ووفقاً للمدونة الكويتية ليلى القحطاني، عضو مجلس إدارة جريدة "بوبيان نيوز"، فإن البودكاست في الخليج لقي شعبية كبيرة جداً، مرجعةً الفضل في ذلك للأجيال الصغيرة.
وقالت القحطاني في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "الأجيال الصغيرة تتعلق بكل ما هو رقمي وإلكتروني"، حيث يجذبها سهولة تصميمه وسهولة إنتاجه، وكذلك كونه في متناول اليد في دقائق معدودة.
ولفتت إلى أن البودكاست أصبح "هواية للشباب، ولمحترفي استخدام التقنية، لذلك وجد شعبية كبيرة، خاصة أنه يعتبر أحد وسائل إيصال الرأي والرأي الآخر بشكل سريع، فهو متنفس، وهو أحد أدوات الحرية والديمقراطية خاصة في الكويت".
وأضافت القحطاني: "الشريحة العمرية التي تستخدم هذا البرنامج كبيرة في الخليج، الخليج يمتلك أكبر نسبة للشباب، وهذا البرنامج يعتبر سريعاً جداً، ويمكن التنقل فيه واستخدامه من مكان إلى آخر، ولا يحتاج إلى أجهزه".
واستطردت قائلةً: "هذه الشريحة العمرية ليس لديها طاقة على تحمل القراءة، خاصة النمط القديم من القراءة، الصحف الورقية، وقراءة الكتب والملاحق الورقية، التي يمكن أن تأخذ ساعات، زمن السرعة وعصر السرعة الذي نعيش فيه هو ما شجع استخدام البودكاست بهذا الشكل".
الحرية وغياب الرسميات
وترى الإعلامية الكويتية أنه "حتى الصحف باتت تستخدم البودكاست، وكذلك كبار الإعلاميين والكتاب، وأصحاب الرأي من كبار السن، كونهم وجدوا فيه طريقة سريعة جداً لإيصال آرائهم وإيصال قضاياهم وأصواتهم للجمهور".
ولفتت إلى أنه حتى الحكومات "استغلت البودكاست، ودخلت مع المجتمع والشباب في إنتاج مقاطع تخاطب الجمهور"، مشيرةً إلى أنه في الكويت، ونتيجة لوجود مساحة كبيرة من الديمقراطية وحرية الرأي، استعان كثير من البرلمانيين وكثير من الناشطين بالبودكاست، أشهرها برنامج خليفة المزين (بين قوسين)، الذي كان له دور كبير في كشف كثير من الحقائق على الصعيد السياسي في البلاد.
من جانبه يرى بدر المديفع، صانع المحتوى البحريني، والشريك في برنامج "خوش فكرة"، أن ميزة البودكاست أنه يتناول القصص بعيداً عن الرسميات، وبدون تكلف.
وأضاف في مداخلة مع قناة "الحرة"، في مايو 2023، أن موجة كبيرة من الشباب يحبون الإعلام غير التقليدي، واليوم هناك توجه نحو البودكاست، كونه "أكثر حرية من الوسائل التقليدية".