يوسف حمود - الخليج أونلاين
بينما كان رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، قبل أشهر قليلة، يقاضي الحكومة اللبنانية بسبب تضرر مجموعته الاستثمارية، خرج مؤخراً بشكلٍ مفاجئ متحدثاً عن تأسيسه قناة تلفزيونية واستديوهات ضخمة لا يهدف منها إلى الربح.
ووفق بيان إعلانه فإن الهدف من القناة المزمع إنشاؤها في لبنان "نشر الإيجابية والتفاؤل، وتخفف حدة الأخبار السلبية التي تتداولها وسائل الإعلام"، في وقتٍ يعيش البلد العربي حرباً على حدوده الجنوبية مع "إسرائيل"، وانهياراً اقتصادياً كبيراً وشللاً كاملاً في الحياة السياسية.
وفي حين رأى البعض أن القناة قد تأتي ضمن خطوة إماراتية لانتشال لبنان من الوضع الذي يعيشه، يرى آخرون أنها ضمن خطوات لاستهدافه، خصوصاً أن صاحبها من أبرز المستثمرين العرب في "إسرائيل".
إعلان لافت
بالتزامن مع يوم عيد العمال العالمي (1 مايو 2024)، أعلنت مجموعة "الحبتور"، المملوكة لرجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، اعتزامها إطلاق قناة تلفزيونية ومدينة استديوهات في العاصمة اللبنانية بيروت.
وتوقعت، في بيان لها، أن توفر القناة ومدينة الاستوديوهات فرصاً لأكثر من 300 لبناني في مجالات مثل الصحافة، والإنتاج، والفنون، وغيرها، كما ستعمل على تطوير مدينة استوديوهات في لبنان على مساحة 100 ألف متر مربع، والتي ستصبح مركزاً رئيسياً لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية.
وعبّر مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور عن حماسه لهذه المبادرة الجديدة، وقال: إنها "ليست مجرد بث تلفزيوني، فنحن ملتزمون بتمكين القوى العاملة المحلية والمساهمة بشكل إيجابي في إحياء اقتصاد لبنان".
بدوره شكر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، زياد المكاري، هذه الخطوة، وقال في منشور له على منصة "إكس" إن فريق عمل الحبتور "حضر إلى وزارة الإعلام لوضعي في تفاصيل المشروع، وأبلغته أن الحكومة اللبنانيّة ووزارة الإعلام على استعداد لتقديم كل التسهيلات التي قد يحتاجها".
عكس التيار!
ويبدو أن رجل الأعمال الإماراتي يسير عكس التيار بعد انسحاب مؤسسات إعلامية لها حضور كبير على الساحة الإعلامية العربية، والخليجية تحديداً، من لبنان، الذي كان يوماً ما الساحة الأولى في النشاط الصحفي والمرئي والمسموع عربياً، بعد أن دخل أزمة غير مسبوقة مع البلدان العربية، وبخاصة الخليجية.
وكان من أبرز تلك الخطوات إغلاق مجموعة "إم.بي.سي" السعودية مكاتبها في لبنان بمعداتها وموظفيها وتوجهها إلى المملكة قبل أكثر من عامين، بعد أزمة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي.
كما انسحبت قناة "العربية" السعودية وأغلقت مكاتبها في لبنان عام 2016، بعد أن دخلت أزمة غير مسبوقة مع البلدان العربية حينها، وبخاصة الخليجية، والحجة أمنية مرتبطة بشكل أو بآخر بـ"حزب الله"، الذي يتهم بالتحكم بمقدرات لبنان أمنياً وسياسياً.
وتراجع الاهتمام بلبنان في الفترة الأخيرة، وهو ما تسبب في توقف تدفق الدعم المالي الذي طالما شكل الرئة التي يتنفس منها الإعلام اللبناني.
بين التطبيع ودعم العلاقة
وعن دوافع تأسيس القناة، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني محمود علوش إن أبوظبي لديها "رغبة متزايدة في أن يكون لهم حضور في الحالة اللبنانية".
ويوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هذه الرغبة "تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تراجع رغبة السعودية في أن يكون لها دور في الحالة اللبنانية".
ويرى أن ثمة "عقبات كثيرة تصعّب أن يكون للإمارات دور في المشهد اللبناني"، لكنه يرى في الوقت ذاته أن الاستثمارات والاقتصاد "يمكن أن يكون مدخلاً للقيام بهذا الدور، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها لبنان في السنوات الأخيرة".
ويعتقد أن حضور الخليج في لبنان مهم جداً؛ "ليس لإخراجه من هذا المأزق الكبير الذي يواجهه، بل أيضاً لإصلاح الخلل في ميزان النفوذ الإقليمي على لبنان، لا سيما أن إيران تتزايد هيمنتها في البلاد، خصوصاً أن تراجع الدور الخليجي ساعد طهران على تعزيز حضورها في لبنان".
وأضاف: "لبنان بحاجة اليوم إلى أن يكون لديه علاقات قوية مع محيطه، لا سيما الدول الخليجية، وأن يكون على علاقات متساوية مع مختلف الجهات الإقليمية الفاعلة، لأنها تساعد بدرجة كبيرة في الحد من ارتدادات هذا الاضطراب الإقليمي الكبير على الوضع في لبنان".
أما الطرف المناهض للإمارات فيرى أن هذه الخطوة ضمن التطبيع مع "إسرائيل"، حيث وصف الكاتب والإعلامي اللبناني، شوقي عواضة، الحبتور بـ"الصهيوني" وقال إن مشروعه "واضح وجلي، والأمر ليس حباً بلبنان ولا بشعبه وإنما صفقة استثمار في دماء اللبنانيين لاستهداف المقاومة التي جاهر بضربها والقضاء عليها".
فيما رأى البروفيسور اللبناني، أسعد أبو خليل، أنه لو أراد لبناني فتح محطة تلفزيونية في الإمارات "لضخ فكر مقاومة إسرائيل لزج به في السجن على الفور"، مضيفاً بالقول: "ها هو داعي التطبيع، الحبتور، يباشر بفتح محطة تطبيع في لبنان"، مطالباً بـ"منع إعلام التطبيع من لبنان".
وعرف عن الحبتور أنه من بين أكثر الشخصيات التي دعت مبكراً للتطبيع مع "إسرائيل"، قبل توقيع بلاده اتفاقية "أبراهام" عام 2020.
وعقب توقيع الإمارات الاتفاقية، أعلنت مجموعة الحبتور أنها ستفتح مكتباً لتمثيلها في "إسرائيل"، كما هاجم الحبتور عملية "طوفان الأقصى" وقال إنها "بثت الرعب في نفوس الإسرائيليين".
الإمارات والحبتور
تجاوزت أبوظبي ردود الفعل العدائية لـ"حزب الله" تجاه دول الخليج في سنوات ماضية، وسعت إلى الانفتاح الإيجابي على لبنان من خلال رفع الحظر المؤقت على منح تأشيرات دخول للمواطنين اللبنانيين، وهو حظر نجم عن أنشطة وصفت بالتخريبية للحزب في الإمارات ودول خليجية أخرى، بالإضافة إلى دراسة إعادة فتح سفارتها في بيروت.
أما الحبتور فقد كان له مواقف مناهضة بشدة للحكومة اللبنانية والوضع السياسي في البلاد، كان آخرها في يناير من العام الجاري، حين وجه إخطاراً كتابياً إلى لبنان حول نزاع يتعلق بانتهاك اتفاقية الاستثمار الثنائية بين البلدين والإضرار باستثمارات المجموعة.
ويتعلق النزاع باستثمارات مجموعة الحبتور في لبنان، والتي تبلغ نحو مليار دولار في قطاع الفنادق الفاخرة تحت العلامة التجارية "هيلتون"، وقطاعي المراكز التجارية والعقارات.
وفي مارس 2023، شن الحبتور هجوماً عنيفاً، أكد خلاله أن القرار في لبنان "ليس بيد رئيس الجمهورية بل بيد المليشيات"، جازماً بأن الثقة لن تعود إلى أي مصرف لبناني حتى بعد "تحرير لبنان من الخونة".