واصل إعلاميون مصريون، حملتهم ضد المملكة العربية السعودية، في تصاعد واضح للأزمة السياسية القائمة بين البلدين.
وانتقلت حملات التراشق بين الطرفين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تهديدات من صحف مصرية قريبة من السلطة باستمرار الهجوم على خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبد العزيز».
الملفت أن الحملة الدائرة في الإعلام المصري تأتي من إعلاميين على صلات قوية بالأجهزة الأمنية في البلاد، وكثيرا ما يرافقون الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في جولاته الخارجية.
زاد من حدة الأزمة، تعهد «محمود مسلم» رئيس تحرير جريدة «الوطن» المصرية-التي شنت هجوماً لاذعاً على العاهل السعودي واتهمته بدعم الإرهاب- باستمرار الهجوم الإعلامي المصري على المملكة.
وقال «مسلم» إن «استمرار الأزمة ليس في مصلحة الطرفين»، إلا أنه «تعهد باستمرار الهجوم الإعلامي المصري طالما استمرت ردود الأفعال السعودية المعلنة تدين سياسات مصر وتحاول أن تجعلها تابعة لأحد»، بحسب «هافينغتون بوست عربي».
وأضاف «مسلم» أن الهجوم الإعلامي جاء ردا على الانتقاد العلني لموقف مصر الذي قامت به المملكة على لسان مندوبها بالأمم المتحدة، وهي سابقة لم تحدث من قبل وكان أحرى به أن يحدث ذلك في الغرف المغلقة، على حد قوله.
كان «عبد الله المُعلمي»، مندوب السعودية بمجلس الأمن، وصف تصويت مصر لصالح المشروع الروسي بشأن سوريا، بـ «المؤلم أن يكون موقف السنغال وماليزيا أقرب إلى الموقف العربي من مصر».
كما واصل الكاتب الصحفي «إبراهيم عيسى»، هجومه العنيف على المملكة العربية السعودية، زاعما أن كل الكوارث والنكبات والحروب والإرهاب في الدول العربية بسبب السياسات الوهابية، حسب قوله.
وقال «عيسى»، في برنامجه «مع إبراهيم عيسى» المذاع على فضائية «القاهرة والناس» المصرية، «إن السعودية طرف في إشعال النيران والحرائق في سوريا والعراق واليمن»، على حد قوله.
وانضم الإعلامي «جابر القرموطي»، إلى قائمة الإعلاميين المصريين المهاجمين للمملكة العربية السعودية؛ قائلا في برنامجه «مانشيت» المذاع على فضائية «العاصمة الجديدة» المصرية،: «كنا بنديهم كسوة الكعبة، إحنا لينا وجهة نظر ورأي خاص بينا، ولازم تفهموا دا».
«تعليمات عليا»
ومن المتوقع ارتفاع وتيرة الأزمة، في ظل توجيهات عليا صدرت لصحف ووسائل إعلام مصرية، وبرامج التوك شو، بشن حملة انتقادات ضد المملكة، مع تخصيص الجانب الأكبر منها على شخص الملك «سلمان»، باعتباره غيّر سياسات المملكة في اتجاه سلبي، وفق صحف مصرية.
وقال مصدر بإحدى الصحف الخاصة الكبرى بالقاهرة، «إن ذات التوجيهات وصلت إلى برامج توك شو، حيث تم تخصيص بعض فقراتها للحديث عن الأزمة مع السعودية»، بحسب «هافينغتون بوست عربي».
وكانت صحيفة «الوطن» المصرية، صدرت أمس الأربعاء نسختيها الورقية والالكترونية على الانترنت، بتقرير يقول «السعودية تدفع ثمن احتضانها للإرهاب وجماعات العنف المسلح».
وحملت الصحيفة الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، المسئولية عن احتضان التنظيمات المتطرفة، ومساندتها مادياً وعسكرياً، قائلة «بتولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم فى السعودية، حصلت الجماعات الإرهابية على دعم مالى وعسكرى مباشر من المملكة التى عادت لاحتضان تلك التنظيمات المتطرفة، وساندتها مادياً وعسكرياً، وخصوصاً فى سوريا واليمن، وألغت لائحة التنظيمات الإرهابية».
وحسب «محمد الباز» رئيس التحرير التنفيذي لموقع «البوابة نيوز» فإن هناك «حالة من القصف المتبادل بين وسائل الإعلام في البلدين، وبمعرفة السلطات الحاكمة بهما، ولكن صانع القرار في البلدين لا يتعجل في التدخل».
لكن السفير «أحمد أبو زيد» المتحدث باسم الخارجية المصرية، حاول تهدئة الجانب السعودي، قائلا «إن وسائل الإعلام المصرية لا تعبر عن الموقف الرسمي للدولة»، بحسب «هافينغتون بوست عربي».
«لن نركع»
الإعلامي «أحمد موسى»، المعروف بقربه من أجهزة سيادية مصرية، أطلق على إثر القرار السعودي بوقف إمداداتها النفطية إلى مصر، هاشتاغ «#مصر_لن تركع»؛ للوقوف ضد ما سمّاه «أي حد يريد أن يلوي دراع مصر ويهز صورتها ويجعلها مقسمة»، في إشارة ضمنية إلى السعودية.
وقال «موسى» إن «مصر لا تنسى وقوف السعودية والإمارات ودول بالخليج معها بس لكن اوعوا تقفوا ضدنا»، حسب تحذيره.
حملة «موسى»، لم تكن الأولى ردا على السعودية، وحظيت بدعم من «محمد شردي» المستشار الإعلامي السابق للسفارة السعودية في القاهرة، الذي أعلن دعمه لدعوات الإعلامي «خالد صلاح» المطالبة بوقف رحلات العمرة والحج؛ لتوفير 6 مليارات دولار ينفقها المصريون على العمرة والحج سنويا.
وكتب «جمال سلطان» رئيس تحرير صحيفة «المصريون» في تغريدة على موقع التدوينات «تويتر» يقول، إن «محمد شردي المستشار الإعلامي لسفارة السعودية في القاهرة ينضم لحملة «مصر لن تركع» ويعلن تأييده دعوة صحيفة اليوم السابع لوقف رحلات العمرة؟!».
وحسب وثائق «ويكيليكس» المسربة، فإن السفارة السعودية بالقاهرة تعاقدت في وقت سابق مع الإعلامي «محمد شردي» مقابل مبلغ ضخم ليعمل مستشارًا إعلاميًا للسفارة ويؤسس مكتبها الإعلامي عبر «استقطاب مجموعة من الإعلاميين المصريين المميزين»، وفق «ويكيليكس».
«الورقة الإيرانية»
التهديد بالورقة الإيرانية كان حاضرا في معركة التراشق بين الجانبين المصري والسعودي، في إشارة إلى ملف حساس تعتبره الرياض خطا أحمرا بالنسبة لها.
«سيد علي» الإعلامي المصري الموالي لنظام الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، أعلن استعداد دول أخرى من بينها «إيران» لتزويد مصر، بالبترول، وفق شروط ميسرة.
وقال «علي»، في برنامجه «حضرة المواطن» المذاع على قناة «العاصمة» المصرية، «كل دول الخليج تطبع مع إيران إلا مصر، وإيران مستعدة أن ترسل إلى مصر كل سنة 10 ملايين حاج لزيارة المزارات الموجودة هنا، لكن مصر لا تساوم في هذه المسألة».
وتخوض الرياض معركة ضارية ضد تمدد النفوذ الإيراني في منطقة الخليج العربي، وشنت السعودية بدعم من دول عربية، حربا في اليمن منذ مارس/آذار من العام الماضي؛ لردع المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.
«إهانة الملك ونجله»
إلى جانب التهديد بورقتي «العمرة» و«إيران»، طالت الإهانات المصرية من إعلاميين قريبين من مؤسسة الرئاسة في مصر، الملك سلمان، ونجله ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكتب الإعلامي المصري «يوسف الحسيني» على حسابه على تويتر، معقباً على الموقف المصري في مجلس الأمن الداعم لروسيا في حربها في حلب والذي تسبب في غضب السعودية، قائلاً «ده سر شدة الودن؟!، وهي مصر بتتشد ودنها!! إحنا لو رفعنا أيدينا بس.. الولد هيعيط لأبوه»، في إشارة إلى الملك سلمان ونجله.
لكن تدوينة «الحسيني» لم تمر مرور الكرام، وأشعلت غضب المدونين السعوديين، وكتب «عبدالرحمن الطريري» على تويتر، قائلا «بحسب منطقك: هنشوف احنا لما شدينا الودن مين اللي هيعيط»، ورد آخر قائلا «هنشوف إحنا لما شدينا الودن مين هيعيط».
وكتب ناشط سعودي معلقا على «الحسيني»، يقول «يا مصريين لكم كامل الإحترام ولكن السيسي وبوقه الإعلامي بيوديكم في داهيه،مصر حالياً بتعيط»، بحسب تدوينته.
«الوديعة لم توقف الهجوم»
في خضم التلاسم والتراشق المصري السعودي المتصاعد منذ أيام، جاء الإعلان عن تسلّم مصر وديعة بملياري دولار من السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، فيما يبدو كمحاولة لتهدئة الأجواء بين البلدين.
وقال رئيس الوزراء المصري «شريف إسماعيل»، اليوم الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016، إن مصر تسلّمت وديعة بملياري دولار من السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، فيما لم تعلق السلطات السعودية بشكل رسمي على تلك التصريحات.
لكن تداول نبأ الوديعة السعودية، لم ينه الأزمة، لاسيما بعد تداول تهديدات رئيس تحرير صحيفة «الوطن» المصرية بمواصلة الهجوم على المملكة، على نطاق واسع.
ونالت تهديدات «محمود مسلم» رئيس تحرير «الوطن» ردود فعل قاسية من الجانب السعودي، وكتب يوسف بن مروان «الاعلام في مصر كل من ينتمي إليه يصبح رقاص عبيد البيادة مع عدم تبرئتنا لآل سلول».
وقال آخر «هذا يثبت أن القطان سفير فاشل فوق العادة، هو يهدر أموال الدولة على مرتزقة»، في إشارة إلى السفير السعودي لدى القاهرة أحمد القطان، والذي غادر مصر بشكل طارئ.
وكتب «على خيران» يقول «وإعلاميين يهاجمون المملكة وكانوا قبل أسبوعين في ضيافة السفارة السعودية. لا أدري هل هي تخبطات السفارة أم توافق هؤلاء على اللؤم».
وإزاء التصعيد المصري، غادر سفير المملكة العربية السعودية لدى القاهرة «أحمد القطان» إلى الرياض، أمس الأربعاء، بشكل طارئ، دون أن يعلن الأسباب.
وتوترت أجواء العلاقات السعودية المصرية، بعد أيام قليلة من تصويت مصري على مشروع قرار روسي في «مجلس الأمن» حول سوريا لم تؤيده السعودية وهو ما أثار شكوكا حول العلاقة بين الرياض والقاهرة.
وتعد السعودية من أبرز الداعمين للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» منذ عزل الجيش للرئيس «محمد مرسي» أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، في انقلاب 3يوليو/تموز 2013.
ويقدر اقتصاديون حجم المساعدات السعودية للقاهرة، التي تم تقديمها خلال السنوات الخمس الماضية، بنحو 30 مليار دولار ما بين قروض ومنح وودائع لدي «البنك المركزي المصري».
أحمد ولد مبروك- الخليج الجديد-