هلال خاشان | جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة الخليج الجديد-
شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة في النشاط على منصات التواصل الاجتماعي في السعودية، واحتل "تويتر" مكان الصدارة حيث تأتي 40% من التغريدات في العالم العربي من السعودية. لذلك حاولت الحكومة السعودية السيطرة على الخطاب بأي وسيلة ممكنة وأطلقت حملة شرسة لقمع أي انتقاد للعائلة المالكة والترويج لصورة إيجابية عن أفرادها.
وكانت العقوبات القاسية في انتظار من رفضوا السير وفق هذا الخط. بمعنى آخر، نقل أفراد العائلة المالكة السعودية أسلوبهم الاستبدادي في الحكم إلى الإنترنت.
تدرك السعودية أن الأمن السيبراني في العصر الرقمي، يعد جزءًا أساسيًا من الأمن القومي، لذلك بذلت جهودًا متضافرة لحماية نفسها من الدول المعادية والمعارضين السعوديين والمنتقدين الأجانب الذين تعتبرهم يشوهون سمعتها.
كانت إحدى الطرق الرئيسية التي اختارها السعوديون لإدارة صورتهم على الإنترنت هي نشر ما يسمى بـ"الجيش الإلكتروني". وقد بدأت الفكرة في عام 2009 عندما تبنت مجموعات على "فيسبوك" ترعاها إيران حملات لانتقاد المملكة وعقيدتها الدينية وأعضاء قياديين في العائلة المالكة. وأدت الانتفاضات العربية في أواخر عام 2010 - وموجة الناشطين العرب الذين يطالبون السعوديين بإسقاط النظام - إلى صعود فكرة "الجيش الإلكتروني" الذي تبنى شعار "وطن لا ندافع عنه، لا نستحق العيش فيه".
واكتسبت فكرة "الجيش الإلكتروني" زخمًا بعد اعتلاء الملك "سلمان" العرش في عام 2015 وتعيين نجله "محمد بن سلمان"، وزيراً للدفاع وأمينا عاما للديوان الملكي الذي يعمل كحلقة وصل بين الملك والمؤسسات الحكومية.
وقاد "سعود القحطاني"، أحد مستشاري الديوان الملكي، مشروع "الجيش الإلكتروني". وقد اتهمت النيابة التركية "القحطاني" فيما بعد لدوره في مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي". وقاد "القحطاني" حملة لإسكات النقاد، وتجنيد حسابات على "تويتر" لتعقب المنتقدين ونشر جيش من المتصيدين، الذين يشار إليهم أحيانًا باسم "الذباب"، لمضايقاتهم عبر الإنترنت.
وغالبًا ما يستخدم "الذباب الإلكتروني" لغة مسيئة لتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان ويقومون بتحريف الحقيقة للترويج لأجندة الحكومة ومنع السعوديين من التفكير بشكل مستقل.
منذ انضمامه إلى جهود الدعاية للديوان الملكي، أصبح "الجيش الإلكتروني" السعودي أحد أكبر شبكات المعلومات المضللة في الشرق الأوسط. وقد حذف "تويتر" آلاف الحسابات المزيفة المرتبطة بالدولة السعودية لكنه اعترف بأنه لا يمكنه القضاء على المشكلة بالكامل.
ويبغي الإشارة إلى أن جهود الأمن السيبراني تُستخدم عادةً لحماية الأصول الهامة من التجسس والقرصنة. لكن في السعودية، يبدو أن الأولوية هي حماية صورة العائلة المالكة، التي تشعر بالقلق من أي تلميح للمعارضة ولا تتقبل النقد مهما كان معتدلاً.
وقام "الذباب الإلكتروني" مؤخرا باستهداف وشيطنة الفلسطينيين وذلك قبل التوصل إلى اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل. وجرى وصف الفلسطينيين أنهم من بقايا العصرين الكنعاني والروماني الذين أصبحوا "بمثابة عبء على دولة إسرائيل الشقيقة". والعام الماضي، وزعت القيادة المركزية التي تصدر توجيهات إلى "الذباب" مذكرة لوقف استخدام وصف "قضية فلسطين". كما أصدرت أمرًا لوصف السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين بـ "عرب الشمال" ووصف سكان شمال إفريقيا بـ "بربر إفريقيا".
وفي غضون ذلك، يعتبر "الذباب الإلكتروني" السلاح المفضل لـ"بن سلمان" ضد منافسيه في الداخل. وقد بررت حملة منسقة على الإنترنت من قبل أنصاره تنحية سلفه "محمد بن نايف" من منصب ولي العهد بزعم أنه متهم بسوء الإدارة وتعاطي المخدرات. وقد شملت حملة الاستهداف النخب التي لم تظهر ولاء لسياسات "بن سلمان"، بما في ذلك المجهود الحربي السعودي في اليمن ومشروع "رؤية 2030" المثير للجدل.
وتبرر الرياض حملتها بدعاوى تعرض السعودية لمؤامرات تستهدف زعزعة استقرارها منذ الخمسينيات. وفي عام 2017، أعلنت الحكومة عن "الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز"، وهي مبادرة مصممة بشكل أساسي لإشراك المزيد من السعوديين في تعزيز أمن البلاد، بالرغم أنها تستخدم أيضًا لمضايقة أولئك الذين يؤمنون بـ"أيديولوجيات مخالفة".
وبصرف النظر عن تشويه سمعة المنتقدين وناشطي حقوق الإنسان، فإن الكثير من جهود وسائل الإعلام الرقمية في السعودية تدور حول "بن سلمان" نفسه، ليس فقط بصفته وليًا للعهد ولكن أيضًا كقائد عسكري. وأظهر مقطع فيديو غامض ظهر على "يوتيوب" في 2018 وكأنه يقود غزوًا ناجحًا لإيران وسط هتاف الحشود الإيرانية التي احتفلت بوصول القوات السعودية إلى طهران. وسعى الفيديو إلى إظهار ترسانة السعودية المثيرة للإعجاب بالإضافة إلى الترويج لـ"بن سلمان" كقائد عسكري. ومن المستبعد جدًا أن نشر الفيديو تم بدون موافقته.
وتركز وسائل الإعلام السعودية على اسم ولي العهد في الأخبار باستمرار، ونادرًا ما يمر يوم دون أن تضع الصحف السعودية صورته على مواقعها الإلكترونية وتبرز إنجازاته. وتحتفل وسائل الإعلام السعودية و"الجيش الإلكتروني" حاليًا بأحدث قصة من "بن سلمان" عن جهود الحد من انبعاثات الكربون في الشرق الأوسط من خلال زراعة 50 مليار شجرة في مشروع تشجير ضخم. ويعد المشروع جزءا من محاولة لإعادة تأهيل سمعة "بن سلمان" بعد سلسلة من الفضائح والإخفاقات.
فقد بدأ "بن سلمان" صعوده إلى السلطة بالحرب في اليمن التي تسببت في كارثة إنسانية جذبت انتقادات المجتمع الدولي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتقل "بن سلمان" العشرات من الأمراء السعوديين وكبار رجال الأعمال ووزراء الحكومة بزعم محاربة الفساد ولكن في الواقع كان الدافع وراء هذه العملية هو محاولة تركيز السلطة بين يديه. وبعد شهر، أطلق "بن سلمان" مشاريع الترفيه السعودية، لصرف الانتباه عن تغييراته السياسية والاقتصادية. وقد أدى إصدار تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مؤخرًا عن تورط "بن سلمان" في مقتل "خاشقجي" إلى تشويه صورته في الغرب.
ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يعمل كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين الذين يعبرون عن دعمهم الحماسي للمؤسسة الملكية تحت مظلة "الجيش الإلكتروني". وكثيرًا ما يصدر السعوديون بيانات دعم خادعة لتبديد أي اعتقاد بأنهم قد لا يكونون مواطنين صالحين. على سبيل المثال، خلال الحصار الذي قادته السعودية ضد قطر، أعرب العديد من السعوديين عن دعمهم لموقف الحكومة، حتى لو لم تكن القضية تعني لهم الكثير.
ونتيجة النظام الاجتماعي الصارم الذي يغرس أهمية الطاعة منذ سن مبكرة، فإن الثقافة السياسية السعودية لا تتسامح مع النقد أو طرح الأسئلة على القيادة. ومن حين لآخر، يتساءل الكتاب السعوديون عن سبب رفض السعوديين الاستماع إلى الآراء المعارضة، فعندما يواجه هؤلاء أفكارًا تتحدى نظام معتقداتهم، فإنهم عادةً ما يرفضونها ويوجهون الإهانات لخصومهم. وفي أحيان كثيرة، يؤدي تقديم أفكار جديدة إلى عزل المدافعين عنها ويخلق تنافرًا معرفيًا لدى الأشخاص الذين يعيشون في بيئة لا تشجع على التفكير الحر.
وتعتبر قضية "خاشقجي" مثالا بارزا على المصير الذي يمكن أن يواجهه أي معارض سعودي نتيجة غضب الدولة السعودية، ومن الأمثلة الأخرى الأميرة "بسمة"، ابنة الملك "سعود"، الذي حكم السعودية بين عامي 1953 و 1964، والتي أثارت استعداء "بن سلمان" عندما طالبت بالاعتراف بالحرية والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان العالمية. وفي عام 2019، جرى اعتقالها في سجن "الحائر" سيئ السمعة رغم تدهور حالتها الصحية.
ولم يتوقف الأمر عند السعوديين، ففي عام 2020 هدد دبلوماسي سعودي بارز علناً بقتل الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "أجنيس كالامارد" بسبب التحقيق في مقتل "خاشقجي". واتهمها الجيش الإلكتروني السعودي بمحاولة ابتزاز الأموال من المملكة، وهو اتهام شائع موجه للأجانب. وتعتبر هذه الحالات رسائل للآخرين الذين قد يحاولون تحدي سلطة العائلة المالكة في المستقبل.