يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تتزايد المطالبات في الكويت بضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة تواجه ما تُوصف بـ"الحسابات الوهمية" على منصات التواصل الاجتماعي، وملاحقة مستخدميها ممن يُشار إليهم بـ"مثيري الفتنة".
وتعمل دولة الكويت جاهدة للحد من تلك الحسابات، كان آخرها ما صرحت به الحكومة عن "الانتهاء من دراسة قرارات ستتخذ قريباً تعنى بملاحقة الحسابات الوهمية التي تنشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تمس أمن البلاد".
وبدأت ظاهرة الحسابات الوهمية تظهر بقوة عبر الشأن السياسي، وخاصة مع الحراك الشعبي في عام 2011، إذ فضل كثيرون، وخاصة الذين تحتم عليهم وظائفهم عدم الحديث بالشأن السياسي، إنشاء حسابات بأسماء وهمية ومستعارة للإدلاء بآرائهم في الشأن العام، وتحديداً السياسي.
ملاحقة الحسابات الوهمية
بعد انتظار دام سنوات، بدا أن الحكومة الكويتية تمضي نحو وضع حدٍّ للحسابات الوهمية التي تقول إنها تضر بأمن البلاد، فقد أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وزير الداخلية بالوكالة الشيخ فهد اليوسف، أنه تم الانتهاء من دراسة قرارات ستتخذ قريباً بهذا الخصوص.
وتنقل وكالة "كونا" عن اليوسف قوله، إن بلاده حريصة على التعامل مع أي شائعة أو أخبار كاذبة، وإصدار نفي، وتبيان الحقيقة أولاً بأول للرأي العام، دون تهاون.
وأضاف: "تلك الشائعات التي تأتي من حسابات خارجية يقف وراءها ضعاف نفوس يريدون خلق فتنة في الكويت، وهؤلاء سيلقون عقاباً رادعاً، أما الحسابات داخل الكويت فسيكون هناك تنسيق مع النائب العام، وعدم تركهم يبثون الإشاعات من دون عقاب".
وتابع: "بالطبع لا يوجد كويتي مخلص ويحب الكويت يرضى أن تبث أي شائعة، فما بالك بشائعات تطلق على موضوعات أصلاً لم تبحث، لا في مجلس الوزراء ولا في أي قطاع من قطاعات أو وزارات الدولة".
وفيما يتعلق بمن ينشر وهو خارج الكويت بأسماء وهمية، قال المسؤول الكويتي: "في فترة قريبة سنحاول السيطرة على هذا الموضوع ومعرفة من يغذي هؤلاء، وأعدكم أنه خلال فترة غير بعيدة سنقضي على جزء كبير من هذه الحسابات".
قانون الجرائم الإلكترونية
لدى الكويت قانون يسمى "الجرائم الإلكترونية"، وقد بدأ العمل عليه منذ يناير 2016، حيث يتضمن عقوبات صارمة على من يخالف نصوصه أو يحاول أن يخترق الخصوصية والسرية التي أقر بها.
ومن أبرز ما يتضمنه "جريمة تزوير أي مستندات أو إتلافها أو تزوير سجلات أو توقيعات إلكترونية أو نظام إلكتروني أو موقع إلكتروني، تقع عقوبة على فاعلها بالحبس لمدة ثلاث سنوات مع دفع غرامة".
كما يتضمن أنه "من يقوم بتهديد أو ابتزاز شخص ما لحمله على فعل أو الامتناع عنه، تتم معاقبته بالحبس لمدة ثلاث سنوات، مع دفع غرامة من 3000 دينار (9746 دولاراً) إلى 10.000 دينار كويتي (32488 دولاراً)، أو بإحدى العقوبتين".
وفي حال قام أحدهم بتهديد شخص بالقتل أو بما يمس كرامته أو يخدش شرفه أو اعتباره، ينص القانون الكويتي على "معاقبته بالحبس لمدة خمس سنوات، مع دفع غرامة قدرها 5000 (16244 دولاراً) إلى 20.000 دينار (64977 دولاراً)، أو بإحدى العقوبتين".
وينص القانون على أن جريمة التحريض على أعمال منافية للأخلاق كالدعارة والفجور أو المساعدة عليها، يحبس فاعلها لمدة سنتين مع دفع غرامة قدرها 2000 (6497 دولاراً) إلى 5000 دينار كويتي (16244 دولاراً)، أو بإحدى العقوبتين".
ويعاقب القانون "من يقوم بإنشاء موقع إلكتروني تابع لمنظمة إرهابية أو لشخص إرهابي أو نشر أي معلومات عن إحداهما عبر الإنترنت أو بأي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، حتى إذا كانت تحت أسماء مستعارة، لتسهيل عملية الاتصال بقيادات تلك المنظمة أو أعضائها أو الترويج لأفكارها أو تمويلها، أو لنشر معلومات عن كيفية تصنيع المتفجرات والأجهزة الحارقة أو أي من الأدوات التي تستخدم في العمليات الإرهابية".
وتنص العقوبة على "الحبس لمدة 10 سنوات مع دفع غرامة مالية قدرها 20.000 (64977 دولاراً) إلى 50.000 دينار (162440 دولاراً) أو إحدى هاتين العقوبتين، وذلك وفقاً للمادة رقم 10 من قانون جرائم تقنية المعلومات".
غير كافٍ
بحسب بعض المراقبين، فإن قانون الجرائم الإلكترونية 2015/63 قد لا يكون وسيلة فعّالة لوضع حد وتحديد العقوبات اللازمة تجاه مرتكبي مثل هذه الجرائم.
يرى الكاتب حمزة عليان، وجود حاجة ملحة وضرورية إلى "قوانين وتشريعات تضع حداً لأصحاب الحسابات الوهمية"، معتبراً أنهم "باتوا وباء ينتقل بين المجتمعات والدول".
ويعتقد أن أخطر مشكلة تواجه الكويت "الحسابات الوهمية التي تثير الفتن وتتعمد الإساءة والتشويه، وباتت الخطر رقم واحد"، مؤكداً أن الخطر يأتي بـ"الحسابات الوهمية التي تسجل وتنشأ خارج الدولة".
ويضيف في مقال له بصحيفة "القبس" الكويتية، أن "الظاهرة صارت مدخلاً للارتزاق والبيزنس، حسابات تنشر الأكاذيب، ولا يخرج أصحابها من الكهوف، تراهم مجرد أشباح لا يجرؤون على كشف وجوههم الحقيقية".
أما الكاتبة الصحفية الجازي السنافي، فقد رأت أن الحسابات الوهمية "أرَّقت مؤسسات الدولة كافة والأفراد عموماً، حتى أصبحت تطيح بحكومات ووزراء وقياديين".
وأوضحت في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، أن أصحاب هذه الحسابات "لهم طريقة خاصة في نشر الأكاذيب ودعمها ولهم صوت رنّان"، مؤكدة أن نقاشات لمجلس الأمة الكويتي في أكثر من جلسة كشفت عن أن تلك الحسابات "بعضها يدار من الخارج".
وتابعت: "أما تلك التي تدار من داخل الكويت فقد تم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم، وأُحيل كثير من أصحابها إلى النيابة العامة ونيابة الجرائم الإلكترونية، وحكم على عدد منهم بالسجن".
كيف تدار الحسابات؟
وفق تحقيقات أجرتها وسائل إعلام كويتية، يعمل أصحاب الحسابات الوهمية على شراء حساب عادي غير مسيس بمبالغ تتراوح بين 500 دينار (1647 دولاراً) و1500 دينار (4943 دولاراً)، ومن ثم تحويل هذه الحسابات إلى الحديث في الشأن السياسي.
وتنشر تلك الحسابات مقاطع فيديو وتصريحات لنواب وزعماء شعبيين في المعارضة الكويتية، وتستهدف شخصيات عامة تدريجياً، فتبدأ من أعضاء النقابات والجمعيات التعاونية، وتنتهي بالوزراء ووكلاء الوزارات ونواب مجلس الأمة.
وأبرز تلك القضايا ما كشفت عنه محاضر تحقيقات النيابة العامة الكويتية في القضية التي عرفت بحساب "عتيج المسيان" الوهمي عن ابتزاز سياسيين وبرلمانيين يصل عددهم إلى 300 حالة للحصول على مبالغ مالية كبيرة.
وحينها تقاضى المسؤول عن الحساب مبالغ مالية كبيرة من مسؤولين للطعن في خصومهم والتشكيك في صلاحياتهم الإدارية وذممهم المالية، تصل حتى 14 ألف دينار (46143 دولاراً)، خلال الفترة من مايو 2017 حتى يوليو 2018، وفق ما أكدته النيابة العامة حينها.
وقد دفعت خطورة الظاهرة أمير الكويت الراحل، الشيخ صباح الأحمد الصباح، إلى التحذير منها في افتتاح دور الانعقاد الثالث لمجلس الأمة، في أكتوبر من عام 2018، قائلاً: إن "وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالحسابات الوهمية المغرضة، وأصبحت أداة للفتن والابتزاز والهدم والاسترزاق المدمر"، داعياً إلى الإسراع بإصدار تشريع لضمان انضباط استخدامها.