عكاظ السعودية-
يبدو أن قضية الإساءة لعضو الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان التي وصلت للاستئناف أخيرا، فتحت تساؤلات كبيرة حول كيفية نظر القضاء لقضايا السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد إحالتها إلى محكمة الإستئناف، هذه الجدلية دفعت رئيس المحكمة الجزائية لطلب توجيه من رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حيال الاختصاص بمثل هذه القضايا الدالفة لقاعات المحاكم والقادمة من مواقع التواصل الاجتماعي، بيد أن مسؤولا رفيعا في المجلس الأعلى للقضاء حسم الخلاف في الاختصاص بتأكيده لـ«عكاظ» اختصاص المحاكم الجزائية بالنظر في جرائم السب التي تتم في مواقع التواصل باعتبارها جرائم إلكترونية, إضافة لكون الوزير أكد اختصاص وزارته في تصريح سابق لـ«عكاظ».
وبين مصدر مسؤول في وزارة العدل أن عدد قضايا السب والشتم خلال العام الماضي التي نظرتها المحاكم الجزائية بلغت نحو ١٠٩١ قضية، فيما احتلت منطقة مكة المكرمة صدارة المناطق تسجيلا للقضايا بواقع 261 قضية، جاءت المنطقة الشرقية في المرتبة الثانية بنحو ١٩٣ قضية، أما منطقة الرياض فحلت ثالثة بـ179 قضية.
وأوضح المصدر ذاته أن المحاكم الجزائية في المملكة نظرت جرائم السب والشتم في مواقع التواصل الإلكتروني، حتى أنها ترفعها في الموقع الخاص بالوزارة الذي من خلاله يمكن تحديد النسب القضائية، كقضايا سب وشتم، مستدركا «دون الإشارة إلى تصنيفها، ولا توجد إحصائية بقضايا السب والشتم الإلكتروني لدى وزارة العدل».
قاض سابق في محكمة الاستئناف أكد لـ«عكاظ» تخصص القضاء بشكاوى السب والشتم والإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحا أن التجاوزات التي تصدر من وسيلة إعلامية مرخصة من وزارة الثقافة والإعلام وهيئاتها كالتليفزيونات والإذاعات والصحف الورقية والإلكترونية تعتبر (مخالفة) إعلامية لا جريمة معلوماتية، مستدركا «إلا إذا كان التجاوز جريمة».
وكان رئيس المجلس الأعلى للقضاء المكلف الشيخ الدكتور وليد الصمعاني طلب من رؤساء 18 محكمة الإفادة حول التعامل مع قضايا السب والشتم والتشهير عبر وسائل الإعلام الإلكتروني الجديدة مثل (تويتر وفيسبوك) واستطلاع آرائهم وإجراء دراسة على هذه القضايا، بعدما رفع رئيس المحكمة الجزائية بالرياض خطابا إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يطلب فيه التوجيه حيال اختصاص القضاء العام بهذه القضايا التي باتت ترد إلى المحاكم.
أوضح قاضي الاستئناف وعضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث أن وسيلة (المخالفة أو الجريمة) تعد الضابط للنظر في القضايا، مضيفا «فإن كانت وسيلة إعلامية مرخصة من وزارة الثقافة الإعلام وهيئاتها كالتليفزيونات والإذاعات والجرائد والصحف الإلكترونية فتعتبر (مخالفة) إعلامية لا جريمة معلوماتية».
ولفت إلى أنه حتى لو كان للوسيلة الإعلامية منافذ إلكترونية، فإنها تعد مخالفة إعلامية، مستدركا «ما لم يكن نوع المخالفة مصنفا تحت تعريف الجرائم، كالقذف ونحوه فيكون جريمة لا مخالفة، وأما مواقع التواصل الاجتماعي فليست وسائل إعلامية وليست مرخصة ولا علاقة لوزارة الثقافة والإعلام بها سوى حجب الصحف الإلكترونية غير المرخصة باللون الأزرق الخاص بمخالفات الوزارة وليس اللون الأخضر الخاص بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات».
وأكد الغيث اختصاص المحاكم الجزائية في قضايا تويتر وغيره من مواقع التواصل، وفقا لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية، وأن لجنة النظر في المخالفات الإعلامية لا تنظر إلا في المخالفات الإعلامية وفي الوسائل التي تتبع تنظيميا لوزارة الإعلام، «لعدم شمول نظام المطبوعات والنشر الإلكتروني لمواقع التواصل الاجتماعي».
واتهم الغيث من يعتبر أن المحاكم لا تختص بقضايا «مواقع التواصل الاجتماعي»، بتعطيل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وأنه يخالف نظام المطبوعات والنشر ويناقض الكثير من الأحكام الصادرة وفقا لاختصاص المحاكم في قضايا مماثلة صادرة من المحكمة الجزائية المتخصصة وكذلك من المحاكم الجزائية الأخرى.
ورأى الغيث أنه لا يجوز ترك القضاء متناقضا بهذا الشكل ولا بد من حسم الموضوع وإلزام جميع القضاة (في الدرجتين الابتدائية والاستئناف) بنظر قضايا جرائم مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «تويتر» وفقا للأنظمة واللوائح من جهة ووفقا للمعمول به والسوابق القضائية من جهة أخرى.
بين القاضي السابق طالب آل طالب أن قضايا السب والقذف التي تتم عبر مواقع التواصل الإلكتروني تعد جريمة إلكترونية جزائية يفترض اختصاص المحاكم الجزائية للنظر فيها، «وعليه يجب أن تطبق نظام الجرائم المعلوماتية التي تصل العقوبات فيها إلى السجن عاما والغرامة 500 ألف ريال».
وأوضح آل طالب أن الفرق بين النظر في القضية من المحكمة الجزائية أو لجنة النظر في المخالفات الإلكترونية، هو أن الجزائية تطبق نظام الجرائم المعلوماتية والعقوبات التي تصل إلى السجن عاما والغرامة 500 ألف ريال، أما لجنة النظر في المخالفات فتطبق نظام النشر الإلكتروني ويحمل عدة عقوبات من ضمنها الغرامة 500 ألف ريال، والمنع من التغريد والكتابة وإرغامه على الاعتذار العلني للمتعرض للإساءة وحذف التغريدة إضافة للتعويض المدني للشخص المعتدى عليه.
من جهته، اعتبر القاضي السابق عبد العزيز الشبرمي أن التعدي على الحقوق الخاصة أو العامة يعد جريمة جنائية تنظر في المحاكم الجزائية، لكن إن كان التعدي عبر الوسائل الإعلامية المقروءة أو المسموعة أو المشاهدة فتعد جريمة إلكترونية تتصدى لها لجنة النظر في المخالفات الإعلامية بوزارة الثقافة والإعلام، باعتبارها جريمة إعلامية والتي غالبا ما تنظر في إيقاع العقوبات على الأداة الإعلامية التي وقع فيها التعدي والشخص الذي باشر الاعتداء.
وأكد الشبرمي أنه لا عبرة بكون المعتدي منتسبا للإعلام أم لا، فالعبرة بكيفية أداء التعدي فإن كان التعدي من خلال وسيلة من وسائل الإعلام فتختص اللجنة بالنظر فيها وفقا للحقين الخاص والعام، أما إن كان المعتدي إعلاميا لكنه لم يستخدم الوسائل الإعلامية لتنفيذ اعتدائه وإساءته فتكون الجريمة جنائية عادية وليست إعلامية.
حاولت «عكاظ» التواصل مع المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام الدكتور سعود كاتب، لسؤاله عن متى تكون قضايا الشتم وتجاوزات مواقع التواصل الاجتماعي من اختصاص اللجان في وزارته، قبل 12يوماً، بيد أن كاتب أوضح أنه رفع استفسارات الصحيفة ولم يصله رد من الجهات المسؤولة في الوزارة حتى يوم أمس.
وشهدت المحاكم الجزائية عددا من قضايا السب والشتم التي تمت في مواقع التواصل الاجتماعي، لعل قضية عضو الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان ضد أحد المغردين على خلفية السب والقذف لها على خلفية ما طرحته في نقاشات مجلس الشورى حول مشروع تعديل نظام الأحوال المدنية كان آخر القضايا التي طفت على السطح، بيد أن المحكمة رأت عدم الاختصاص الأمر الذي دفع بمحاميها لرفع مذكرة اعتراض إلى محكمة الاستئناف.
وقضت المحكمة الجزائية بمعاقبة شاب سعودي بالسجن ثلاثة أشهر والجلد ٨٠ جلدة، إضافة إلى تغريمه 10 آلاف ريال لكتابته تدوينة اعتبرتها المطربة الكويتية شمس تمثل سبا وقذفا في حقها.كما تقدم عضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث بـ«دعوى قضائية» ضد المغرد ذاته (خصم الشعلان قضائيا) بعد أن نشر تغريدات على حسابه الشخصي في «تويتر»، يتهجم فيها على الشيخ الغيث ويتهمه من خلالها بـ«التغريب».
وكذلك تقدم الغيث بدعوى قضائية لدى المحكمة الجزائية بالرياض ضد الدكتور محمد العريفي بعد إعادته لتغريدة تضمنت قصيدة مسيئة للغيث.
كما قضت المحكمة العامة ببلجرشي بتغريم شاعر شهير 100 ألف ريال في نوفمبر الماضي، بعدما ثبت عليه التهجم على شخص والإساءة له عبر حسابه الشخصي في تويتر أيضا، وكانت القضية مثار جدل بين الأوساط الثقافية في منطقة الباحة.واتجهت أخيرا مؤسسات حكومية وأهلية بمقاضاة منتقديها في مواقع التواصل الاجتماعي، كقضية المطعم الشهير الذي صعد ضد مغرد اتهم سلسلة المطاعم الشهيرة بالإهمال وعدم النظافة، إضافة إلى أن قطاعا صحيا توجه أخيرا بمقاضاة مغردين انتقدوا سوء الخدمات.