تداول المغردون على نطاق واسع خبر قرار إنشاء هيئة للترفيه برغبات ملحة على عدم قولبة الترفيه وإضفاء الصبغة الرسمية لما كان يملى على الناس من برامج مكرورة مملة تحت مسميات الترفيه، والتي طغت عليها صبغة مهرجانات التسوق، فبمراجعة سريعة لجميع برامج الترفيه المقدمة للمجتمع سنجد اعتماد أغلبيتها على التسوق والدفع المالي من الدرجة الأولى بعيدا عن إضفاء طابع الترفيه الذي ينشده حقيقة زائر تلك المهرجانات.
اعتماد جميع مهرجانات المناطق في الفترات الزمنية الماضية على التسويق هو ما أدى إلى الوفاة الدماغية للترفيه والمتعة، فدفع الأسرة للنقود على الأطعمة والملبوسات والأطباق الشعبية المكررة والمملة في كل مهرجان أدى إلى الشعور بالتخمة واليأس من جدوى الترفيه.
لم يعد الملاذ الآمن للبحث عن الترفيه الأسري سوى الهروب في مواسم الإجازات القصيرة إلى دبي كوجهة أولى، وإلى البحرين كوجهة خليجية أسبوعية يمكن الهروب إليها بالعائلة لنزهة قصيرة، ليست بسبب الأجواء الساحرة والأمطار على دبي والمنامة، وليس لأنهما الأفضل في مسألة الرخص والغلاء بالنسبة للعائلة السعودية، ولكن لأنهما توفران الترفيه على أعلى المستويات لجميع الأعمار، وتقدم تلك الوجهات أرقى الأساليب العصرية في وسائل الترفيه المترفة بسلاسة يمكن أن تكون في متناول الأسرة متوسطة الدخل، فيمكن للأسرة أن تجد ترفيها في استكشاف أعماق البحار ورؤية باطن البحر من خلال النوافذ الزجاجية التي توفرها جنبات أتلانتس بتصميم بهوه الفخم الفاخر، ويمكن للأسرة أن تقضي وقتا ممتعا في السينما أو تتجول في نزهة بحرية من أمام واجهات القصور والبنايات الشاهقة ذات الطراز العمراني الذي يترف النفس.
في المقابل تحظى الشعوب الأوروبية بمهرجانات شعبية سنوية تجوب المدن والشوارع مجانا تتحمل كلفة تنظيمها للسكان بلديات المدن، بل وتحولت إلى مهرجانات دولية يحرص على حضورها سياح أجانب من جميع بلدان العالم.
مهرجان نوتيج هيل المقام سنويا في لندن أو مهرجان يوم الموسيقى ويوم الجيران في باريس ليست إلا أمثلة على المهرجانات الضخمة التي تقام في أوروبا ولا تتطلب من الحضور دفع المبالغ النقدية كشرط للترفيه، بل تعمد بلديات المدن على التنسيق والتنظيم الكامل لضمان الترفيه للجمهور، في يوم الموسيقى لا يكاد السائح يجد حيا في باريس إلا وتعزف فيه فرقة موسيقية منظمة أو هاوية حتى لا يتكدس الجميع وحتى تصل رسالة المهرجان لكل الأحياء وفي يوم الجيران تعمد بعض المخابز إلى توزيع الحلويات على المارة لعمل دعاية مجانية لمنتجاتها، وفي مهرجان نوتنج هيل تتاح الفرصة عبر الانترنت لمن يرغب في شراء الأزياء الغريبة أو الشوكولاته السائلة لسكبها واللعب بها مع الأصدقاء وتجوب شاحنات ضخمة تعزف الموسيقى في الشوارع تتبعها الفرق الراقصة من الساعة التاسعة صباحا حتى غروب الشمس في أجواء احتفالية حقيقية لا تفرض على من يستمتع بالأجواء من خلال البلكونة أو في الشارع بدفع بنس واحد.
الترفيه للسكان فكرة ضخمة فإسعاد الناس يتطلب جهودا بلدية وتنسيقا مع منظمات الثقافة والشرطة الأمنية والجامعات والوسائل الإعلامية حتى تقدم المادة الترفيهية كما يبتغيها الشعب، لم يعد مجديا أن يكون الترفيه ذلك المهرجان المقصور على الاستهلاك المالي للأسر، فالمال ميزانية متعبة إنفاقها لا يسعد ولا يجلب لا ترفيها ولا رفاهية.
سهام الطويري- مكة السعودية-