تواصل » تويتر

حرب جديدة بين السعودية وإيران على تويتر

في 2016/09/19

تخوض كل من السعودية وإيران حربًا بالوكالة للسيطرة على الشرق الأوسط والأراضي المسلمة والتي تشتعل خارج أراضيها من اليمن إلى سوريا.

ولكن في الأسبوع الماضي، لم تكن الجبهة الأكثر سخونة في الحرب الباردة بين السعودية وإيران في بلد مزقتها الحرب في الشرق الأوسط. بل كانت على موقع التواصل الاجتماعي تويتر وعلى صفحات أشهر الجرائد العالمية.

وخلال الأيام القليلة الماضية، استمر البلدان بالتراشق عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم كل منهم الآخر بأنهم إرهابيين وقتلة ومروجين للعنصرية الطائفية وأنهم غير مسلمين.

ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء افتتاحية لاذعة من وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» يصرح فيها بأن «المحرك الرئيسي للعنف» في الشرق الأوسط هي «الوهابية» والفكر المتطرف الذي تروج له السعودية، واتهم السعودية بمحاربة أشقائها العرب وقتل السنة.

وردًا على ذلك، جاء على حساب السفارة السعودية بالولايات المتحدة على تويتر، سلسلة من التغريدات مع رسوم بيانية وفيديو قصير يبلغ 6 ثوان، توثق العديد من خطايا النظام الإيراني عبر السنين.

وغرد حساب السفارة السعودية بالقول: «لدى إيران تاريخ موثق جيدًا من العدوان، شاهد 37 عامًا من العمل العدائي في 6 ثوان فقط».

وغرد بالقول أيضا: «حقيقة: لقد دعمت إيران الإرهاب في كل أنحاء العالم». ثم بالقول: «حقيقة: إيران هي أكبر موزع للعبوات الناسفة للانفجارات حول العالم».

كما حملت تغريدة أخرى عبارة: «حقيقة: دأبت إيران على مهاجمة السفارات فيما يعد انتهاكًا للقانون الدولي».

كيف بدأت المعركة الأخيرة؟

لقد قتل أكثر من 2400 شخص من بينهم أكثر من 460 إيراني بسبب حادثة تدافع خلال موسم الحج العام الماضي. وسارعت إيران بإلقاء اللوم على السعوديين في هذه الحادثة، قبل أن يتم التعرف على هوية معظم القتلى.

وأعلن المرشد الأعلى الإيراني «آية الله خامنئي»: «على الحكومة السعودية تحمل مسؤوليتها الكبيرة عن هذه الحادثة المفجعة، والوفاء بالتزاماتها بإنصاف، ولا ينبغي التجاوز عن سوء الإدارة وعدم اتخاذ التدابير اللازمة وهو ما سبب هذه الخسارة الكبيرة». وأعلن بعدها الحداد ثلاثة أيام على ضحايا التدافع.

وانتقلت المعركة لموسم الحج هذا العام. وفي يوم الاثنين الماضي، أعاد «خامنئي» لوم «السعوديين القتلة أصحاب القلوب الميتة» على حادثة التدافع العام الماضي، بل وزاد بالتلميح لتورط السعودية في تدبير هذه الواقعة لغرض ما قائلا:

«لقد أخطأ قادة السعودية في كل الحالات. وهذا ما أقره كل المراقبين والمحللين الفنيين. ويؤكد بعض الخبراء أن الأحداث كانت مدبرة. ويأتي الفشل الأكبر في عدم إنقاذ الجرحى والمصابين، تلك الأرواح الزكية والألسنة الطاهرة التي كانت تلهث بذكر الله في عيد الأضحى. قام السعوديون القتلة أصحاب القلوب الميتة بشحن القتلى مع المصابين والجرحى جميعًا في حاويات، بدلًا من محاولة إنقاذ الجرحى والمصابين أو حتى ري عطشهم. لقد قتلوهم».

وفي حفلة التراشق، رد مفتي المملكة، باتهام الإيرانيين أنهم عبدة نار ووثنيون غير مسلمين. وذكر ذلك عبر الجزيرة.

وفي تعليق لمفتي المملكة الأكبر، «عبد العزيز آل الشيخ»، يوم الثلاثاء الماضي لجريدة مكة ردًا على اتهامات «خامنئي» للسعودية حول حادثة العام الماضي قال: «لست متفاجئًا» فالإيرانيون هم أحفاد المجوس.

وتشير كلمة المجوس للديانة الزرادشتية المجوسية التي سادت بلاد فارس قبل الفتح الإسلامي، وسبقت تلك الديانة المسيحية والإسلام، ويقوم معتنقوها بعبادة النار.

وجاء تعليق المفتي كالتالي: «لابد أن ندرك أنهم ليسوا مسلمين، فهم أحفاد المجوس، وعداوتهم للمسلمين، ولاسيما السنة، هي عداوة قديمة».

قررت إيران منع مواطنيها من الحج هذا العام، زاعمةً أن السعوديون فشلوا في تقديم ضمانات حول أمن وسلامة الحجاج الإيرانيين، متهمةً السعودية «بغلق الطريق أمام الحجاج المؤمنين الإيرانيين». ورد السعوديون الاتهام بإلقاء اللوم على الإيرانيين، بحجة أنهم رفضوا توقيع الاتفاق الذي تم بين الجانبين خلال موسم الحج لهذا العام.

لم تنته المعركة عند هذا الحد، بين أكبر حماة المسلمين والمدافعين عنهم، إيران بحكومتها الثيوقراطية الشيعية، والسعودية بحكمها الملكي المدعوم من رجال الدين السنة المحافظين.

وقد بدأت تلك المعركة قديمًا منذ ثورة إيران عام 1979 والتي أسست لحكم ثيوقراطي ثوري، هدد مصالح السعودية وسيطرتها على العالم الإسلامي. وقد أوضح ماهية هذا الصراع، كاميرون جلين من مركز وودرو ويلسون للباحثين الدوليين في مقال له في يناير/ كانون الثاني 2016، قال فيه: «في إيران، ترفض الثيوقراطية تمامًا الحكم الملكي، وقد نادى قائد الثورة الإيرانية آية الله الحميني بإسقاط الممالك الموالية لأمريكا في الخليج، ومن بينها السعودية. ويتحدى هذا البديل للحكومات الإسلامية القائم على الانتخابات، هيمنة السعودية على العالم العربي والإسلامي».

ولم يكن ذلك هو التحدي الوحيد الذي يواجه الهيمنة السعودية، بل إن رغبة إيران تصدير نموذجها الثوري للحكومة الإسلامية إلى أنحاء العالم الإسلامي، مثلت تحديًا آخر أكثر صعوبة.

ولأجل تحقيق هذا الهدف، دأب الإيرانيون على تشويه صورة المملكة السعودية واتهامها بعدم الجدارة بإدارة الأماكن المقدسة، مكة والمدينة، لأجل هز مصداقيتها. ودعوا إلى إدارة دولية لهذه الأماكن. وجاءت حادثة العام الماضي، فرصةً سانحة لإيران للانقضاض على السعودية وإثبات سوء إدارتها.

ونفهم من هذا أن الغضب الذي يصبه الإيرانيون على السعوديين ليس ناتجًا عن حادثة التدافع العام الماضي، بل إن تلك الحادثة مجرد حجة أخرى للبلدين لإظهار الطرف الآخر بمظهر سيء أمام المسلمين حول العالم.

لماذا يعد هذا التراشق الأخير على الانترنت سخيفًا؟

تمثل افتتاحية «ظريف» والرد السعودي مشكلةً دبلوماسيةً كبيرة، فكلا الطرفين السعودي والإيراني يتهم الآخر بما أذنب هو فيه. إنه لشيء مضحك.

وعلى سبيل المثال، قال ظريف في افتتاحيته، إن «أسوأ الأحداث الدامية في المنطقة قد نتجت عن حروب الوهابيين لأشقائهم العرب وقتلهم أتباعهم السنة»، ولكن في الوقت الذي يتهم فيه جماعات إرهابية ذات خلفية وهابية مثل تنظيم الدولة (داعش) عن آلاف القتلى، فإن نظام «بشار الأسد» الذي تدعمه إيران، مسؤول عن عدد أكبر بكثير من القتلى.

وعلى الجانب الآخر، فالسعوديون ليسوا ملائكةً أيضًا.

فعلى سبيل المثال، اتهم السعوديون إيران بـ «دعم الجماعات المتشددة التي تنتهج العنف حول العالم». بينما نجد أن السعودية قد مولت عديد الجماعات السنية المتشددة في الشرق الأوسط، كما اتهمت السعودية إيران بتنفيذ هجمات إرهابية بالوكالة في أنحاء عديدة من العالم، بينما نجد أن 15 من الـ 19 المتورطين بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هم سعوديون.

والسعودية متورطة بمساعدة من الجيش الامريكي، في حرب وحشية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، والتي خلفت كوارث إنسانية واسعة. وأكدت الأمم المتحدة أن 10 آلاف مدني على الأقل قتلوا خلال تلك الحرب. وصرح «جيمي ماكجولدريك»، وهو المسؤول الأعلى عن إغاثة الأمم المتحدة في اليمن، للصحفيين: «نعلم أن الأعداد أكبر من ذلك، لكن لا يمكننا تحديد ذلك».

ما نستنتجه في النهاية، أن كلًا من إيران والسعودية قد دعم المتطرفين منتهجي العنف، وكلًا منهما قد روج للكراهية التي تعد وقودًا للفوضى المشتعلة عبر الشرق الأوسط. ولن يغير الحقيقة مجموعة من الرسوم البيانية، أو الافتتاحيات المكتوبة بمهارة.

الإندبندنت- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-