الخليج الجديد-
رددت وسائل إعلام سعودية، خلال الساعات الأخيرة، أنباءً عن عودة الحياة في حي المسورة ببلدة العوامية، شرقي المملكة، لطبيعتها، واستعادة الحي لهدوئه، والسعادة التي غمرت الأهالي إثر نجاح القوات الأمنية في تطهير الحي من المسلحين، وبسط السيطرة عليه.
صورة وردية دائمًا ما حرص الإعلام السعودي (الخاضع لرؤية الدولة) على إبرازها منذ بدء العملية الأمنية في حي المسورة في 10 مايو/أيار الماضي، لكن يقابلها صورة مغايرة رسمها ناشطون عبر مواقع التواصل؛ صورة تبدو مأساوية، وتطل من بين ثناياها الطائفية برأسها.
المشاهد والصور، التي بثها الناشطون من داخل الحي، تظهر أن الداخلية السعودية حولته إلى ساحة حرب حقيقية؛ فهناك مدرعات، وآليات عسكرية ثقيلة، وجنود مدججون بالسلاح.
ومبررة العملية الأمنية، رفعت السلطات السعودية في البداية شعار التحسين العمراني لحي المسورة، وهو حي يتضمن مباني شديدة القدم، قبل أن تقدم مبرر أخر للعملية وهو وجود مسلحين يختبئون في الحي، ويستغلون دهاليزه الضيقة في تنفيذ هجمات ضد عناصر الأمن.
ليس مجرد تطوير عقاري
لكن تعليقات الجنود والصور ومقاطع الفيديو التي تسربت إلى وسائل التواصل تظهر أن الأمر ليس مجرد تطوير عقاري، أو محاولة للقضاء على بؤرة إرهابية؛ فالطائفية تطل برأسها أيضا.
في أحد مقاطع الفيديو تظهر احتفالات لعناصر من الأمن السعودي داخل حي المسورة، وهم يرقصون أمام أحد الحسينيات (مساجد للشيعة)، وأحد الجنود يتحدث قائلا: «آبي (أريد) حسينيات الشيعة الروافض عيال الكلب».
وفي مقطع فيديو آخر لعزاء أحد الجنود السعوديين الذين قتلوا في العملية الأمنية بالمسورة، يتحدث أحد القادة الأمنيين عن مآثر الفقيد، قائلًا إنه «شهيد في ميدان شرف ورجولة، دفاعا عن عقيدة (...) عزاؤنا أن أبننا شهيد، وهو من أهل الجنة، وهم من أهل النار؛ لأنهم أهل عقيدة فاسدة، وهم المعتدون».
كما تظهر صور أخرى تعليقات لجنود مكتوبة على جدران حي المسورة، عليها عبارة من قبيل: «من أبطال سلمان الحزم.. أين أنتم؟ (يقصد المسلحين)».
ليست الطائفية وحدها
لكن «علي الدبيسي»، رئيس «الجمعية السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان»، الذي هرب من البلاد عام 2013 بعد احتجازه وتعذيبه من قبل الدولة، يؤكد أنّ المواجهة الحالية في المدينة لا يمكن أن تُختزل في قضية طائفية.
ومبررا وجهة نظره، قال «الدبيسي»، في حديث لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، نشرته قبل أيام: «عندما أعدمت السلطات السعودية رجل الدين الشيعي نمر (النمر)، أعدمت أيضًا 3 من الشيعة، و 43 من السنة؛ لذلك هناك ما هو أكثر من ذلك في هذا الوضع».
وأضاف: «أعتقد أنّهم سيدمرون بنفس الطريقة أي منطقة للمعارضة. فما يريدونه هو تفريغ البلدة من الناس وإغلاقها بشكلٍ كامل، لإنهاء الاحتجاجات».
وفي يناير/كانون الثاني 2016، نفذت السلطات السعودية حكم الإعدام في 47 شخصاً بينهم رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، وهو من بلدة العوامية.
وآنذاك، قال بيان لوزارة الداخلية السعودية إن معظم من أعدموا «ضالعون في سلسلة هجمات نفذها تنظيم القاعدة في الفترة من 2003 إلى 2006».
دمار هائل
الصور ومقاطع الفيديو التي بثها الناشطون لأحداث حي المسورة تظهر، أيضا، حجم الدمار الهائل الذي طال الحي.
ففي إحدى الصور، التي تم التقاطها عبر برنامج «جوجل إيرس»، تظهر حي المسورة في تاريخ 10 فبراير/شباط وفي تاريخ 14 يوليو/تموز الماضي، ومعها يظهر اختفاء مساحات كبيرة من مباني الحي.
وهناك صور أخرى تظهر خسائر لقوات الأمن وتشمل مدرعة محترقة، واثنتين تعرضتا لهجوم.
غموض أعداد الضحايا
وفي ظل التعتيم الذي تمارسه السلطات السعودية على التغطية الإعلامية لعملية حي المسورة، والذي يترافق مع عدم السماح لوسائل الإعلام الأجنبية بالاقتراب من المنطقة دون إذن حكومي، لا تتوفر معلومات دقيقة عن أعداد ضحايا العملية.
وكل ما هو متوفر عبارة عن أرقام متفرقة استقتها وسائل إعلام من سكان محليين، دون وجود أي إمكانية للتثبت من صحتها.
إذ نقلت «الإندبندنت» عن سكان محليين إنّ ما لا يقل عن 25 شخصًا لقوا مصرعهم من خلال القصف ونيران القناصة.
بينما نقلت صحيفة «الأخبار» اللبنانية عن ناشطين محليين بأن عدد القتلى من المدنيين يفوق الـ30، ولا تزال بعض الجثث مرمية على الأرض.
ويتهم الناشطون السلطات بإطلاق النار عشوائيًا على المدنيين ومنازلهم وسياراتهم، فيما تنفي السلطات السعودية ذلك.
وتقول وسائل الإعلام السعودية في المقابل إن عدد من عناصر الأمن قتلوا على يد المسلحين في حي المسورة.
و حسب موقع «سبق» الإخباري السعودية، سقط 5 قتلى من عناصر الأمن على يد المسلحين في حي المسورة خلال الفترة الأخيرة.