الخليج أونلاين-
لم تترك وسائل الإعلام وناشطو وسائل التواصل الحديثَ عن سعود القحطاني، المستشار المقال من الديوان الملكي السعودي، رغم تركه التغريد عبر "تويتر" في محاولة لإبعاد نفسه عن أضواء تورّطه في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي، بعدما دخل قنصلية بلاده في إسطنبول، يوم 2 أكتوبر 2018.
ومنذ أن أُعلن إعفاؤه من منصبه على خلفية تورّطه في مقتل الصحفي السعودي، غيَّر القحطاني صفته على حسابه الشخصي على تويتر 4 مرات، إلى أن توقف عن التفاعل عليه منذ 23 أكتوبر الجاري. فبعدما كان يصف نفسه بمستشار في الديون الملكي السعودي بصفة وزير، إلى جانب ترؤسه عدداً من المؤسسات الرسمية، ثم مسؤول الأمن السيبراني، انتهى به المطاف إلى "حساب شخصي لا يمثّل وجهة نظر رسمية".
وبعدما حذف جميع المناصب من التعريف الشخصي له بموقع "تويتر"، غرّد القحطاني مستنكراً تفاؤل المغرّدين بإقالته، قائلاً: "المنصب بمفهومنا هو تكليف ومسؤولية وطنية، بينما هم يرونه وسيلة للاسترزاق وزيادة الأرصدة البنكية. كل سعودي هو جندي؛ ولاؤه لله ثم لمليكه ووطنه. لا يمكن أن يفهموا الفرق. فهي أشياء لا تشترى".
ويظن القحطاني، المتهم الرئيس بعد ولي العهد محمد بن سلمان، بإدارة عملية تصفية خاشقجي، أن الموضوع انتهى بكل سهولة وبضغطة زر بعدما غير صفته الرسمية أو بعد إعفائه من منصبه في الديوان الملكي ومدير ما يُعرف بـ"الذباب الإلكتروني"، إلا أن التحقيقات المتواصلة والمطالبات الدولية المتواصلة بكشف من أعطى الأوامر بقتل خاشقجي لا يبدو أنها ستترك القحطاني خارج قفص الاتهام.
- الإعلام والانحياز لقضية خاشقجي
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي كان الصحفي الراحل أحد أبرز كُتّاب أعمدتها، كانت أبرز من مارس ضغوطاً على إدارة دونالد ترامب وشكّلت رأياً عالمياً حول انتهاك حقوق الإنسان في السعودية، واتهام ولي العهد محمد بن سلمان بأنه من أعطى الأوامر لقتل وتصفية خاشقجي.
مترجم
— BoJassim (@SpeakFreeQtr) October 24, 2018
رسالة المذيع جو سكاربروغ القاسية الى السعودية ،
وتعليقه على تركيز صحيفة الواشنطن بوست على اخبار السعودية بعد ان قُتل زميلهم #جمال_خاشقجي في قنصلية بلاده .. pic.twitter.com/GqPIiwrS84
ووجه المذيع الأمريكي العديد من الأسئلة إلى السلطات السعودية؛ منها: هل تعلمون من هو الشخص الذي يدير صحيفة "واشنطن بوست"؟ هل تعلمون ماذا فعل هذا الرجل؟ متابعاً بالقول: إن "هذا الرجل تولّى أمر الكنيسة الكاثوليكية، وهي أقوى مؤسسة (دينية) في بوسطن، وأسقطها في نهاية المطاف".
ووجّه المذيع الأمريكي رسالته إلى المسؤولين السعوديين: "أنتم متكبّرون جداً إذا فكّرتم أنكم لن تشاهدوا هذا قبل نهاية حياتكم.. أنتم متكبّرون جداً إذا فكّرتم أنكم لن تروهم (وسائل الإعلام) كيف يقطعون دولتكم تقطيعاً كل يوم.. من الآن لن يتركوكم.. لن تحصلوا على أيام راحة بعد الآن.. ستلاحقكم هذه الصحيفة وتلاحق دولتكم وأموركم المالية".
وتابع: "ستلاحق حياتكم الشخصية ثانية بثانية ما بقيتم على قيد الحياة.. لقد فشلتم.. هناك كلمة استعملتها في هذا البرنامج سابقاً ولن أستعملها مرة أخرى.. سيلاحقونكم ولن يتوقفوا.. سيلاحقونكم ليس بالمنشار ولا بالرصاص ولا بالرشوة.. إنما بالحقائق.. هناك فريق من الصحفيين الغاضبين الذين لن يتركوا بقايا على عظام دولتكم، إلا إذا فعلتم شيئاً ونظّفتم هذه الفوضى".
- تسريبات وتأكيدات
لم تدع التسريبات الأمنية والتحقيقات الأولية حول مقتل خاشقجي مجالاً للشك في تورّط مسؤولين كبار في الديوان الملكي، وعلى رأسهم القحطاني، الذي كان مستشاراً لولي العهد، قبل أن يُعفى من منصبه مؤخراً.
ورغم إعفاء الملك سلمان للقحطاني من منصبه إثر تورّطه في الجريمة، لا يزال المستشار المقال طليقاً، وكشفت آخر تسريبات الأمن التركي أنه تحدّث مع خاشقجي عبر سكايب قبل مقتله بلحظات، ودعا فريق الاغتيال السعودي المكوَّن من 15 شخصاً إلى تقطيعه، وطالبه بإحضار رأسه إلى المملكة.
وأكد تقرير بثّته قناة العربية السعودية (شبه الرسمية)، يوم 21 أكتوبر 2018، عبر حسابها في "تويتر"، أن نائب رئيس الاستخبارات السعودية، اللواء أحمد عسيري، شكّل فريقاً أمنياً من 15 شخصاً "بهدف إقناع خاشقجي بالرجوع إلى المملكة"، والغريب أن التقرير أشار صراحة إلى دور القحطاني في اختيار العقيد ماهر مطرب، أحد أعضاء الفريق، بحجة التفاوض مع خاشقجي؛ لأن علاقة خاصة تربطه بالصحفي المغدور.
ورغم إعلان الرياض توقيف الـ15، و3 موظفين بالقنصلية، لم تتطرَّق لاعتقال القحطاني وعسيري، رغم أن إقالتهما جاءت بسبب القضية.
ويضيف التقرير: إن "القحطاني أعطى الفريق أوامر بالتصرّف دون الرجوع إلى القيادة"، وادّعت العربية في تقريرها أن الخطة كانت تقضي باصطحاب خاشقجي خارج إسطنبول والتفاوض معه للعودة إلى بلاده، قبل أن يقول مطرب، بحسب التقرير، لخاشقجي: "سنقوم بتخديرك ونأخذك إلى المملكة"، وهو ما رفضه خاشقجي، فانقضّ الفريق عليه، ليقوم الخبير في التشريح، صلاح الطبيقي، بالتعامل مع معالم الجريمة وإخفاء الجثة بمساعدة متعاون محلي.
وحتى الآن لم يُعثر على جثة خاشقجي، بينما تؤكد تسريبات الأمن التركي أن ضباطاً مقرّبين من ولي العهد السعودي ذبحوه وقطّعوا جسده ووضعوه في أكياس.
ونظراً لبشاعة القتل وتعقيدات القضية سياسياً وجنائياً ودبلوماسياً، أوفدت المملكة النائب العام السعودي، سعود المعجب، إلى إسطنبول؛ للتباحث مع نظيره التركي بشأن القضية.
ومعروف عن المعجب قربه من الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد، حيث لا يخرج عن دائرتهم في أحكامه وقراراته القضائية والجنائية وتعاطيه حتى مع ملف معتقلي الريتز ومعتقلي الرأي، وبعض القضايا التي شغلت الرأي العام المحلي والدولي.
- القضاء السعودي وغياب العدالة
في مطلع نوفمبر 2017، اعتقلت السلطات السعودية 11 أميراً بارزاً، وسجنتهم في فندق الريتز كارلتون ذي الـ5 نجوم، في حملة قالت الرياض إنها لمكافحة الفساد، في حين تؤكّد تقارير عديدة أن هدفها الإطاحة بمن يشكّلون خطراً على ولي العهد الشاب.
وبينما تعاطى ولي العهد ومستشاره حينها، سعود القحطاني، مع الشقّ السياسي للحملة، ظهر النائب العام، سعود المعجب، في شقها الجنائي، حيث أصدر بيانات تتهم المعتقلين بالفساد، تماشياً مع سياسة بن سلمان.
لكن النائب العام لم يوجه للأمراء والنافذين تهماً رسمية، وإنما أسبغ الصفة القانونية على صفقة أبرمتها معهم السلطة، وهي إطلاق سراحهم مقابل المليارات بعد أن فقدوا مناصبهم ونفوذهم في مواجهة ابن عمهم الذي يهرول نحو العرش.
ولم يفسّر النائب العام حتى الآن للرأي العام لماذا استضاف كبار المعتقلين في واحد من أفخم الفنادق العالمية، بينما يُلقي بالمواطنين العاديين في غياهب السجون المتوارية خلف الرمال، فكيف يمكن له أن ينحاز للعدالة في قضية خاشقجي؟ يتساءل العالم.
وفي مقابل تفاوضه مع أمراء من العائلة المالكة وإعطاء الصفة القانونية لهذه الصفقات، صدم النائب العام السعودي العالم، مطلع سبتمبر 2018، عندما طالب بإعدام الداعية المعروف، سلمان العودة، ووجه له 37 تهمة تتعلّق بالإرهاب والتطرّف، إضافة لأحكام مشابهة لناشطين ودعاة آخرين.