صحيفة “نيويورك تايمز”-
تساءل مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” بن هبارد عن السبب الذي يدعو السعودية للتجسس على شركة تويتر.
ويرى الكاتب أن زرع خلية تجسس لصالح السعودية في الشركة يشير إلى قوة منصة التواصل الاجتماعي ومحاولة المملكة السيطرة عليها.
وقال إن المملكة التي لا يوجد فيها منافذ للتعبير عن حرية الرأي ووسائل إعلامية لمناقشة السياسة أصبح فيها “تويتر” مساحة مفتوحة أو مركز مدينة “تاون سكوير” يلتقي فيه الجميع لتبادل المعلومات وآخر الأخبار. ولم تمنع العائلة المالكة هذا المنبر ولكنها اتخذت كل الإجراءات لكي تشكل المعلومات الواردة فيه وإسكات كل النقاد والمعارضين الذين يستخدمونه لنشر الآراء النقدية.
وأشار إلى قرار وزارة العدل الأمريكية يوم الأربعاء توجيه لائحة اتهامات لموظفين سابقين في تويتر بالتجسس لصالح السعودية، وهو ما يكشف عن حجم الجهود التي اتخذتها المملكة لتشكيل ما يجب على المواطنين الإطلاع عليه في الإنترنت وما يتم تداوله عليها.
ويعتبر السعوديون من أكبر المستخدمين لتويتر في العالم. والسبب هو غياب مساحات النقاش العامة للمواطنين للتجمع وتبادل الأفكار، ولأن معظم وسائل الإعلام المحلية تملكها الدولة وبمنظورات محدودة تعكس مواقف الحكومة. يضاف إلى هذا أن معظم السعوديين لديهم أكثر من هاتف نقال مع خدمات جيدة للإنترنت وهو ما سمح لهم بالتعامل مع بعضهم البعض والبحث عما يجري في العالم. كل هذا جعل من السعودية واحدة من أوسع الدول التي ينتشر فيها استخدام تويتر ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وبحسب تقرير يبلغ عدد مستخدمي تويتر في السعودية 9.9 ملايين شخصا، أي في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان. ومن ناحية نسبة الاستخدام لعدد السكان تأتي السعودية بالمرتبة الأولى حيث تبلغ نسبة المستخدمين 37% مقارنة مع 18% للولايات المتحدة. ويستخدم تويتر الجميع من رجال الدين إلى الصحافيين البارزين ونجوم التلفزيون والملك السعودي البالغ من العمر 83 عاما (لديه 7.8 ملايين متابع).
وكان للصحافي جمال خاشقجي الذي قتل العام الماضي في قنصلية بلاده بإسطنبول 1.8 مليون متابع وقت مقتله، وهو ما سمح له بنشر أفكاره بعدما منع من الكتابة في الصحف السعودية. وربما كانت قدرته للتواصل بشكل مباشر مع المواطنين السعوديين سببا في مقتله. ومن هنا تحولت المنصة إلى ساحة حرب للحكومة التي حاولت من خلالها الترويج لسياساتها، فيما استخدمها المعارضون في الداخل والخارج لنشر أفكارهم الناقدة للحكومة والدعوة للإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وعلى خلاف الدول الديكتاتورية الأخرى مثل إيران والصين فلم تمنع السعودية استخدام منصة التواصل الاجتماعي، نظرا لمنفعتها لها وكصمام أمان للمجتمع غير ضار. ولكنها استثمرت في عدد من المجالات حتى تستطيع التأثير على السعوديين عندما يدخلون إلى المنصة. وشملت الوسائل عددا من الأساليب الشديدة كاعتقال الناشطين البارزين على تويتر ممن وجهوا انتقادات للحكومة.
وفي الوقت نفسه استخدمت الحكومة مدخلا ناعما كنشر التغريدات المؤيدة لها ولإصلاحاتها. ويرى ألكسي أبرهامز من “ستيزن لاب” بجامعة تورنتو أن السعودية “لا تستطيع حظر المواقع على الإنترنت ولهذا حاولت التنافس على المساحة” و”لو استطاعوا ضخ مصادر كبيرة فيها فعندها قد تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسيلة مفيدة للنظام أكثر من المعارضة. ولست متأكدا من حصول هذا ولكننا نقترب منه”.
ولتشكيل ما يحدث على وسائل التواصل قامت الحكومة بحشد جيش من الحسابات التي قدمت محتويات مؤيدة لها وهاجمت الأصوات الناقدة. وهذه الحسابات هي آلية تعرف بالبوتس أو روبوتات وهي حسابات يديرها أشخاص يعملون لصالح الحكومة السعودية ممن يستخدمون تويتر بطريقة منسقة، حسبما ما كشف عنه تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” العام الماضي. وعندما تعمل معا فهذه الحسابات والهاشتاغات تنشر معلومات تمدح القيادة السعودية بشكل يؤدي لتمييع رسالة المعارضين وإخفائها.
وبهذه الطريقة تقوم الحكومة بتشكيل ما يقرأه أو يشاهده المواطن السعودي الذي “سيرى أن ثقل الرأي العام هو مع الحكومة” كما يعلق أبرهامز. ومعظم المعارضين السعوديين هم في الخارج حيث يقومون بنشر مواقفهم وآرائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل المعارض عمر عبد العزيز المقيم في كندا والذي ينشر مواد وأشرطة فيديو له. وحاولت الحكومة السعودية إغلاق الحسابات هذه.
وقال عبد العزيز إن الحكومة اعتقلت أشقاءه في محاولة للضغط عليه وأرسلت مبعوثين لإقناعه بالتوقف عن نقد الحكومة والعمل معها ولكنه رفض. ووسعت الحكومة جهودها لتحديد الأشخاص المجهولين الذين يقفون وراء الحسابات ولهذا السبب عملت على تجنيد أشخاص من داخل تويتر. فعلي الزبارة وهو واحد من الرجال المتهمين كان مهندسا لديه منفذ إلى المعلومات الشخصية للمشتركين، أما أحمد أبو عمو فقد كان يستطيع الوصول إلى عناوين وأرقام هواتف المشتركين، وهي معلومات حساسة كانت ستساعد الحكومة في الكشف عن هويات الأشخاص الذين يقفون خلف الحسابات المجهولة.
وغادر الرجلان شركة تويتر في عام 2015 ولم تحاول الحكومة السعودية اختراق الشركة فيما بعد، ولم يتم على الأقل الكشف عن جهود جديدة. ولكن مقتل الصحافي خاشقجي كان سببا في لفت أنظار العالم لجهود النظام السعودي في ملاحقة وإسكات المعارضة. ولم تتخل الحكومة مع ذلك عن جهودها لاستخدام منصات التواصل لنشر ما تريده من معلومات، فهناك كما يقول أبرهامز “أطنان من الروبوتات”.