سلطان فيصل الرميثي- الامارات اليوم- في عام 1949 كتب جورج أورويل روايته العظيمة «1984»، التي تنبأ فيها بأحداث العالم سنة 1984، تحدثت الرواية عن دولة شمولية تراقب كل شيء وتعرف كل شيء من خلال «شاشة الرصد»، التي تخترق بيوت جميع الناس لتنقل ما يدور خلف الجدران. الأمر قد تغير الآن، فلم يعد العالم بحاجة إلى كل هذه الجهود الضخمة لمعرفة ما يدور في الشارع وخلف الجدران، والفضل لوسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت عن توجهات الناس ومستوى تفكيرهم وتطلعاتهم، إلى درجة يمكن معها إجراء دراسة لاستطلاع الرأي العام بمجرد وضع «هاشتاق»، ومن ثم رصد الردود والتعليقات.
وبالمثال يتضح المقال، شاهدت فيديو متداولاً على الإنترنت، يعرض سائقاً يؤدي ألعاباً بهلوانية خطرة تمثلت في حمل السيارة للسير على إطاريها الجانبيين، بعد المشاهدة تتبعت بعض التعليقات السلبية المصاحبة للفيديو، كتب أحدهم: «إن هذا الشاب المتهوّر براتبه المرتفع لم يعانِ للحصول على سيارته، فهو لا يدرك قيمة المال، وإن الدولة أخطأت لأنها وفرت له هذا الراتب». لم يرق لي هذا التعليق مطلقاً؛ وكأن على الدولة أن تنغص حياة مواطنيها لتكافح حالات القيادة بتهوّر. تعليق آخر يقترح «على الدولة وضع دوريات أكثر بأماكن تجمعات الشباب»، وأعتقد أن تطبيق هذا الاقتراح يستلزم الاستعانة بأفراد للشرطة يعادل عدد أفراد قوات حلف الناتو. التعليق الأخير كان بصوت أكثر أبوية، أوضح أن «الشباب طاقات، كلنا مررنا بمثل هذه التجربة، المفروض أن تفرغ الدولة طاقاتهم بفتح نوادٍ متخصصة للاستعراض بالسيارات». وماذا إن لم تفعل؟!
المثال يتكرر في كل «هاشتاق» يمس مسألة رأي عام، إذ تتحمل الدولة وحدها - غالباً - مسؤولية كل شيء، فلو كان «الهاشتاق» عن التركيبة السكانية فالدولة مخطئة، وكأننا لا نمارس دور الكفيل النائم الذي يستخرج عشرات التأشيرات، كما أننا كأفراد نترك التخصصات الدراسية في مجالات التعليم والطب والتمريض ونتجه لتخصصات أسهل تشبّع بها سوق العمل، ثم نُحمّل الدولة مسؤولية توظيف العاطلين عند الحديث في «هاشتاق» آخر.
وللإنصاف، قد يُحمّل البعض الدولة مسؤولية كل شيء لثقته الكبيرة بها مع غياب دور مؤسسات المجتمع المدني، أو لأننا ببساطة نود أن نُخلي مسؤوليتنا كأفراد، أو لأننا نعتقد أن الرادع الأخلاقي لا يكفي وحده، وأننا نحتاج دائماً إلى الرادع القانوني