شؤون خليجية-
اثار الدكتور أحمد العيسى الذي تم تعيينه وزيرا للتعليم بموجب الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مساء اليوم الجمعة، جدلا واسعا في الشارع السعودي، نظرا لاراء "العيسى" التصادمية مع المجتمع السعودي المحافظ, وصراعه العنيف مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "المطاوعه"، وتوجهاته الليبرالية والعلمانية، والأحداث التي كانت مثار جدل في جامعة اليمامة من "اختلاط" و"حفلات غنائية" و"مسرحيات".
فأبرز اراءه التصادمية انتقاده ظاهرة تحفيظ القرآن لتلاميذ المدارس، معتبراً أن القراءة يجب أن تكون بدافع العبادة، وليس الحفظ، وقال العيسى أن "التركيز على الحفظ والتلقين للقرآن الكريم كوسيلة للتعليم ليس فضيلة، بل هو مطلوب فقط للمتخصصين في العلوم الشرعية وليس واجباً على بنات وصبيان المسلمين".
وتابع "من وجهة نظري فإن حفظ القرآن ليس فرضاً، وإلا كان جميع المسلمين يحفظونه الآن".
وشرح أن "ظاهرة الحفظ نشأت بعد عصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين عندما دخل الإسلام بعض الشعوب التي لا تتحدث العربية، فكان الحفظ والتحفيظ وسيلة لتعليم اللغة".
وناقشت الحلقة الكتاب الجديد للعيسى حول "إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية".
واعتبر مدير جامعة "اليمامة" أن النظام التعليمي العام في السعودية "متخلف" ولم ينتج أجيالاً قادرة على مواجهة التحديات، مشيراً إلى أن هناك شبه إجماع على ذلك بدليل ما ينشر في الصحافة من دعوات لإصلاحه، إضافة إلى التقارير الدولية كتقرير البنك الدولي.
وأشار إلى أن 60% من المناهج التي تدرس للطلاب هي علوم شرعية ولغة عربية، مطالباً بمزيد من الاهتمام بالرياضيات والعلوم الطبيعية.
وقال إن فلسفة التعليم في السعودية ترتكز على "الفلسفة المثالية، وهي حقيقة سواء كانت دينية أو علمية، تمنح للطالب من خلال الحفظ دون التركيز على استكشاف الحقيقة والفهم والمناقشة، وهذا يفقد الطالب القدرة على التعاطي مع متغيرات المستقبل".
وطالب بتعديل بعض المناهج، مشيراً إلى مناهج علماء السلف التي لا يفهمها الطلاب، "حيث نقلت حرفياً من كتب التراث لعلماء السلف دون صياغتها لتتناسب مع قدرة الطالب على الفهم".
ورفض "العيسى" قرار وزير التعليم "الدكتور عزام الدخيل" بفتح فصول لتحفيظ القرآن الكريم في مدارس التعليم العام، وقال أن كثيراً من المهتمين بالتعليم، الحريصين على مستقبل بلادهم قد استغربوا صدور هذا القرار، ولم يتبينوا دوافعه؛ لأنه صدر من دون أن يستند إلى خطة استراتيجية للتطوير لها أهدافها وغاياتها ومداها الزمني، ولكنهم آثروا السلامة والصمت بعد أن سلق البعض ألسنة حداد ضد كل من يجرؤ على معارضته أو مناقشته، واتهموهم في دينهم ونياتهم. والواجب يحتم أن يصدح العارفون بالحق مهما كانت النتائج والتبعات.
وتابع أن «تعلم» القرآن الكريم و«تدبر» آياته من أعظم القربات إلى الله ومن أفضل الطاعات، فهو النور المبين والصراط المستقيم، فيه آيات بينات، (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
ولهذا جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تحث على «التدبر» و«التفكر» و«القراءة» لهذا الكتاب العظيم: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته)، (أفلا يتدبرون القرآن)، (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقوله: (الذي يقرأ القرأن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة) وغير ذلك من الآيات والأحاديث القاطعة.
ولكن مفردة «حفظ» أو «تحفيظ» بصيغة الأمر أو الاستحسان لم ترد بنص واضح وصريح في القرآن الكريم أو السنة المطهرة، ولم تذكر أدبيات السيرة النبوية أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاءه من بعده أنهم قد أقاموا حلقات لتحفيظ القرآن. والثابت تاريخياً أن أول قرار لجمع القرآن الكريم كان في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه – عندما خشي بعض الصحابة أن يضيع القرآن بعد استشهاد جمع من الحفاظ في حروب الردة، ولو كان الحفظ والتحفيظ شائعاً في ذلك الوقت لما خشي خليفة المسلمين أن يضيع القرآن بسبب تلك الحروب.
واضاف : من الناحية التربوية فإنني على قناعة تامة بأن المدة المخصصة لـ«تعليم» القرآن الكريم في المدارس غير كافية إذا أردنا تعليم معانيه وتدريس أسراره ومقاصده كما ينبغي، فمن خلال منهج متكامل للقرآن الكريم يمكن أن نعلم العقيدة، ونعلم الفروض والأحكام، ونعلم الآداب والأخلاق الفاضلة، كل بحسب ما يناسب عمره وخلفيته العلمية. ومن خلال هذا المنهج نستطيع أن نقدح في عقول التلاميذ شعلة التفكر في آيات الله الشرعية، وآيات الله الكونية، والتأمل في أحوال الأمم والشعوب، ولكن الاهتمام بأسلوب «الحفظ» قد أضاع الفرصة على إعداد وتطوير مثل هذا المنهج المتكامل.
وقال أعلم أن بعضهم سيقول إن ما يتم في مدارس تحفيظ القرآن هو أكثر من مجرد «الحفظ» وأن الطلاب يتعلمون «التفسير» والقراءات وغير ذلك، ولكن الحقيقة أن الجهد الذي يبذله الطلاب في «الحفظ» و«التجويد» يستهلك معظم طاقاتهم وإمكاناتهم. وإذا أضفنا إلى ذلك خشية بعضهم من إطلاق ملكات التفكير النقدي والاستنتاج والتحليل العقلي عند دراسة العلوم الشرعية، فإن مبدأ السلامة يجبر المعلمين والمعلمات على التركيز على «الحفظ» ولا شيء غير «الحفظ». وقد أكد هذه الخشية أحد طلبة العلم أخيراً في تغريدة مشهورة حين قال: «لا يجوز لغير طالب العلم أن ينشر ما توصل إليه من تدبر لآية في كتاب الله إلا بعد أن يعرضه على عالم أو متخصص ليصوب تدبره..»، وأعتقد أن هذا المنهج لا يختلف كثيراً عن منهج الكنيسة في أوروبا في عصور الظلام حين حاربت العقل والتفكير والتأمل خشية الهرطقة الدينية.
واضاف العيسى لقد نُشر أخيراً الكثير من المغالطات التي لم تستند إلى معلومات صحيحة مثل القول إن خريجي مدارس تحفيظ القرآن متفوقون على أقرانهم من خريجي الثانوية العامة، أو القول بأن كثيراً من خريجي مدارس تحفيظ القرآن هم متفوقون في كليات الطب والهندسة وغير ذلك. والحقيقة أن تفوق مدارس تحفيظ القرآن في نتائج اختبارات التحصيلي والقدرات التي تصدر عن مركز قياس يأتي مقارنة مع طلاب القسم «الأدبي» (أو ما يسمى الشرعي) في الثانوية العامة، وليس مع طلاب القسم العلمي، ومن المعلوم أن معظم من يتجه إلى القسم الأدبي في الثانوية العامة هم أقل الطلبة اهتماماً بالتعليم واستعداداً للتعلم، كما أنه من المعلوم أن كليات الطب والهندسة لا تقبل خريجي مدارس تحفيظ القرآن؛ لأن شهاداتهم تعادل بالأقسام الأدبية والشرعية في الثانوية العامة.
إنه من المقبول أن نقول إن «حفظ» القرآن يساعد في تنمية المهارات اللغوية عند الطلاب، وكذلك تنمية مهارات الاتصال، ولكن الغاية النهائية للتعليم ليس الوقوف عند هذه المهارات، وإنما تجاوزها لتنمية مهارات التفكير المنطقي، والتحليل، والتطبيق، وحل المشكلات، وهذه المهارات كما نعرفها من خلال الدراسات النفسية والتربوية لا تتحقق من خلال «الحفظ» Memorization وإنما تتحقق من خلال تشجيع الطلبة على النقاش الحر وطرح الأسئلة وتشجيع الأفكار الجديدة والجريئة.
كذلك من المقبول أن نقول إن طلاب مدارس تحفيظ القرآن هم أفضل من طلاب المدارس العامة من حيث الالتزام السلوكي والأخلاقي للبيئة التربوية الصارمة التي نشأوا فيها، ولكن ينبغي ألا نتجاوز ذلك لعقد مقارنات في القدرات العلمية والمعرفية.
مما سبق يتضح أن قرار وزير التعليم بالتوسع في فصول «تحفيظ» القرآن لا يخدم أي توجه لتطوير نظامنا التعليمي للانعتاق من ورطة «الحفظ» والتلقين، وللمنافسة في عالم سريع ومتغير.
وقال: في تقديري أنه طالما أن هناك العشرات من الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وتنتشر في معظم مدن المملكة، فلنتوسع في برامجها وعددها ولندعم القائمين عليها، ولنترك مدارس التعليم العام لتقوم بمسؤولياتها في «تعليم» العلوم والمعارف والمهارات بما في ذلك علوم القرآن الكريم. فلماذا هذه الازدواجية وكأننا في دولتين ولسنا في دولة واحدة تتكامل أجهزتها الحكومية ولا تتعارض!
وتابع : أعرف أن مثل هذا الكلام لن يعجب كثيراً من المؤدلجين.