الوطن العمانية-
في مراتب تغيير المنكر في حديث النبي (صلى الله عليه وسلّم):(من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، التغيير بالقلب كيف يكون تغييرا للمنكر مع أن هذا الأمر يبقى في خاصته؟
نعم لا ريب أن الناس مبتلون في هذه الحياة بما آتاهم الله تعالى من قدرات وملكات وما آتاهم من طاقات متنوعة ، فالإنسان قد يكون ذا سلطة، فلئن كان ذا سلطة فهو قادر على تغيير المنكر بيده في هذه الحالة يكون لزاماً عليه أن يغيّر هذا المنكر بيده ما دام قادراً على ذلك ولا يمكن أن يتغير بما دون ذلك.
أما إذا كان من الممكن أن يتغير بمجرد الدعوة باللسان فإنه لا يُنتقل إلى استعمال اليد إلا بعد استعمال اللسان لأن الأصل أن الإنسان يحرص على الإتيان بالأسهل فالأسهل، يبدأ بالأسهل أولاً ، فمن كان يردعه القول لا يُعدل إلى ردعه باليد، ربما كان جاهلاً وربما كان غافلاً فينبغي أن يُردع الإنسان بالقول مهما أمكن، ومع ذلك أيضاً ليس من أظهر المنكر من بداية الأمر كمن تكرر منه، فالذي يتكرر منه يُغلظ عليه القول، أما من ظهر منه بداية الأمر يُنبّه يقال له بأن هذا منكر، وهذه هي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل ـ 125)، ويقول سبحانه وتعالى:(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت ـ 34)
أما هذا الذي يتصامم ويتعامى ويتعالى بحيث إنه يُصر على فعله ويستكبر استكباراً عندئذ يغلظ له في القول.
ولئن كان هنالك من آتاه الله تبارك وتعالى التمكين والاستخلاف في هذه الأرض بأن كان متمكناً بوجه من الوجوه من تغيير هذا المنكر باليد فإن المُصر الذي يصر على باطله ولا يتراجع عنه يُغيّر باطله هذا بفعل ما كان المُغيّر قادرا ًعليه، أما من لم يكن قادراً عليه فإن انشراح صدره يُعد مشاركة في الأمر الصادر من صاحب المنكر، فمن انشرح صدره واستقرت نفسه مع كونه يرى المنكر لا ريب أنه يكون مشاركاً، ولكن إن تغيّر قلبه فإن ذلك التغيّر له أثر أولاً في نفسه هو، فهو غيّر المنكر بالنسبة إلى نفسه لأنه لم يشارك صاحب المنكر في منكره، ثم مع ذلك أيضاً هو فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى قائم بما يجب عليه لأن هذا هو منتهى ما يقدر عليه فذلك أضعف الإيمان، أضعف ما يقدر على تنفيذه من مقتضيات إيمانه بالله تعالى وباليوم الآخر فلذلك عُد هذا من تغيير المنكر.
ما استطاع أن يغيّره بيده، ولم يستطع أن يغيّره بلسانه وإنما يغيّره بقلبه بحيث ينقبض قلبه من هذا العمل الشائن القبيح ، ولا يُساير من ارتكبه فيه.
بهذا يكون بطبيعة الحال بالنسبة إلى نفسه قد غيّر المنكر، وانقباضه عن ذلك الرجل أيضاً يُعد شيئاً من التغيير للمنكر، إذ من لقي صاحب المنكر بوجه منبسط إنما لقاؤه إياه بهذه الحالة يُعدّ إقراراً له على المنكر بخلاف ما إذا لقيه بوجه عابس يُبدي من خلاله أنه غير راضٍ بصنيعه هذا.
سماحة الشيخ ماهي حدود الحرية في إطار مبادئ راسخة مثل العام قبل الخاص أو احترام الآخر؟
الحرية التي يجب تطبيقها في نفوس العباد هي أن ينزع الإنسان منزع الخير، وأن يأبا الظلم وأن يأبا الإسعلاء والإستكبار في الأرض وأن يأبا كل ما ينافي الأخلاق الفاضلة والهداية الدينية هذه هي الحرية.
فالإنسان إذا أطلقت له الحرية كما يشاء ربما تعدى جميع الحدود وربما تعدى جميع الحواجز، فعلى الإنسان أن يتقيد بأمر الله ومن ذلك عليه أن يرعى مصالح الاخرين لا مصلحته بنفسه، وأن يوازي بين هذه المصالح فيقدم المصلحة العامة على الخاصة ويراعي حقوق المجتمع بنفسه، من قوي وضعيف ومن حاكم ومحكوم ومن جميع الطبقات التي أوجدها الله سبحانه وتعالى.
هناك الحرية الفردية والحرية الجماعية (حرية الدول في غزو دول أخرى أو حرية فرد في قيام بعمل يترتب عليه ضرر) .. هل هذه حرية؟
ليس للإنسان حق أن يعتدي على حقوق الآخرين إنما يجب أن تكون هناك موازنة بين الحقوق ، فلا يغمط الفرد حقه ولا يغمط المجتمع حقه ولا تغمط الأمة حقها كل أحد من الناس يعطى حقه ويبوأ مكانه في نظام متين بحسب ما شرع الله سبحانه وتعالى.
بالنسبة إلى العدوان ليس لأي دولة الحق أن تعتدي على الآخرين فنحن نرى كيف شرع القتال في الإسلام، إنما شرع لصد العدوان وقمع الباطل وإحقاق الحق من غير تعد لحدود الله فقد قال الله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ).
هل الابتكاريات العلمية أو بمعنى آخر التقدم التكنولوجي في الصناعات النووية المطلقة تعد حرية في إعطاء العقل حرية الإختراع دون مبالاة إذا كانت هذه الصناعات غير مقيدة بشروط وتضر الإنسانية؟
كل عمل يؤدي إلى ضرر الإنسانية فهو ممنوع فالإبتكارات الصناعية التي تدمر ولا تعمر وتفسد ولاتصلح وتظلم ولا تعدل أمراً ممنوعة في الإسلام ، وإنما أمر الناس أن يتسارعوا في الخير وأن يتنافسوا فيه ، وأن يبتكروا من الصناعات ومن الإنجازات ما يحقق المصلحة البشرية وما يدعو لدفع الضرر عن البشر.