الوطن العمانية-
المرأة المعتدة هل يصح لها أن تعمل بأشغالها المنزلية في العشر الأواخر من عدتها، وهل يجب عليها أن تخبر النساء عن انتهاء عدتها، وهل عليها الاغتسال في نهاية عدتها؟
نحن قلنا أكثر من مرة بأن حكم المعتدة لا يختلف عن حكم غيرها من النساء إلا في ثلاث حالات فقط:
الحالة الأولى هي أنها لا تتطيب لأن الطيب ينافي الحداد، والحالة الثانية هي أنها لا تتزين لأن الزينة هي أيضاً تنافي الحداد، والحالة الثالثة هي أنها لا تذهب للمبيت في بيت آخر لأن النبي (صلى الله عليه وسلّم) أمر الفارعة بنت سنان أن تعتد في البيت الذي وصلها فيه نعي زوجها.
فبناء على هذا عليها أن تظل مكانها في المبيت بحيث لا تذهب للمبيت إلى مكان آخر، أما في بقية الأحكام فهي مع غيرها من النساء سواء، لا فرق بينهن في شيء ذلك.
فالمعتدة لا يُشدّد عليها كما هو الشأن عند الكثير من الجهلة بحيث يتشددون على المعتدة تشدداً خارجاً عن حدود الاعتدال والمعقول، كما أن غيرها أيضاً لا يُتساهل معها بحيث يمكن أن تبرز مع هذا أو ذاك أو تخلو بهذا وذاك فإن هذا أيضاً مما لا يباح، النبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال: إياكم والدخول على النساء. فقال له رجل من الأنصار: أرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت. لم يعن في ذلك إبّان عدتها، كذلك ما جاء من التشديد في الخلوة بين الرجل والمرأة لم يكن ذلك في إبّان عدتها.
فما للناس يتشددون على المعتدة حتى يخرجوا إلى حدود الإفراط، ويفرّطون في حق غير المعتدة حتى أنهم يتساهلون معها إلى حد بعيد، هذا إنما هو راجع إلى الجهل.
والمرأة المعتدة لا يمنع من أن تعمل في داخل بيتها بحيث تطبخ الطعام مثلاً وتغسل الملابس وتباشر الأعمال التي كانت تباشرها من قبل، وإنما عليها أن تتقي الله تبارك وتعالى، وأن لا تخرج عن حدود الأحكام الشرعية، أما هذه الأعمال فليست منافية لشيء من أحكام الشرع، وأما الاغتسال عندما تنتهي عدتها فإنه لا داعي إليه، نعم هي يباح لها أن تغسل لأجل النظافة، ولكن أن تجعل ذلك الغسل أمراً مشروعاً وأمراً لابد منه فهذا لا أساس له من الصحة، إذ هي لم تكن على حدث حتى تؤمر بالاغتسال، ليست على جنابة، وليست على حيض حتى تؤمر بالاغتسال، وإنما هذه من عادات النساء، والعادة يجب أن لا تتحول إلى عبادة، كما أن العبادة يجب أن لا تُجعل عادة.
المعتدة هل تنتهي عدتها بوضعها لحملها، أم بانتهاء الأربعة أشهر وعشرة أيام؟
المعتدة المميتة – أي التي مات عنها زوجها – اختلف فيها منهم من قال تعتد بأبعد الأجلين، ومعنى اعتدادها بأبعد الأجلين أنها إن كانت مدة الحمل أطول من أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تعتد إلى أن تضع حملها، وإن كانت مدة الحمل أقصر وكانت أربعة أشهر وعشرة أيام أكثر وأطول فإنها تعتد إلى مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، هذا القول روى عن الإمام علي بن أبي طالب وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وأخذ به أكثر أصحابنا .
وأما جمهور العلماء فإنهم يقولون تعتد بوضع حملها، فمتى ما وضعت حملها سواء كانت مدة الحمل أقصر من أربعة أشهر وعشرة أيام أي وضعت حملها قبل ذلك، أو أنها كانت مدة الحمل أطول فإنها بمجرد وضع حملها تكون قد انتهت عدتها .
وهذا القول هو الذي نعتمد عليه، ودليله حديث سبيعة الأسلمية التي وضعت حملها بعد موت زوجها بأيام فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم: حللت فانحكي . والذين قالوا بخلاف ذلك قالوا أن سبيعة الأسلمية كانت مخصوصة بهذا الحكم، ولكن هذا يُرد بعدة أمور: أولها أن الأصل عدم الخصوصية، والثاني أن سياق الرواية حسب ما جاء في مسند الإمام الربيع بن حبيب وفي الصحيحين وفي غيرها من الكتب يدل على خلاف ذلك فإن أم سلمة رضي الله تعالى عنها هي التي روت هذا الحديث، أي هي من جملة رواته، وروي من طرق متعددة، ولكن من جملة الرواة أم سلمة ، وقد روته في مقام حل النزاع الذي كان في المسألة بين طرفين، فقد اختصم في هذه المسألة ابن عباس من جهة وأبو سلمة ابن عبدالرحمن من جهة أخرى، فجاء أبو هريرة وذكرا له فقال: أنا مع ابن أخي، أي مع ابن سلمة ابن عبد الرحمن، فأرسلوا إلى أم سلمة أم المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنها ـ فأخبرتهم بقصة سبيعة. فلو كانت هنالك خصوصية لعرفتها أم سلمة، ولما كانت خافية عليها لأنها هي الرواية للحديث .
ثم من ناحية أخرى جاء في بعض الروايات أن النبي (صلى الله عليه وسلّم) بعد إخباره بهذا الحكم تلا الآية الكريمة (وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الطلاق: من الآية4)، ثم من ناحية أخرى أيضاً جاءت رواية عند ابن جرير الطبري وغيره تدل على عموم هذا الحكم وشموله لغير سبيعة، فإذاً الأخذ بذلك أولى، والله تعالى أعلم.
أنا شاب خطبت فتاة ذات دين وخلق وبعد شهرين من الخطبة أصر أهلي على ترك هذه الفتاة وأجبروني على ذلك لا لسبب إلا لأنها ليست من قبيلتي، ويريد أهلي تزويجي من فتاة عادية على أساس أنها من نفس قبيلتي، والسؤال هل أنا ملزم بطاعة أهلي في ترك الزواج من هذه الفتاة المتدينة دون سبب، وهل يأثم أهلي بفعلهم هذا حيث أن فسخ هذا الزواج سبب للفتاة حرجاً كبيراً وكذلك لأهلها، ما نصيحتكم للأهل الذي يجبرون أبنائهم للزواج من فتيات على أساس القبيلة أو القرابة دون اعتبار للدين والخلق؟
أولاً العبرة بالدين والأخلاق سواءً من قبل الرجل أو من قبل المرأة) إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، هذا من ناحية، من ناحية أخرى الزواج لا يجبر عليه لا الذكر ولا الأنثى، لا الابن ولا الابنة، لا الشاب ولا الفتاة، لا يجبر أحد على الزواج ممن لا يريد الزواج به ، لا تجبر الفتاة أن تتزوج من لا تريده ، ولا يجبر الفتى أن يتزوج من لا يريدها، الكل إنما يختار شريك حياته بنفسه، لأن الزواج إنما هو ربط مصير بمصير، وهو لقاء أرواح بأرواح، لقاء عواطف، لقاء مشاعر وأحاسيس، هذه المشاعر إنما تكون بين الزوجين نفسيهما، فكيف يفرض الإنسان على أحد أن يشعر بمشاعر معينة تجاه شخص معين وهو لا يشعر بها بفطرته، هذا من الخطأ الكبير الذي يقع فيه الأهل، وتكون عاقبة مثل هذا الزواج الفشل، وكثيراً ما أدى مثل هذا التصرف الأرعن إلى فشل الزواج إلى مشكلات تنجم ما بين الأسر فلذلك يجب عليهم أن يبتعدوا عن مثل هذه الأشياء ثم هم على أي حال عندما سعوا إلى إبعاد ولدهم عن التزوج بمن يريدها وهي مرتضاة في دينها وخلقها عندما سعوا إلى ذلك آثمون ولا ريب في ذلك ، ثم هم آثمون بسبب الإحراج الذي وقع لهذه الفتاة ولأهلها، فعليهم أن يتقوا الله، وأن يدعو عنهم مثل هذا التصرف الأرعن .