الوطن العمانية-
نذر أب إذا شفي ولده أن يذبح في مكان معين، والآن لم يعد يسكن في تلك البلاد، هل له أن يذبح في المكان الذي انتقل إليه؟
معنى ذلك أن يذبح في صدقة وتقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بإطعام المساكين، أما إن كان نذر بأن يذبح تقرباً إلى قبر أو تقرباً إلى شجرة أو تقرباً إلى عين أو تقرباً إلى أي شيء آخر من هذا القبيل فذلك مما يحرم الوفاء، لأنه من التقرب إلى غير الله وتعالى، والنذور هي عبادات يجب أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى، فلا يجوز إقحام شيء من هذه الأشياء فيها، هذا مما يجب أن يتفطن له.
أما إذا كان نذر بأن يطعم الفقراء في قرية وحدد هذه القرية فذلك على حسب ما نذر، إن أطلق فالنذر على إطلاقه، وإن قيد فهو بحسب تقييده.
إن كان قيد فقراء قرية معينة فعليه أن يفي بما نذر به بحيث يطعم فقراء تلك القرية، وإن كان أطلق فله أن يطعم الفقراء في أي بلد كان.
امرأة اشترت ذهباً ثم أخذت من المحل سواراً ليس لها فكيف تتخلص منه مع خشيتها أن تواجه البائع بتسليمه إياه؟
ترد السوار إلى صاحبه سواء سلمته بنفسها أو سلمته إلى أمين يسلمه إليه، أو أرسلته إليه بواسطة وسيلة مضمونة كالبريد مثلاً حتى تطمئن أنه وصل إليه عندئذ تبرأ ذمتها.
الأصل في من أخذ شيئاً من أحد أن يرده بعينه، فإن تلف فإنه يرد المثل، وكذلك لو أتلف شيئاً من مال أحد فإنه يرد مثله، فإن تعذر المثل عندئذ يُعدل إلى القيمة.
ومنهم من قال بأن القيمة هي بدل من العين، أي إن فُقدت العين يُعدل إلى القيمة، ولكن القول الأول هو أصح، لأن قضية أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كما جاء في سنن أبي داود عندما كسرت طبقاً بعثت به أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رضي الله عنها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما قالت هي: ما رأيت صانع طعام مثل أم حبيية صنعت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) طعاماً وأرسلت به رسولاً فأخذني أفكن فكسرت الإناء وما فيه ثم سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) ما جزاء ما فعلت؟ فقال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام. ما قال الجزاء قيمته، وإنما الجزاء البديل المماثل للمتلف، جزاء طعام مثل طعام وإناء مثل إناء، هذا دليل مع تلف العين يُعدل إلى البديل.
المعتدة عدة الوفاة هل لها أن تخرج من بيتها لقضاء حوائجها لاسيما أنها لا تجد من يقوم على هذا الشأن غيرها؟
المعتدة عدة الوفاة لا تختلف عن غيرها من النساء إلا في ثلاث حالات: تُمنع من الطيب، لأن الطيب يخالف الحداد، وهي في حال حداد، وتطيبها يتنافى مع الحداد، وتُمنع من الزينة لأجل هذا المعنى نفسه، وتُمنع أن تذهب وتبيت في مكان آخر .. وأما ما عدا ذلك فإنها لا تختلف عن غيرها.
ومن العجب أن يتشدد الناس على المعتدة، وأن يوسعوا لغيرها، لا يمنعون غير المعتدة من أن تجلس عند الأجانب، أو تختلط بهم، أو تختلي بهم مع أن هذا مما يتنافى مع التوجيهات الربانية والتوجيهات النبوية، فكيف يُتساهل مع غير المعتدة ويُشدد على المعتدة!!.
المعتدة ما خصت بحكم، عندما قال الله سبحانه:(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، (النور ـ 31) إلى آخره، ما قال إذا كن في العدة، هذا الحكم على إطلاقه سواء كانت المرأة معتدة أو غير معتدة.
وكذلك قول الحق سبحانه وتعالى للنبي (صلى الله عليه وسلم):(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: من الآية 59) ما كان هذا في أيام الاعتداد، وإنما هو حكم مطلق بالنسبة إلى المرأة، وقول النبي (صلى الله عليه وسلّم):(ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)، وقوله:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة إلا مع ذي محرم)، وقوله:(ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقوله:(إياكم والدخول على النساء)، كل ذلك ليس هو في إبان العدة، ما قيّد هذا بالعدة، وإنما هذا حكم مطلق.
فلذلك نعجب من أحوال الناس، يشددون على المتعة إلى حال الإحراج عليها مضايقتها والغلو في أمرها، وفي نفس الوقت يتساهلون بالنسبة إلى غير المعتدة حتى ولو أخلّت بالآداب الشرعية الواجبة عليها.
وهذا التشديد على المعتدة إنما هو من عادات الجاهلية، هم كانوا يشددون على المعتدة، تبقى سنة لا تمس ماءً، ولا تخرج من بيتها، ولا تتنظف قط حتى إذا وصل الكتاب ـ حسب زعمهم أجله ـ عندما يحين خروجها من الاعتداد لا يكاد يتصل بها شيء من الحيوانات إلا ويموت بسبب ما فيها الروائح الكريهة، وهذا أمر لم يأذن به الله سبحانه وتعالى، وإنما هو من غلو الجاهلية.
رجل لديه مجموعة من البنات، وهؤلاء البنات يعملن موظفات وكلما يأتي أحد يخطب إحدى هذه البنات يرفض ذلك طمعاً فيما يرد إليه منهن من مال، فما هو توجيهكم سماحة الشيخ لمثل هذه الحالة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المسألة وأمثالها طرحت مراراً عديدة، وقد أبديت فيها الحكم الشرعي، وبيّنت فساد رأي من يحاول أن يعضل وليته عن الزواج سواءً كان أباً أو غير أب، وأن هذا لا يمكن أن يجتمع مع الإيمان بالله واليوم والآخر، فإن الله سبحانه وتعالى بيّن أن العضل يتنافى مع الإيمان بالله واليوم والآخر في قوله تعالى:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (البقرة ـ 232)، فالمرأة يجب على وليها أن لا يعضلها، والآية الكريمة نزلت في قصة معقل بن يسار عندما عضل أخته أن ترجع إلى زوجها بسبب سخطه عليه بتطليقه إياها، وعندما نزلت الآية الكريمة أذعن لأمر الله ولم يتردد في قبول هذا الأمر، وهكذا شأن المؤمن بالله واليوم الآخر.
فالعضل أساساً يتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر، والله سبحانه وتعالى وإن كان أنزل هذه الآية الكريمة في عضل الولي وليته عن أن ترجع إلى مطلقها إن طلقها وانتهت عدتها إلا أن الحكم ينطبق كذلك على من يعضل وليته عن الزواج ولو لم تتزوج من قبل، فإن تزويجه إياها حق واجب عليه، فالله تعالى يقول:(وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور ـ 32), هكذا يأمر الله سبحانه وتعالى بتزويج الأيامى من النساء المؤمنات، فلا يجوز لرجل أن يمنع أي امرأة يرجع إليه أمرها عن تزويجها سواءً تأيمت من زوج سابق أو أنها لم تتزوج من قبل.
والنبي ـ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلامـ يقول:(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
ولا ريب أن هؤلاء الناس الذين يسعون إلى عضل النساء عن الزواج إنما هم في الحقيقة يسعون إلى الإفساد في الأرض، لأنهم يدفعونهن إلى الفساد دفعا.
وماذا عسى أن تكون حالة الأب إذا جاءت ابنته وقد امتلأت أحشاؤها بجنين، وكيف يكون وجهه في مقابلة الناس.
وقد سمعت بالأمس أن رجلاً كان تخطب إليه ابنته وكان يشترط مبالغ كثيرة، أي يشترط صداقاً خارجاً عن حدود الاعتدال يكفي لأكثر من عشرٍ من النساء، ولما أدركت هي أنه سيصر على عضلها انتهزت الفرصة في وقت من الأوقات واتصلت بمن شاءت وأدى الأمر إلى أن حملت، فجاءت إليه وقالت: إن المبلغ الذي تريده موجود في هذا البطن. تشير إلى العار الذي لحقه بسبب ما فعلت، وهكذا نتيجة هذا التصرف الأحمق وهذا السلوك الأرعن الذي يسلكه أولياء لا هم لهم إلا إما في مضايقة النساء، وإما في أخذ ما يأتي من قبلهن من الراتب والاستحواذ على ذلك، وإما في مضاعفة الصداق لأجل أن يصلوا إلى مبتغاهم من الغنى من خلال تزويجهم لبناتهم.
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله، وعليهم أن يدركوا أن كل ما تفعله بناتهم من إثم ووزر فذلك مما يرجع عليهم، يرجع عليهم بالوزر لأنهم عرضوهن لارتكاب الفحشاء، ويرجع عليهم بالخزي والمهانة في الدنيا والآخرة، والله تعالى المستعان.