محمد أحمد بابا- مكة نيوز السعودية-
قال لي أحدهم إنه اطلع على سؤال في تطبيق ضمن أحد برامج التواصل الاجتماعي مفاده: ما الشيء الذي لو لم يكن حراماً لفعلته؟ فكانت أكثر إجابات الجنسين من الشباب في وطننا هو (الانتحار)، ورغم أن مثل هذه الاستفتاءات غير المعتمدة ربما لا يعوّل عليها بحثيا لكنها مؤشر تطرّقٍ لمن يحاولون الكتابة فيما أظنه مهما مثلي.
الأمر هذا استدعيته وأنا أقرأ خبرا في شريط لقناة فضائية أن وزارة الدفاع الروسية اعترفت بإقدام أحد طياريها الحربيين على الانتحار في قاعدة لها بسوريا هذه الأيام رغم حداثة التجربة الروسية في التدخلات العربية العسكرية، لكنه مصير النادم دوما.
وتذكرت تقريرا اطلعت عليه قبل سنوات عن الناحية النفسية للجنود الأمريكان الذين شاركوا في حرب العراق وعدد حالات الانتحار إبان الحرب أو بعد رجوع بعضهم لبلادهم وخضوع بعضهم لعلاجات ونحو ذلك في سياق استنطاق العقيدة العسكرية، فكل منتحرٍ بما فيه ينضح.
ورغم أن السعودية جاءت في المركز قبل الأخير عام 2014 في ترتيب ارتفاع معدلات حالات الانتحار في العالم العربي بنسبة 4،.
٪ لكل 100 ألف نسمة إلا أن ظاهرة مثل تمني الموت وتهديد ذاتية النفس بالتفكير في الانتحار حتى أصبحت صوتا مسموعا نوعا ما في مساحات البوح العنكبوتي تجعلني قلقا على ما كنا نعوِّل عليه بأن الوازع الديني في تحريم قتل الإنسان لنفسه سبب في انخفاض معدلات محاولات الانتحار على الأقل.
وحين نربط أجواء الحروب التي تعيشها المنطقة وكذلك سخونة الشعور باستصعاب المعيشة الاقتصادية والنبذ الاجتماعي وكثير من فوضى الإقصاءات نجد جنودنا البواسل البررة وهم على ثغور الوطن جنوبه وشماله وشرقه وغربه مثالا واضحا على أن العلاقة منفكة بين خشية الموت وصدق العقيدة العسكرية الوطنية الإيمانية في دفاع شريف وبذل جهد محمود إما نصر أو شهادة.
لكنّ تحايل العقل الباطن لمن أضله شيطان التكفير فزيّن له سوء عمله أن يلبس ما يقتله أولا ليقتل آمنين مسالمين أبرياء في بيوت الله خلط أوراق دراسة ظاهرة الانتحار عالميا فصمتت إلا بالاستنكار بينما نحن المسلمين نعرف بأن حَيْدتنا عن سماحة الإسلام زمنا بصلف تديّن غالٍ هو ما سوّق انتحار هؤلاء حين حصل بعضهم على مسوّغ تضليل أحلّ له ما حرّم له لتصدق أمنية في الاستفتاء آنف الذكر.
عندما تبعد الفجوة وتتسع بين الأجيال فكرا ومضمون معرفة تمتلئ تلك المساحة بمتناقضات الحق والباطل وتنشغل العقول والأفواه بتبادل اتهامات المسؤولية، وعندها سيشرّع للنفس هواها ويقضي للذات شيطانها.
ما جَعَلْنا النفسياتِ همَّنا مثلما دأب الروس والأمريكان في علاج جنودهم الذين خاضوا حروبا أغلبهم فاقد لقناعة ما يفعله فاتجهوا بهم وهم يلاحظون ذلك لسرعة تثقيف بالحياة وأنها ذات جمال من وجه آخر وأن الأمل خالد ولو ضاقت النفوس فنجحوا رغم بعض فشل، ونحن لدينا دين يحترم الحياة أولا.
نحتاج عقيدة اجتماعية للمدنيين يجدون فيها مسطرة ضوء متاح تبين الزيف من الواقع والدين من الضلال حتى تتساوى كفتا ميزان فاز برجحان أحدهما أشاوس قواتنا المسلحة وأبطال أمننا العام في عقيدة عسكرية مردها لا إله إلا الله محمد رسول الله.
من منطلق قول ربي (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) الذي جعل النفس عموم لفظ للذات والغير ربما نجد مدخلَ مضادٍّ حيوي فعال يجعل الحياة لمواطن مسلم يجاور الحرمين الشريفين رغبة إحياء لا ساحة تدمير بالتوازي مع استحقاق شهداء الوطن لأن يكونوا أحياء أحيوا نفوسا فكأنما أحيوا الناس جميعا.
فللوازع الديني عندما يصيبه اعوجاج تأثير سَلْبي بسبب انشقاق بيانٍ عن جادّة الرحمة الربانية وجب على النفسانيين والاجتماعيين النهوض بواجبهم لتأصيل عقيدة مدنية تعيد الأمور إلى نصابها.