جمال بنون- الخليج الجديد-
لن تصلح حال الاقتصاد السعودي ما لم تصلح سوق العمل، وتنظم، وترتب من الفوضى التي تعيشها، وما يترتب عليها من ظاهرة التستر التجاري، والسيطرة على السوق، والتحكم فيه، وإجبار العامل السعودي على الخروج منه، وممارسة مضايقات وتحييد ضده، وهو ما قد يسبب إلى أزمة واحتكار في سوق العمل.
تعالوا نتحدث بصراحة، ماذا يعني حينما تفتح محال تجارية، والسجل التجاري والرخصة من البلدية باسم سعودي، وتكتشف أن هذه المحال أصلا ليست لهذا السعودي، ويعمل فيها وافد من سنوات طويلة، ويفتتح من محل واحد إلى محال عدة بالاسم نفسه.. هل هذا يعطي مؤشرا صحيحا وواقعيا عن الاقتصاد السعودي؟ ومن ثم قس على ذلك معظم المحال الأخرى: بقالة، صالون حلاقة، مطابخ، مطاعم، محال سباكة وكهرباء، وفي مقدمها ورش السيارات، وغيرها من الأنشطة التجارية. بالتأكيد ليس صحيحا وليس مقياسا عن عافية الاقتصاد السعودي.
فالسيطرة الكاملة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في البلاد هي للوافدين، تملكا وإدارة وتشغيلا، وبنسبة 70 إلى 80% من الأنشطة التجارية، فبالله عليكم أيعقل أن يكون لبلد كامل السيطرة فيها للوافدين، من حيث سوق العمل، واحتكار المهن، والمحال التجارية، وليس لأبنائها سوى أسمائهم، وسجلاتهم، وإتاواتهم الشهرية الهزيلة؟
نعترف بأن هناك خطأ قد حصل من جهات حكومية، ونعلم أن الفأس قد وقعت على الرأس، ونعلم أن الكثير من المتنفذين استفادوا من هذه الفوضى والعشوائية في سوق العمل، منهم من باع تأشيرات، ومنهم من اغتنى وحقق دخلا عاليا من هذه المحال التجارية، وكل ما يقال عن المراقبة وضبط السوق، اكتشفنا أنه غير صحيح، فالعامل يحمل إقامة نظامية، ويعمل في جهة أخرى، وإذا كان مخالفا وغير صحيح، نرجو من وزارات الاقتصاد والتخطيط والعمل والتجارة أن تبين لنا بالأرقام إسهام المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي، وكم حجم الوظائف التي خلقتها هذه المحال والأنشطة التجارية. لا أستبعد أن تكون إسهاماتها لا تتجاوز 15 إلى 20% فقط، وإن كنت مخطئا فصححوا لي.
في بعض البلدان تصل إسهامات المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما بين 70 و90% من الناتج المحلي، سواء أكانت بلدانا متقدمة أم دولا نامية، ومع كل هذا لا يحرك هذا الوضع ساكنا.
قبل أسبوع نشرت الصحف مسحا ميدانيا أعده مركز smc للاستشارات والدراسات الإعلامية عن سوق المهن والحرف، التي يتعامل معها الناس مباشرة يوميا لقضاء حاجاتهم الضرورية في السعودية، وبحسب المسح تستحوذ 26 جنسية على سوق العمل والمهن، منها 9 جنسيات تستحوذ على 70% من سوق العمل والحرف والمهن التي ترتبط يوميا بحياة الناس، وهذه الوظائف والمهن الموجودة في القطاع الخاص، وهي الباكستان، اليمن، مصر، الهند، بنغلاديش، الأردن، فلسطين، السودان، وسورية، فيما تتقاسم الجنسيات الأخرى بقية المهن والحرف بنسب متفاوتة، وتم رصد أهم 90 خدمة يحتاج إليها الناس يوميا ويتعاملون مع أصحاب هذه المهن.
وكشف الرصد الميداني أبرز الجنسيات التي تسيطر على المهن والحرف في السعودية، وجاءت العمالة الباكستانية في المرتبة الأولى من حيث الاستحواذ، ويعمل عمالتها في 59 مهنة من سوق المهن الحرفية والمهنية، يليها اليمن بـ58، ثم مصر 53، ثم الهند 41، ثم بنغلاديش 32، ثم الأردن 30، ثم السودان 21، ثم فلسطين 18، وأخيرا سوريا بـ15 مهنة، وبين المسح الميداني أن العمالة السعودية جاءت في مرتبة متأخرة في ترتيب العمالة المهنية التي تعمل بشكل مباشر يوميا مع حاجات الناس، وذكر المسح الميداني أن أبرز المهن والوظائف هي: حلقات تحفيظ القرآن الكريم، خطباء المساجد، المؤذنين في المساجد، المصارف وفروعها، وظائف الواجهة الأمامية، تحميل المعلمات والطالبات، وخدمات توصيل المدارس، حافلات النقل الجماعي، حراج السيارات، الشاحنات الثقيلة، والحراسات الأمنية.
ووفق المسح المنشور، فإن الجنسية اليمنية هي التي تتحكم في سوق بيع التبغ والمدخنات والمعسلات والشيش، وتتحكم أيضا في سوق مطابخ المندي، وغيرها من أنواع طبخ الأرز التي يفضلها السعوديون، وتنفرد بالعمل وحدها في السوق، إلا أن العاملين فيها من اليمنيين الجنوبيين الذين يجيدون طبخ المندي، وتسيطر جنسيتا مصر والهند على سوق العمل في الصيدليات. وسجل قطاع صالونات التجميل النسائية دخول عشر جنسيات للعمل فيها. أما المطاعم المخصصة التي تبيع أطعمة بلدانها، أكثر قطاع لدخول جنسيات مختلفة للعمل فيها وسجل 11 جنسية، إذ سجل هذان القطاعان أكبر نسبة دخول لجنسيات متعددة، يليها أسواق بيع الجملة، وسجلت دخول ثماني جنسيات. فيما شهد قطاع تسويق السلع الاستهلاكية، وتحميل وتوصيل الطالبات والمعلمات ووكالات السفر والسياحة، دخول سبع جنسيات للعمل فيها.
ويوضح المسح الميداني السباق المحموم بين أربع جنسيات للاستحواذ على حصة كبيرة من سوق المهن والحرف في السعودية، وهي: باكستان، اليمن، مصر، الهند، وأظهر المسح أن مطاعم الأرز البخاري، لا يعمل فيها إلا البخاريون التركستانيون، الذين أشاعوا هذه المطاعم في السعودية، بينما يلاحظ أن الوجبات الشعبية التي يحبها السعوديون في الفطور مثل الكبدة والقلوب، يعمل فيها عمالة يمنية وبنغلاديشية، ولا يوجد مطعم يقدم أكلات سعودية يعمل فيه سعوديون إلا ما ندر، بل جميعهم من جنسيات مختلفة.
وبين المسح أن قطاع المؤذنين في المساجد هو أيضا قطاع مفتوح لجنسيات متعددة، ويضم تسع جنسيات بمن فيهم السعودي، وبين المسح الميداني أن أربع جنسيات تستحوذ على المطاعم المنتشرة على الطرق والخطوط الطويلة، وهي: اليمن، بنغلاديش، باكستان، ومصر، وسجلت 19 جنسية استحواذها لوظائف في 13 مهنة.
الآن، ما المطلوب، وقد انكشفت حال مؤسساتنا وسوق عملنا؟ هل نقف مكتوفي الأيدي نتفرج، ولاسيما أن الوضع الاقتصادي للبلاد يمر بأزمة في ظل تراجع دخل النفط وانخفاض سعره في الأسواق؟
وهو ما يعني ضرورة إعادة هيكلة سوق العمل والاقتصاد السعودي، يجب أن نواجهه بشجاعة وبحزم. هناك مقترحات يمكن أن تضع خريطة الاقتصاد وسوق العمل في طريقها الصحيح، إذ يسمح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي يملكها وافدون، بالعمل مباشرة ومن دون كفيل، وتفرض عليهم ضرائب ورسوم كما هو معمول في الكثير من الدول، وتطبق عليهم الأنظمة والقوانين المتبعة.
جميع المهنيين والحرفيين الذين يعملون في سوق العمل، يتم ضمهم في نقابة أو جمعية مهنية، وتلزم عليهم جميعا بحمل تصاريح وتراخيص المهن، يتم الاستفادة من المتقاعدين في محال البقالات، والتي لا تحتاج إلى جهد مضن، يلزم أصحاب المنشآت الصغيرة العمل فيها بأنفسهم ومشاركة أسرهم وأبنائهم وبناتهم في إدارة هذه الأنشطة، ووقف التأشيرات والاستقدام لهذه المحال ما لم يجلس فيها ويديرها بنفسه. في المقابل أيضا يجب على وزارة العمل أن تلغي نظام السعودة، وتترك باب العمل التجاري مفتوحا أمام المستثمر الأجنبي، أو صاحبه السعودي ويديره بنفسه، أما بهذه الطريقة فسوف يواجه سوق العمل مشكلة صعبة، وتقديم أرقام غير حقيقية عن الاقتصاد وإسهاماته في الناتج المحلي.