هل جرب أحد منكم أن يقتطف يوما من أيام العام الثلاثمائة وخمسة وستين ليجعله يوما مملوءا بالحب، الحب وحده ولا شيء غيره؟! أن تحب، فذلك يعني أن تتسامح تجاه كل ما يضايقك أو يؤلمك، وأن تنظر إلى الإساءات التي تصيبك بمنظار اللامبالاة، مهما بلغ أثر الألم الذي وقع في نفسك، وأن تبتسم في وجه كل أحد، بمن فيهم أولئك الذين أساءوا إليك.
هو مطلب في غاية العسر، لأنه ضد الطبيعة البشرية، الميالة إلى الانتقام ورد الإساءة بمثلها، أكثر من ميلها إلى الغفران والتجاهل. ولكن عندما تحب، يتغير الوضع، فالحب يحولك إلى طينة أخرى غير الطينة الأصلية المملوءة بالشرور والأذى.
قد تتورط في جدال مع زميلك، يتعصب فيه كل منكما لرأيه، وقد يحتد الجدل بينكما منذرا بتطورات لا تحمد عقباها، وفجأة تتذكر أنه اليوم الذي خصصته للحب، فتبادر إلى إنهاء الجدال بينكما بابتسامة، تشفعها بكلمة طيبة تجري إلى أذنه كالماء النمير.
وفي المساء ربما يأتي إليك جارك مرتبكا يخبرك عن خطأ بدر منه لايدري كيف يبرره، فيحمر وجهك غضبا، وتكاد قذائف اللوم القاسية تتفجر على لسانك، لكنك متى تذكرت أنه يوم الحب الذي ألزمت به نفسك، أمكنك أن تنتزع ابتسامة من قاع قلبك المضطرب بالسخط، فتغطي بها محياك وتبتلع لسانك بما فيه من ألفاظ الزجر والتوبيخ، ثم تلتفت إلى جارك تهون عليه، فتخبره أن وقوعه في الخطأ كان سلوكا بشريا طبيعيا لا ينجو منه أحد.
إن كل واحد منا في حاجة إلى أن يجعل بين أيام عامه الكثيرة، يوما واحدا للحب، يلزم نفسه خلاله أن تكون جميع ردود أفعاله تسامحا وسلاما، لا غضب ولا جدال ولا لوم ولا انتقاد، وإنما هو السلام والسكينة، مهما بلغت المضايقات التي يصطدم بها.
لو أن ذلك حدث، ترى كيف سيكون شعور كل منا عند المساء بعد أن تنتهي مدة الحظر المفروضة على الانفعالات السلبية؟ هل سنشعر براحة ورضا، أننا تجاوزنا عن الإساءات، وتسامحنا مع كل أحد، أم أننا سنتنفس الصعداء ونشعر بالارتياح أن هذا اليوم قد انتهى بعد أن حبستنا قيوده عن ممارسة طبيعتنا البشرية التي فطرنا الله عليها بما فيها من خير وشر؟ لعل كلا منا يجد راحته الخاصة به في نهاية اليوم، ولكن أيا كان نوع الراحة التي نحسها، ألا ترونها تجربة تستحق أن تخاض؟ إنها تجربة سيكون لها مذاق غريب، لن يعرفه سوى الذين يعيشون التجربة إلى نهاية اليوم.
جعل الله أيامكم كلها مملوءة بالحب والخير.
عزيزة المانع- عكاظ السعودية-