القدس العربي-
هدد تركي آل الشيخ، المستشار الملكي السعودي، ورئيس الهيئة العامة للرياضة في بلاده بمقاضاة شركة «بي إن سبورت» القطرية المسؤولة عن بث مباريات المونديال في العالم العربي بسبب ما سماه «أفعالها السيئة ضد المملكة ورياضاتها ومسؤوليها، ولاستغلالها الرياضة لتسديد أهداف سياسية».
جاء التهديد بعد مزاعم عن عرض بعض المعلقين الرياضيين آراء سياسية خلال بث المباريات، من قبيل أن معلقا اتهم السعودية ببيع القضية الفلسطينية، وأن معلقا آخر مازح المشاهدين، بعد النتائج المخيبة للمنتخب السعودي في مباراة الافتتاح ضد روسيا، بالقول إن مسؤولي الرياضة السعوديين يمكن أن «يزوروا فندق الريتز كارلتون»، وهو الفندق الذي اشتهر باعتقال عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بدعوى الفساد.
يثير الأسف، بداية، أن تتعرّض فرق عربية مشاركة في المونديال، بما فيها السعودية، لهزائم، فرغم المرارات السياسية الهائلة التي تفرّق بين البلدان العربية (وبين شعوب الدول وحكامها)، فإن من الطبيعي أن يتحمّس العرب، على اختلاف مشاربهم، لفرق عربية ضد فرق غير عربية (الجمهور السوري، من الموالين والمعارضين، كان متعاطفا مع المنتخب المغربي وضد المنتخب الإيراني).
غير أن ردّ فعل تركي آل الشيخ، من جهة أخرى، مردود عليه، فهو، من دون منازع، أكثر شخصية عربية انتهكت أي حياد ممكن في الرياضة، وهو يجسّد في تاريخه الشخصي معاني هذا الخرق، فهو لم بأت إلى منصبه هذا من باب السياسة وحسب، بل كذلك من باب الأمن فهو خريج كلية فهد الأمنية التي كانت بطاقته لدخول المناصب السياسية.
ويؤكد ذلك مسلسل أفعاله المثيرة للجدل طويل جداً، ابتداء من تصريحاته السياسية الفالتة من عقالها، إلى تدخلاته المباشرة في شؤون الرياضة العربية لأهداف سياسية، كما حصل في النادي الأهلي المصري، والمنتخب الفلسطيني، ووصولاً إلى موقفه المسيء حقاً للرياضة والسياسة (والعروبة الخ…) معاً بانحيازه المعلن لملف استضافة الولايات المتحدة الأمريكية لمونديال 2026 وتحريضه الصريح ضد ملف استضافة المغرب المنافس لها.
مفـروغ منه أن الشعوب العربية، كغيرها من أمم العالم، ترغب حقاً في الاستمتاع بألعاب المونديال، وتتمنى أن يكون الفوز للعب الجيد والنظيف (والعادل)، وأن تترك همـومها لمدة 90 دقيقة (فترة مباراة كرة القدم الواحدة)، ولثـلاثين يومـا (مـدة المونديال) خـارج البـاب، وأن تشارك بأشواقها في كرنفـال المشاعـر العالمي هـذا من دون تحفظ.
لكن يبدو أنه حتى هذه الأمنية البسيطة، للأسف، غير ممكنة لملايين من العرب، الذين أمسكت مخالب السياسيين بخناقهم، ويدخل في هؤلاء جموع الهاربين من النازحين واللاجئين من أهوال الحرب في سوريا واليمن وليبيا، وأمثالهم من بلدان عربية أصبحت، بفضل حكامها الفاسدين، دولا فاشلة، فملأوا قوارب الهجرة إلى أوروبا والغرب.
مثال آخر على استخدام الرياضة كفعل انتقامي، ما فعلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي منعت الأسرى الفلسطينيين من متابعة المونديال في السجون.
يثبت استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أساليب تهديد مكشوفة لبلدان العالم التي لا تصوّت لملفّ بلاده لاستضافة المونديال خواء دعوى فصل السياسة عن الرياضة.
لكنّه لا يبرّر أبداً العداء المكشوف الذي أبدته السلطات الرياضية السعودية، تحت قيادة آل الشيخ، للمغرب، ولا يفعل تهديد آل الشيخ للشركة القطرية، لأن بعض معلقيها أشاروا إليه، غير أن يجعل ادعاء حياد الرياضة برمّته مسخرة تثير الضحك.