الخليج أونلاين-
لم تعد الجماهير الرياضية السعودية تحتمل استمرار السياسة الحالية التي ينتهجها رئيس الهيئة العامة للرياضة في البلاد، تركي آل الشيخ، منذ توليه منصبه قبل عام، في ظل القرارات "غير المدروسة" التي يتخذها، وما ينتج عنها من أزمات واحتجاجات وتنامٍ لظاهرة "التعصب الرياضي"، وفق مراقبين.
ومنذ وصوله إلى كرسي "أرفع جهة مسؤولة عن الرياضة السعودية"، أحدث "آل الشيخ" ضجّة هائلة بالأوساط الرياضية في بلاده؛ بسبب سلسلة القرارات التي اتّخذها، إذ وُصف بأنه يهدف إلى "استعراض عضلاته" و"إثبات ذاته"، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك بوصفه بأنه "يُعاني جنون العظمة".
تحكم المسؤول السعودي، الذي يتقلد أكثر من منصب رياضي على مختلف المستويات المحلية والعربية والإسلامية، أثار حنق وغضب الجماهير على مختلف أطيافها، وجاء في مقدمتهم أنصار أكبر نادٍ بالمملكة، وهنا يدور الحديث حول نادي الهلال السعودي.
ورفع هؤلاء مطلباً واضحاً لا لبس فيه، ملخصه ضرورة إبعاد آل الشيخ عن المشهد الرياضي السعودي، لتطرح تساؤلات على نطاق واسع مفادها: "هل اقتربت لحظة التضحية بالمسؤول الأول عن الرياضة السعودية من أجل تهدئة غليان الشارع الرياضي، أم أن نفوذ آل الشيخ يحميه من مقصلة الإبعاد والإعفاء؟".
- حرب مع جماهير الهلال
"آل الشيخ"، المتهم من قبل الجماهير المحلية بانحيازه إلى نادي النصر، فاجأ الوسط الرياضي السعودي، في 13 سبتمبر 2018، بقرار لم يكن يخطر على بال أحد؛ إذ أعفى سامي الجابر من رئاسة نادي الهلال، وعيّنه مستشاراً للهيئة العامة للرياضة، ومسؤولاً عن العلاقات الدولية فيما بدا كأنه "ترضية"، في حين عيّن الأمير محمد بن فيصل رئيساً جديداً لـ "الزعيم".
الجماهير الهلالية لم تستوعب ما قام به المسؤول الأول عن الرياضة السعودية؛ لأن قرار الإعفاء جاء بعد أربعة أشهر فقط من تعيين "الجابر" رئيساً، فضلاً عن النجاحات الباهرة التي قام بها الأخير على صعيد تعزيز صفوف الفريق الأول بلاعبين من العيار الثقيل.
وأبرم "هلال الجابر" صفقات مدوية هزت سوق الانتقالات بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ وذلك بعد انتداب المهاجم الفرنسي المخضرم بافيتيمبي غوميز، وصانع الألعاب الإماراتي عمر عبد الرحمن (عموري)، والمدافع الإسباني ألبيرتو بوتيا، والجناح البيروفي أندريه كاريلو، فضلاً عن التعاقد مع المدرب البرتغالي الشهير جورجي جيسوس الذي صال وجال في ملاعب القارة الأوروبية "العجوز".
- اعتراض "الموج الأزرق"
جماهير الهلال لم تستسلم ورفضت رفع الراية البيضاء، إذ احتجت على قرار "آل الشيخ" على طريقتها الخاصة؛ بترديد اسم الجابر في الدقيقة التاسعة من مباراة فريقها أمام الرائد في ثاني جولات الدوري السعودي لكرة القدم (15 سبتمبر 2018).
وجاءت خطوة "الهلاليين" عرفاناً ووفاءً لما قام به النجم السعودي الأسبق خلال رئاسته لـ"الزعيم" من جهة، واعتراضاً وغضباً على قرار إبعاده وتنحيته من جهة أخرى.
ولم يكد أنصار فريق "الموج الأزرق"، كما يحلو لعشاقه تسميته، يستفيقون من قرار إعفاء الجابر حتى أشعل تركي آل الشيخ المشهد مجدداً؛ بتعاقد نادي "بيراميدز" المصري، المملوك له، مع المهاجم السوري عمر خربين بداية من الميركاتو الشتوي المقبل على سبيل الإعارة مع خيار الشراء في نهاية هذا الموسم.
ويُعد "خربين" أحد أبرز مهاجمي الدوري السعودي، كما تُوّج بجائزة أفضل لاعب في القارة الآسيوية لعام 2017 متفوقاً على الإماراتي "عموري"؛ بعدما قاد الهلال لنهائي مسابقة دوري أبطال آسيا، التي تربع على عرش هدّافيها برصيد 10 أهداف.
- "تويتر" ينفجر غضباً
وبدا لافتاً على مدار الأيام القليلة الماضية، انتشار عدة وسوم على موقع التغريدات القصيرة "تويتر" تُطالب بضرورة إبعاد تركي آل الشيخ عن المشهد الرياضي السعودي، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل في ظل قيام "أرفع مسؤول رياضي سعودي" بدور "الآمر الناهي"، ما خوله اتخاذ القرارات دون حسيب أو رقيب، كما يقول ناشطون.
وكان الملك سلمان بن عبد العزيز قد عين آل الشيخ رئيساً لهيئة الرياضة السعودية في 6 سبتمبر 2017، خلفاً لمواطنه محمد آل الشيخ، في مفاجأة "مدوّية" أتت بعد يوم واحد من تأهّل المنتخب السعودي إلى مونديال روسيا.
وأبان السعوديون عبر وسم "#اوصف_رياضتنا_بكلمتين"، الذي جاء في قائمة الأكثر تداولاً بموقع التغريدات القصيرة في المملكة، عن انزعاجهم الشديد من الحال الذي وصلت إليه مختلف الألعاب والرياضات في عهد آل الشيخ، الذي يعمل أيضاً مستشاراً في الديوان الملكي السعودي.
وأبدى هؤلاء ضيقهم وتذمّرهم بشكل يفوق الوصف بسبب تدخّله في كل شاردة وواردة تتعلّق بالرياضة السعودية؛ من خلال قرارات وإعفاءات باتت تصدر بشكل شبه يومي، وتوصف بأنها "عبثية" و"غير مدروسة".
كما وصف السعوديون الذين شاركوا بكثافة عبر الوسم حال الرياضة السعودية بـ "المؤسف" و"المزري" و"التعيس"، وحمّلوا آل الشيخ مسؤولية ما وصلت إليه من انحدار وإسفاف وإهدار طائل للأموال على الصفقات الجديدة التي أبرمتها الأندية في سوق الانتقالات الصيفية المنصرمة.
وطالب هؤلاء بضرورة إقالة المسؤول السعودي المثير للجدل من منصبه قبل فوات الأوان، في ظل التراجع المخيف لرياضة المملكة، وتنامي "التعصّب" الجماهيري، واتخاذه سلسلة قرارات "أضرّت" بالمناخ الرياضي.
وبعد يومين، عادت الجماهير السعودية لترفع صوتها وبنبرة أعلى، من خلال وسم حمل عنوان "#إبعاد_آل_الشيخ_ياولي_العهد"، وحظي بتفاعل هائل، وتم عمل أكثر من نسخة بسبب حجم المشاركة الكبيرة.
وطالب هؤلاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتدخل الفوري لإبعاد آل الشيخ، وطرده من جميع المناصب التي يتولاها؛ وهي: مستشار في الديوان الملكي بمرتبة وزير، ورئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، ورئيس اللجنة الأولمبية السعودية، ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، ورئيس الاتحاد الرياضي لألعاب التضامن الإسلامي.
- فشل ذريع
آل الشيخ لم يكن له أي دور في تأهل السعودية لمونديال روسيا؛ لأن تعيينه جاء في اليوم الموالي لتأهل "الأخضر"؛ لكنه لم يستغل ذلك، بل وقَّع على فشل ذريع بعد خروج المنتخب الأول من دور المجموعات بخسارتين وفوز "هامشي" على حساب المصريين بعد تأكد الإقصاء.
وتلقت السعودية هزيمة مذلة في افتتاح النسخة المونديالية الأخيرة بخماسية نظيفة على يد "الدب الروسي" على مرأى ومسمع محمد بن سلمان، ثم تلتها خسارة ثانية أمام الأوروغواي، ليجمع المنتخب الخليجي حقائبه إلى الرياض مبكراً.
ويتهم ناشطون آل الشيخ بأنه السبب الأول في الخروج المونديالي المبكر؛ إذ لم يوفق في اختيارات الجهاز الفني؛ فبعد إقالته الهولندي بيرت فان مارفيك الذي أوصل "الأخضر" لكأس العالم، تعاقد مع الأرجنتيني إدغاردو باوزا، ليقيله بعد شهرين فقط، ويعين مواطنه خوان أنطونيو بيتزي.
كذلك اتخذ قراراً غير مدروس أثر بشكل سلبي على الكرة السعودية ومنتخبها الأول؛ إذ أرسل كبار نجوم الدوري السعودي إلى إسبانيا من أجل اللعب مع أندية متوسطة في الدرجتين الأولى والثانية لكنهم لم يشاركوا سوى دقائق معدودة ما أفقدهم النسق وأبعدهم عن "المستطيل الأخضر" وحساسيته.
ولكونه يتمتع بصلاحيات مطلقة، حوّل آل الشيخ جميع الأندية السعودية إلى "نادٍ واحد برئاسته" كما يقول سعوديون؛ حيث دونت تلك الأندية في جميع بياناتها على جملة "بتدخل كريم من المستشار... نُعلن عن إتمام صفقة..."، فيما بدا مشهداً مألوفاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
- أزمات أشعلها مع دول عربية
ويتهم تركي آل الشيخ بأنه يحاول دائماً فرض هيمنته وسيطرته على المشهد الرياضي في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، معولاً على حجم الأموال التي يحتكم عليها.
وثارت الجماهير المصرية غضباً من "آل الشيخ" بعدما اشترى نادياً مغموراً يُدعى "الأسيوطي سبورت" وغير اسمه إلى "بيراميدز"، وعزز صفوفه بلاعبين محليين وأجانب مقابل مبالغ مالية طائلة، فضلاً عن إطلاقه قناة رياضية تضم أبرز وجوه الإعلام الرياضي في مصر في مسعى حثيث لبسط نفوذه كاملاً على الكرة المصرية.
ولم تكن مصر الدولة الوحيدة؛ إذ ثارت جماهير قطر والكويت والمغرب وتونس غضباً وأظهرت استياءً عارماً بسبب تصريحاته المثيرة للجدل والتي خرجت عن طورها الدبلوماسي حين وصف وزير الشباب الكويتي خالد الروضان بـ "المرتزق".
كما دأب على وصف قطر التي أصبحت أول دولة "خليجية" و"عربية" و"شرق أوسطية" تستضيف نهائيات كأس العالم بـ "الدويلة"، على حد تعبيره، كما وصف المغرب بأنها "قبلة للباحثين عن المتعة الجنسية"، علاوة على تصويته لصالح الملف الأمريكي الثلاثي المشترك على حساب الرباط فيما يتعلق بتنظيم مونديال عام 2026، في سابقة هي الأولى من نوعها بين الدول العربية.