سلمى حداد - الخليج أونلاين-
عاد "برج جدة" المتوقع أن يكون أعلى ناطحة سحاب في العالم إلى الواجهة بعد أنباء جديدة عن قرب استئناف أعمال البناء فيه إثر تعطلها لأكثر من عامين لأسباب تتعلق بجائحة كورونا وأزمات مرت بها شركة المقاولات المنفذة للمشروع الذي كان من المفترض تسليمه عام 2020.
وكشف الأمير السعودي الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة "المملكة القابضة"، أكبر مالك بالمشروع، خلال مقطع فيديو متداول عن آخر التطورات والمستجدات الخاصة بـ"برج جدة"، المتوقع أن يكون الأطول في العالم.
وجاء ذلك في مقطع فيديو نشره، في 20 أغسطس 2022، مدون سعودي، سأل "بن طلال" حول أطول برج في العالم بمدينة جدة، ليرد قائلاً: "قريباً سيتم الانتهاء من برج جدة الأطول في العالم".
المشروع.. تسلسل زمني
و"برج جدة" من المتوقع أن يكون أطول ناطحة سحاب في العالم بطول 1000 متر، وبذلك يتجاوز برج خليفة في دبي الذي يرتفع إلى نحو 830 متراً.
وبدأ العمل في بناء ناطحة سحاب برج جدة في العام 2013، وتقدر تكلفة إنشائه بنحو مليارَي دولار.
ومن أبرز المساهمين فيه والشركة المسؤولة عن بناء البرج هي "المملكة القابضة" برئاسة الأمير الوليد بن طلال.
وفي أغسطس من عام 2011، تم اختيار مجموعة "بن لادن" كمقاول البناء الرئيسي، وتم توقيع عقد مع الشركة بقيمة 1.23 مليار دولار أمريكي.
وبعد مرور عام، تم تكليف شركة (Landtech Designs) الأمريكية بأعمال تنسيق الحدائق للبرج، بنظام ري بمساحة 8.5 فدان، وفقاً للتقنيات الحديثة المستدامة في البرج.
في 1 أبريل 2014، تم الانتهاء من بناء الأساسات، وفي ديسمبر 2014، بدأت أعمال البناء في الطوابق الأرضية.
وفي أكتوبر 2017 تم الانتهاء من بناء 60 طابقاً، وبلغ ارتفاع جدران البرج 248 متراً، وبحلول نهاية العام وصل ارتفاع البناء إلى 252 متراً.
توقف البرج و"أزمة بن لادن"
ولكن تلقى المشروع ضربة قاصمة يعتقد أنها أحد أبرز أسباب تعطيل تسلميه بموعده المقرر بالعام 2020، ففي نهاية العام 2017، ألقي القبض على رئيس مجلس إدارة شركة "المملكة القابضة" التي تمتلك 33% من أسهم البرج، الوليد بن طلال، وكذلك رئيس مجموعة "بن لادن" المقاول الرئيسي بالمشروع والتي تمتلك 17% من أسهمه.
وكان ذلك خلال حملة عرفت باسم "التطهير ومكافحة الفساد" التي باشرتها السلطات السعودية وأحدثت أزمة كبيرة آنذاك، إلا أنها انتهت بعد أشهر بإطلاق سراح غالبية رجال الأعمال المعتقلين ضمن تسويات منفصلة.
وفي تصريحات سابقة، قال بن طلال إن سبب توقف برج جدة وعدم تسلميه بموعده المتوقع في 2020، يرجع إلى أزمة مر بها المقاول (شركة بن لادن) إضافة لجائحة كورونا التي ضربت العالم في نهاية العام 2019 واستمرت على مدار عامين.
وتعرضت "بن لادن" لارتباك وديون عقب حادث سقوط رافعة في الحرم المكي كانت تشرف عليها هي عام 2015، ما أسفر عن مقتل 107 أشخاص، كما أنها تعرضت لضغوط حكومية انتهت بحصول الدولة على 36% من الشركة.
وأمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حينها، بإيقاف تصنيف "مجموعة بن لادن" إحدى أكبر شركات المقاولات في المملكة، ومنعها من الدخول بمشاريع حكومية جديدة على إثر حادثة الرافعة.
وعلى أثر هذا الحادث أيضاً أخّرت الحكومة السعودية سداد مستحقات عليها للشركة بنحو 30 مليار دولار، وهو ما أدى لتدهور الأوضاع المالية للمجموعة وجعلها عاجزة عن دفع مستحقات عشرات الآلاف من العمال.
إلا أن مرسوماً ملكياً آخر صدر في مايو 2016، تضمن إعادة تصنيف الشركة، وعودتها إلى العمل في المشروعات، ورفع حظر سفر رؤساء وأعضاء مجلس إدارة المجموعة، لتكون بداية لحل أزمة الشركة.
وعندما وقع حادث الرافعة كانت مجموعة "بن لادن" تتولى تنفيذ 93 مشروعاً بينها برج جدة، وتوقفت عن العمل في أغلب هذه المشروعات، بحسب تقارير صحفية سعودية.
أهمية البرج
ويتميز برج جدة الجديد بموقعه شمال جدة على البحر الأحمر، وهو مبني بشكل مثلث، ومنحدر من الخارج، من أجل مقاومة الرياح، ولكي يكون معزولاً عن صخب المدينة من جهة أخرى.
ومن المقرر أن يتضمن برج جدة أعلى سطح مراقبة في العالم، على ارتفاع 664 متراً فوق سطح الأرض.
كما سيتضمن البرج مرافق وخدمات أخرى، مثل فندق "فور سيزنز" من فئة خمسة نجوم، و97 شقة فندقية، ومكاتب عمل تمتد على سبعة طوابق، و325 شقة سكنية.
وسيصبح البرج عند إتمامه "جوهرة" مشروع مدينة جدة الاقتصادية، الذي هو مشروع تجاري وسكني، تبلغ مساحته 57 مليون قدم مربعة، ويضم منازل وفنادق ومكاتب، بالإضافة إلى عدة مناطق جذب سياحية.
وفي تصريحات سابقة، قال هشام جمعة، رئيس التطوير في شركة جدة الاقتصادية (التابعة لشركة المملكة القابضة) التي تعمل على مشروع مدينة جدة الاقتصادية، إن "برج جدة سيساهم في تطوير دور المدينة".
وتابع: "نحن نخلق مدينة مستقلة، حتى لا يضطر أحد إلى مغادرتها. وهذا يغير طريقة التفكير بجدة، حيث سيُعاد ترتيب موقع جدة في ساحة المدن الدولية الحديثة. كان العالم يتحدث عن داون تاون دبي، واليوم سيكون هناك داون تاون جدة".
وكان منيب حمّود، الرئيس التنفيذي لشركة جدة الاقتصادية، قد قال في تصريحات سابقة لقناة "سي إن إن" الأمريكية: إن "المصريين بنوا الأهرامات، وفي فرنسا خلال القرون الوسطى بنوا كل هذه الكاتدرائيات والكنائس الضخمة، وفي العصر الحديث بنيت نيويورك وشيكاغو. هذا كله رمز للقوة والإبداع".
وأضاف حمود: "كما هو الحال في كل مدينة، بعد المال والسلطة، تريد النفوذ، وبعد النفوذ، تريد تأسيس شيء تتركه للعالم. ومدينة جدة ستتميز ببرج ستتحدث عنه أجيال كثيرة قادمة في المستقبل".
وحول أهمية برج جدة في منح التميز للمدينة والمملكة بشكل عام، يقول المحلل الاقتصادي منير سيف الدين: إن "السعودية تسعى لأن تكون بوابة للسياحة والاستثمار وريادة الأعمال بالمنطقة والعالم".
وأضاف سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "برج جدة وغيرها من المشروعات الاقتصادية والسياحية العملاقة في المدينة الساحلية التي توصف بأنها عروس البحر الأحمر، جزء من تحقيق رؤية السعودية بالنفوذ الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وهو بلا شك يأتي في إطار المنافسة مع مدينة دبي الإماراتية".
وأوضح أن مدينة دبي "تتبوأ حالياً مكانة عالية دولياً وإقليمياً في جذب الاستثمارات والسياحة وريادة الأعمال، والسعودية تريد أن تحصل على حصة هي الأخرى من هذه المكانة؛ لذلك كثفت من مشاريعها واستثماراتها في جدة والعاصمة الرياض إضافة إلى مشروعاتها العملاقة في مدينة نيوم".
وأشار سيف الدين إلى أن الأمر لن يقتصر على برج جدة "فالمملكة تخطط كذلك لبناء أبراج عملاقة أخرى في نيوم، لجذب الاستثمارات وتحويل المملكة لمركز دولي للاستثمار والأعمال".
وفي العام 2017، أعلن عن تدشين مدينة "نيوم"، وهي ضمن خطة ولي العهد السعودي لتحويل منطقة نائية من البلاد إلى منطقة ذات تقنية عالية وشبه ذاتية التحكم لتغيير الحياة السكنية الاعتيادية.