شربل كريّم-
قد يبدو الرقم الذي قيل إن قطر تكبّدته لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022، ضخماً جداً، بعدما تحدثت التقارير عن أكثر من 200 مليار دولار تمّ صرفها لاحتضان التظاهرة الرياضية الأهم في العالم. لكن هذا الرقم بالتحديد سيعود بمردودٍ استثنائي على الإمارة الخليجية في الفترة الحالية ومستقبلاً، وهي الساعية للعب الأدوار الأولى المختلفة على الصعيدين العربي والإقليمي.
أهمية استضافة قطر للمونديال لا ترتبط بمسألة إصرارها الدائم على تقديم نفسها كواجهة رياضية عالمية إن كان إعلامياً أو من خلال اتحاداتها النشيطة والمقتدرة في آنٍ معاً ما يسمح لها بتحقيق «أحلامها»، لكن الأهمية تأتي هنا من خلال وقوف قطر كزعيمةٍ للبلدان المحيطة بها، إذ إنها ستدخل التاريخ كأصغر دولة وأوّل دولة عربية وخليجية تستضيف أكبر حدثٍ كروي.
نظرة قطر تصبو إلى أبعد من حدثٍ رياضي، إذ إن كأس العالم ستترك إرثاً سيتظهّر سياحياً في المستقبل انطلاقاً من أن البطولة ستشكّل مساحةً لتعريف العالم على الأماكن الجذابة التي ستثير اهتمام السياح الذين سيتقاطرون لاحقاً لزيارتها والتعرّف عليها.
مردود سياحي واسع
لكن المردود السياحي سيطفو في شهر المونديال لا على قطر فقط إنما على دول الجوار أيضاً، والتي ستجني أموالاً طائلة من قطاعات الضيافة والأطعمة والمشروبات والسلع الرياضية والأزياء حيث تشير التوقعات إلى أن حجم إنفاق مشجعي كرة القدم والسياح خلال فترة كأس العالم ستقارب الـ 4 مليارات دولار من خلال هذه القطاعات الرئيسية.
وبحسب دراسات مالية مرتبطة بحجم المردود المونديالي ستحصل قطر على نصيب الأسد بحوالى 85 في المئة من حصة الإيرادات المتوقعة من الإنفاق المرتبط بكأس العالم، تليها الإمارات، وتحديداً إمارة دبي، التي تؤمن سوقاً جذاباً للقادمين من خلال تسييرها رحلات يومية ذهاباً وإياباً بأعدادٍ كبيرة إلى الدوحة، وبالتالي فإن المقيم فيها لأنه لم يجد فندقاً في العاصمة القطرية سيصرف مالاً ليس بالقليل. أما الإيرادات المتبقية فستتقاسمها دول مجاورة أخرى مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت بحيث سيتم تشغيل العديد من الحافلات لنقل القادمين إلى المونديال ومنهم من سيُقيم بالفعل في البلدان المذكورة.
إذاً هو استثمار للمستقبل يترافق مع تحديث وإنشاء بنية تحتية كجزء من «برنامج رؤية الأمة 2030»، ونقطة انطلاقه ستكون كأس العالم للدفع نحو نمو السياحة في قطر بحيث أن 50 في المئة من السياح الأجانب القادمين إلى البلاد هذه السنة سيتواجدون فيها خلال الفترة المونديالية الممتدة من تشرين الثاني إلى كانون الأول. أما هدف هذه الخطة القطرية الوطنية فهي دعم السياحة لمساعدتها للوصول إلى مستوى مكاسب يبلغ حوالى 35 مليار دولار بحلول عام 2030.
خطةٌ سياحية بالإمكان الوصول إلى نتائجها من خلال المناسبة الأفضل للتسويق العالمي بأسرع صورة ممكنة، إذ من المتوقع أن يرتبط أكثر من 70 في المئة من سكان العالم بشكلٍ أو بآخر بمباريات مونديال 2022 ، وهو ما يزيد كثيراً عن نسبة الـ 50 في المئة التي عرفتها مباريات النسخة الماضية التي احتضنتها روسيا في عام 2018.
أضف أنها المرة الأولى التي سيُقام فيها الحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما سيجعل من كأس العالم في قطر حدثاً فريداً من نوعه ومثيراً للاهتمام وللحشرية بالنسبة إلى سكان العالم، وسيسمح للقيّمين باستعراض أهم معالم البلاد بسهولةٍ على اعتبار أن المباريات الـ 64 ستقام في نطاق منطقة جغرافية صغيرة.
المونديال باب للنمو
هذا وفي ظل توقعات تشير إلى إمكانية ارتفاع المردود المونديالي العام من القطاعات المختلفة إلى 9 مليارات دولار، فقد توقعت السلطات القطرية مساهمة في الاقتصاد الوطني بحوالى 20 مليار دولار، وذلك بعدما خلقت البطولة 1.5 مليون فرصة عمل جديدة في البناء والعقارات والضيافة، التي فتحت الباب على وظائف خدماتية لمواكبة متطلبات السائحين الوافدين بأعدادٍ ضخمة إلى بلاد لا يتجاوز عدد سكانها 2.931 مليون نسمة بحسب تقرير البنك الدولي للعام الماضي، وهو ما سمح بتمدّد فرص العمل عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا أيضاً بالنظر إلى الحاجة للقوة العاملة غير المتوفرة في الإمارة الصغيرة بحكم عدد سكانها الصغير مقارنةً بما تحتاجه استضافة المونديال.
أما اللافت أكثر فكانت توقعات صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى نمو في الاقتصاد القطري بنسبة 3.4 في المئة بفضل كأس العالم ولو أنه سيتباطأ بعد ذلك إلى 1.7 في المئة بحلول عام 2024، وهو رقم ليس نهائياً طبعاً بل يخضع إلى متغيّرات أممية، فالحرب الروسية - الأوكرانية مثلاً جعلت قطر مورداً مفضلاً للغاز الطبيعي الذي سيعزز الناتج المحلي الإجمالي لها بنسبة 3.8 في المئة حتى عام 2027.
ببساطة هو سحر كأس العالم الذي لا يأسر محبي المستديرة لشهرٍ مليءٍ بالأحلام والمشاهد التي لا تنسى، إنما يرفع مستوى البلدان عامةً فيخلّدها في التاريخ كمنظِّمة ومشارِكة وفائزة كروياً ومالياً حتى إشعارٍ آخر.