محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
باستمرار تتأثر دولة الكويت بالعواصف الترابية القادمة من العراق، حيث تتسبب في إغلاق الموانئ، وتوقف حركة الملاحة الدولية، وهو ما يترك خسائر مادية كبيرة على تلك القطاعات، إضافة إلى تأثيرات ذلك على الصحة العامة للسكان والبيئة.
وتحمل تلك العواصف الترابية كميات كبيرة من الرمال والأتربة من الأراضي الجرداء والقاحلة، وتنقلها على مسافات تتراوح بين مئات وآلاف الكيلومترات، وتصل من العراق إلى الكويت عند هبوب العواصف القوية.
وتشهد الكويت ودول الخليج زيادة كبيرة منذ سنوات في عدد العواصف الترابية وقوتها، مع استحضار أن الصيف الماضي كان الأعنف والأكثر عدداً قياساً بالسنوات السابقة.
وكانت آخر عاصفة ترابية تعرضت لها الكويت بعد وصولها من العراق، في مايو الماضي، حيث أعلنت الحكومة الكويتية إيقاف حركة الملاحة البحرية مؤقتاً في 3 موانئ، بسبب العاصفة الترابية القادمة من العراق.
وحينها أغلقت المطارات والإدارات العامة، وعلقت الامتحانات في الجامعات والمدارس، ودخل نحو ألفي شخص المستشفيات، بسبب عاصفة ترابية ضربت العراق بعد سلسلة من العواصف المماثلة التي ترزح تحت وطأتها البلاد منذ نحو شهر.
وتحدث العواصف الرملية والترابية عندما يتسبب الهواء الشديد السخونة فوق الصحراء في جعل الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي غير مستقرة، مما يؤدي إلى هبوب رياح شديدة تثير كميات هائلة من الرمل غير المتماسك وإلى نقله لمسافات تبلغ مئات، وأحياناً آلاف، الأميال.
حلول جديدة
وفي ظل هذه التطورات بدأت الكويت في وضع الحلول للحد من تأثير العواصف الترابية الزاحفة نحو أراضيها من طرف العراق، وذلك من خلال توقيع معهد الكويت للأبحاث العلمية مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "موئل"، اتفاقية تمويل ثانية بقيمة 4 ملايين دينار (13 مليون دولار)؛ لمنع العواصف الترابية الزاحفة نحو الكويت من العراق.
وتشمل الاتفاقية التي وُقعت يوم (19 يناير 2023)، زراعة أشجار فطریة مقاومة للجفاف تعمل كمصدات للریاح وتساعد في تثبیت التربة.
وسيعمل المشروع على تصميم بنية تحتية مبتكرة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من العواصف الرملية والترابية بشكل مستدام والتخفيف من آثارها الضارة عبر عدة طرق، منها التثبيت بالنباتات الفطرية والأشجار، واستعمال الآليات الثقيلة كالحفارات وقلابات التربة لوضع طبقة طينية ثقيلة وتماسك الطبقة الطينية عند سقوط الأمطار لإعطاء فرصة لنمو النبات الطبيعي.
وأكد القائم بأعمال المدير العام للمعهد مانع السديراوي، أن المشروع سينفَّذ في منطقتين جنوبي الأراضي العراقية، مساحتهما 8212 كيلومتراً مربعاً باعتبارهما مصدرين رئيسين للعواصف الترابية.
وبيّن السديراوي وفق ما أوردته وكالة الأنباء الكويتية، أن المنطقتين جرى تحديدهما بعد دراسات علمية نفذها معهد الأبحاث، ونُشرت في مجلات علمية مرموقة، حيث حددت من خلالها مواقع وعدد العواصف الترابية التي تصل إلى الكويت منذ عام 2020 حتى نهاية 2022.
وأوضح أن المشروع يهدف إلى معرفة مسببات تكوّن العواصف الرملية والترابية من النواحي المناخية والجيولوجية والكيميائية، وحماية ورفع إمكانات التكيف والصمود في مناطق العواصف، واستيعاب آثارها السلبية بغية تقليص حدوثها وتحقيق مجموعة من أهداف التنمية المستدامة وإنتاج آليات ومؤشرات قياس للتخفيف من آثار العواصف.
وأشار إلى أن الخسائر الناجمة عن العواصف الرملية والغبار قدرت سنوياً بـ190 مليون دينار (622 مليون دولار)، في حين أن المشروع الذي سينفذ من خلال برنامج الأمم المتحدة وقيمته 4 ملايين دينار، سيستهدف مناطق محددة تقع على بُعد 250 كيلومتراً شمالي الحدود الكويتية.
ولفت إلى التأثير المباشر لتلك المناطق والذي يصل إلى 40% من إجمالي العواصف التي تتعرض لها الكويت وجنوبي العراق والمنطقة الشرقية في السعودية وقطر والبحرين وأجزاء من الإمارات.
مشروع مستدام
المهندس الزراعي محمد أبو السعيد يؤكد أن زراعة الأشجار الفطرية بكميات كبيرة وبشكل مدروس، ستنجح في صد العواصف الترابية والتقليل من خطورتها على الصحة العامة والبيئة.
ويقول أبو السعيد في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "الحصول على نتائج الأشجار لتقليل مخاطر العواصف الترابية يحتاج بعضها إلى قرابة 8 سنوات، وهي فترة نشأة الشجرة ووصولها إلى ارتفاعات شاهقة وحدوث تفرعات واسعة بها".
ويلفت إلى أن تلك الأشجار التي تكون محملة بكثير من الأوراق الثقيلة "تعمل على التخفيف من حدة العواصف الترابية التي تكون آثارها كبيرة ومضرة على صحة الإنسان والبيئة".
ويوضح أن تلك الأشجار غير مكلفة مادياً ولا تحتاج إلى كثير من المياه على نحو منتظم، أو رعاية مستمرة طيلة العام، بمعنى أنها تتحمل الجفاف في البيئة الصحراوية.
لكنه شدد على أن الحصول على نتائج مُرضية من زراعة هذه الأشجار "يحتاج إلى زراعة أعداد كبيرة جداً منها في المناطق المستهدفة".
ويرى أن الأشجار تعمل على تشكيل حزام أخضر، والقيام بدور طبيعي في تقليل خطورة العواصف الترابية.
خطورة صحية
قي سياق متصل تؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التراب المحمول جواً يمثل خطراً على صحة الإنسان، حيث إن حجم الجزيئات الترابية من العناصر الرئيسة يشكل مخاطر محتملة على صحة الإنسان.
وتقول المنظمة في تقرير نشر على موقعها الإلكتروني في أبريل 2017: إن العواصف الترابية، في أغلب الحالات "تتسبب في التهابات بالجلد والعين، والتهاب الملتحمة، وزيادة التعرض لعدوى العين، واضطرابات تنفسية مثل الربو والتهاب القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي والتهاب الأنف التحسسي والسُحار السيليسي".
وتوضح أن التراب ينقل بعض الأمراض المعدية، كما يمكن أن يؤثر على محطات الطاقة الشمسية، لا سيما المحطات التي تعتمد على الإشعاع الشمسي المباشر.