DW- عربية-
باتت السعودية لاعبا محوريا في العديد من الرياضات مع جذبها رياضيين مثل كريستيانو رونالدو. ورغم انتقادات جماعات حقوق الإنسان ضد ما اسمته "تبييض رياضي" لسمعة السعودية، إلا أن "السعودية ترغب في زيادة فضول العالم حيالها".
خلال الأزمة الأخيرة لنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي مع ناديه باريس سان جيرمان الأسبوع الماضي، تردد اسم السعودية كثيرا، مما يُدل على الدور الكبير الذي يلعبه أكبر مصدر للنفط في العالم على الساحة الرياضية العالمية.
وقرر نادي باريس سان جيرمان الثلاثاء (3 مايو / أيار) إيقاف ميسي "عدة أيام" بسبب رحلة غير مصرح بها إلى السعودية في إطار دوره كسفير للسياحة السعودية وسط تكهنات عن رحيل النجم الأرجنتيني عن النادي الباريسي، فيما يمكن أن يكون الدوري السعودي وجهته المحتملة لينافس غريمه السابق البرتغالي كريستيانو رونالدو.
ويجني ميسي عشرات الملايين من اليورو مقابل دوره كسفير للسياحة السعودية في إطار انفاق سعودي ضخم على الكثير من الرياضات العالمية فيما لا يقتصر الأمر على الساحرة المستديرة.
وفي تقرير صدر قبل عامين، قالت منظمة "غرانت ليبرتي" لحقوق الإنسان ومقرها لندن، إن السعودية استثمرت نحو 1.5 مليار دولار على استضافة ودعم أحداث رياضية عالمية خلال السنوات القليلة الماضية فيما زاد هذا الرقم بشكل كبير خلال العامين الماضيين مع ضخ استثمارات كبيرة في عالم كرة القدم والغولف وسباق السيارات والكريكيت.
وأنفق الصندوق السيادي السعودي المعروف باسم "صندوق الاستثمارات العامة" حوالي 800 مليون دولار على جولة واحدة من بطولة "لايف غولف"عام 2022، وفق لما ذكره المسؤول السابق في البطولة أتول خوسلا.
تزامن هذا مع شراء صندوق الاستثمارات العامة نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم مقابل 400 مليون يورو (438 مليون دولار) عام 2021 مع إنفاق أكثر من 300 مليون يورو على شراء لاعبين جدد.
كما تصدر الدوري السعودي عناوين الصحف العالمية بعد نجاح نادي النصر في ضم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوفه.
كذلك أعلنت المملكة مؤخرًا عن خطط لزيادة الإنفاق على لعبة الكريكيت بشكل كبير في إطار مساعيها لأن تصبح "وجهة عالمية للكريكيت" من خلال استضافة أكبر بطولات هذه الرياضة شهرة في العالم.
وفي السياق ذاته، ذكرت تقارير أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يسعى لشراء سباقات "فورمولا 1" للسيارات مقابل 20 مليار دولار.
"تبييض رياضي"
وتتعرض طموحات السعودية الرياضية لانتقادات من العديد من المنظمات الحقوقية خاصة ما تسميه "تبييض رياضي" وهو مصطلح يُقصد به "القيام برعاية فريق أو حدث رياضي من أجل تشتيت الانتباه عن الممارسات السيئة في أماكن أخرى"، وذلك وفقا لمنظمة "غرينبيس".
الجدير بالذكر أن سمعة السعودية على الساحة العالمية في أزمة جراء سجلها الحقوقي خاصة انتهاكات حقوق الإنسان والافتقار إلى حرية التعبير والزج بالمعارضين في السجون، فيما تعد واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018 المثال الأبرز على ذلك.
من جانبه، قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الهدف من الإنفاق السعودي الضخم على الرياضة يتمثل في بناء صورة أكثر إيجابية عنها على الساحة العالمية.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "ترغب القيادة السعودية في خلق انطباعات إيجابية عن المملكة في أذهان الرأي العام العالمي إذ أنه عندما يتطرق الحديث في الغرب عن السعودية، فإن الأمر سوف ينصب حيال ثروتها النفطية والإرهاب والفصل بين الجنسين".
وشدد على أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ودائرته المقربة يرون أن الرياضة جزء حيوي من الاستراتيجية الشاملة لتقوية مكانة السعودية العالمية في السياسة والاقتصاد.
مكاسب اقتصادية
بيد أن الخبراء يرون أن المكاسب السعودية من وراء هذا الإنفاق الرياضي الضخم لا يتوقف على الأهداف السياسية وإنما قد يحمل الأمر في طياته مكاسب اقتصادية، فعلى سبيل المثال جاء اختيار ميسي سفير للسياحة في السعودية في إطار مساعي الرياض إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن اعتمادها الحالي على النفط.
يشار إلى أن النفط يشكل 80 بالمئة من صادرات المملكة كما يشكل حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
لكن في المقابل، ارتفعت عائدات السياحة بشكل حاد في السعودية خلال العام الماضي فيما تخطط السعودية إلى جذب حوالي مئة مليون زائر سنويا بحلول نهاية العقد كجزء من "رؤية 2030" التي أعلنها محمد بن سلمان عام 2016.
ويأتي في إطار ذلك مشروع مدينة "نيوم" الضخم الذي تخطط السعودية لإنشائها على ساحل البحر الأحمر بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار.
التأثير على الحكومات
يشار إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع انخفاض النمو الاقتصادي السعودي بأكثر من النصف إلى 3.1٪ هذا العام فيما يرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التباطؤ في قطاع النفط.
ورغم ذلك، فإن الأرباح القياسية التي حققها عملاق النفط السعودي "أرامكو" العام الماضي والتي بلغت 161 مليار دولار سوف تساعد الحكومة السعودية على المضي قدما في ضخ الأموال عبر صندوق الاستثمارات العامة لدعم استثماراتها الاستراتيجية في مجالات عديدة خاصة الرياضة.
تزامن هذا مع ارتفاع النشاط الاقتصادي السعودي غير النفطي بنسبة 5.8٪ على أساس سنوي.
وفي ذلك، قال ألترمان إن "الاقتصاد السعودي قوي وثمة اهتمام متزايد في مجتمع الأعمال العالمي بتوسيع العلاقات مع المملكة"، مضيفا أن الصين باتت الشريك التجاري الأكبر للسعودية بسبب زيادة العلاقات الاقتصادية الثنائية خلال السنوات الماضية بعيدا عن النشاط النفطي خاصة مع ارتفاع واردات السعودية من التكنولوجيا الصينية ومن الأسلحة.
وأشار الترمان إلى أن استمرار الانتقادات الدولية للاستثمارات السعودية في مجال الرياضي، لكنه شدد على أنه لن يحول دون تحقيق استراتيجية المملكة الرياضية نجاحا على المدى الطويل.
وقال إن "رعاية طيران الإمارات للعديد من أندية كرة القدم الأوروبية على مدى أكثر من عقد يؤكد أن الرعاية الرياضية تعمل على تعزيز مكانة البلاد والوعي حيالها"، مضيفا أن "السعودية ترغب في زيادة فضول العالم حيالها".