من هنا وهناك » من هنا وهناك

واجهة رياضيّة للمشروع السياسي

في 2023/06/08

متابعات- 

تُعد كرة القدم أكثر الرياضات تأثيراً في الرأي العام الدولي، بحيث تعزّز فرصة أيّ دولة لأن تصبح محط أنظار العالم، وتعزّز حضورها السياسي بسبب الشعبية الهائلة التي تصنعها. أنظمة مختلفة زادت استثماراتها الكروية في السابق كهدف ظاهري للنهوض بالقطاعات الرياضيّة، وانتهى الأمر باستخدامها كرة القدم غطاءً لقضايا مثيرة للجدل. فهل تهدف السعودية حقاً إلى تنويع عائداتها من خلال الطفرة الكروية الحاصلة أخيراً، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

برزت السعودية خلال السنوات الأخيرة على ساحة الرياضة في أكثر من حقل، أهمها فورمولا 1 لسباق السيارات، وWWE للمصارعة الحرة. وهي حاضرة أيضاً في كرة القدم، إثر اعتلاء فرقها المنصات الآسيوية وظهور المنتخب اللافت ضمن استحقاقات كأس العالم. ومع ذلك، يظهر جلياً أن الطموح أبعد بكثير. استثمارات السعودية الأخيرة في القطاع الكروي تعكس سعي البلاد لأن تصبح قوة ضاربة في السنوات المقبلة على هذا الصعيد، وسط شكوك عالمية حول الهدف الرئيس من وراء هذا الإنفاق الهائل، وما إذا كان مرتبطاً بزيادة النفوذ وتلميع الصورة.

بدأت أولى الخطوات الكبيرة في أواخر عام 2021، عندما أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي استحواذه على نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي. وبعد أشهرٍ قليلة، صوّبَ القيّمون اهتمامهم نحو الكرة المحلية، فعملوا على استقدام عدد من أفضل اللاعبين في العالم كطريقة سريعة لتسليط الضوء على الدوري المحلي.

هكذا، توجّه السعوديون إلى لاعبين عالميين في الأمتار الأخيرة من مشوارهم الكروي طمعاً بالاستفادة من قاعدتهم الجماهيرية الضخمة، في خطوةٍ مشابهة جزئياً لما قامت به قطر والإمارات في السابق. يكمن الفارق بامتلاك السعودية أسس كرة قدم أكبر وأعمق للبناء عليها، ما يعد بنجاحات تفوق تجارب أسلافها.

 

بدأ مسلسل الاستقدامات الضخمة عبر توقيع نادي النصر مع صاحب الكرات الذهبية الخمس، كريستيانو رونالدو، مقابل راتب سنوي يُقدّر بـ200 مليون دولار، ثم كرّت السبحة لتشمل آخر حاملي الكرة الذهبية، كريم بنزيما، مع اقتراب استقدام الأرجنتيني أنخيل دي ماريا والفرنسي أنغولو كانتي أيضاً... في وقت ربطت تقارير اسم ليونيل ميسي بإنتر ميامي الأميركي، وبالتالي فإن السعودية ربما لن تكون قادرة على جذب النجم الأرجنتيني.

التوقيع مع لاعبين بارزين مقابل أجور «فلكية» هدّد الاستدامة المالية للأندية، وقرع ناقوس الخطر منبئاً بتكرار سيناريو العقد الماضي عندما وصلت الديون إلى مستويات قياسية. للحؤول دون ذلك، توجّهت الدولة إلى الخصخصة عبر تحويل «أكبر» أربعة فرق كرة قدم محلية من ما يشبه المؤسسات الحكومية إلى شركات استثمار خاصة.

توجّهت السعودية إلى خصخصة أبرز أربعة فرق كرة قدم محلية

تجدر الإشارة إلى أن مشروع الخصخصة ليس وليد الصدفة، حيث مرّ بسلسلة محطات قبل إقراره بشكل رسمي. كان مقرّراً اعتماد خصخصة الأندية في المملكة من قبل مجلس الوزراء عام 2014 على خلفية تفاقم الديون، وفي عام 2017، أقرّ المجلس قيام الهيئة العامة للرياضة بالتنسيق مع وزارتي التجارة والاستثمار من جهة، والاقتصاد والتخطيط من جهةٍ أخرى، بوضع الضوابط والشروط اللازمة لممارسة شركات الأندية لنشاطها، وبدأ المشروع يأخذ شكله النهائي في عام 2021 عندما أطلقت هيئة الرياضة خطة لمعالجة التزامات الأندية قبل تحويلها إلى مؤسسات رابحة قادرة على اجتذاب الاستثمارات من القطاع الخاص.

سوف يسيطر صندوق الاستثمارات العامة السعودي بموجب قرار الخصخصة على أندية النصر والهلال والاتحاد والأهلي (تحظى الأندية الأربعة بمتابعة أكثر من 90% من إجمالي عدد متابعي الدوري السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي)، على أن يحتفظ الصندوق بنسبة 75% مقابل 25% للجمعية العمومية.

ويتضمّن المشروع في المرحلة الحالية مسارين رئيسين تبعاً لوكالة الأنباء السعودية «واس»، أولهما: الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني: طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءاً من الربع الأخير من عام 2023.

أبعد من الرياضة؟

على خلفية الخصخصة واستقدام النجوم، لفت المنظّمون السعوديون إلى كون القرارات المستجدّة جزءاً من خطة رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع عائدات البلاد والشروع في برامج تنمية وتحديث غير مسبوقة، كما أكدوا استهداف وصول الدوري السعودي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم، وزيادة إيراداته بالتوازي مع رفع قيمته السوقية.

تصريحات لم تلقَ أصداءً إيجابية في الوسط الرياضي-السياسي، حيث أثارت استثمارات المملكة جدلاً مستجداً على خلفية سجلّها المشبوه في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، ما فتح فصلاً جديداً في ملف «الغسيل الرياضي» لتلميع الصورة والسمعة أمام الجمهور العالمي. وبحسب أستاذ الاقتصاد الجيو-سياسي في كلية سكيما للأعمال، سيمون تشادويك، قد تهدف الإجراءات الحاصلة إلى «تبييض» داخلي وخارجي، كما يحدث أحياناً في أوروبا وأميركا الشمالية.

سبق أن فازت السعودية بحق استضافة كأس آسيا 2027 للرجال، مع سعيها المستمر لإقامة كأس آسيا 2026 للسيدات على أراضيها أيضاً. يبقى أكبر الأحلام مرتبطاً باستضافة كأس العالم 2030، الذي قد يُكسب المملكة أصولاً جديدة لتعزيز القوة الناعمة وبسط النفوذ.