من هنا وهناك » من هنا وهناك

استضافة كأس العالم.. مهزلة في المملكة

في 2024/08/04

(فؤاد السحيباني \ راصد الحليج) 

لا يمكن أن ينتقل إلى القلب، عند متابعة الأخبار اليومية للمملكة العربية السعودية، سوى شيء من الفصام، إن الوطن الذي صار مسرحًا بشكل ما، قد سيطر عليه بلهاء ثلاثة. الأول يكذب، والثاني يصفق، والثالث يرقص على أنغامهما. وفي هذا الواقع شديد المأساوية؛ هذا الزمن تحديدًا هو زمن أصبح فيه القابض على المنطق كالقابض على جمرة من النار.

في مطلع الأسبوع الحالي؛ أصدر صندوق النقد الدولي أحدث تقاريره عن نمو الاقتصاد العالمي، والذي حمل مفاجأة غير سارة تمثلت يخفض توقعاته لنمو اقتصاد السعودية إلى 1.7% خلال العام الجاري 2024، مقارنة بتوقعاته السابقة الصادرة في أبريل/نيسان الماضي البالغة 2.6%. وقال الصندوق، في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، إن اقتصاد المملكة سيتأثر سلبًا بالاستمرار في الخفض الطوعي لإنتاج النفط، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية للحرب في الشرق الأوسط، والآثار السلبية للحرب في أوكرانيا على التجارة العالمية بشكل عام.

لم تتوقف توقعات الصندوق المتشائمة عند العام الجاري فقط، بل أكد رؤيته السلبية للاقتصاد السعودي خلال العام المقبل، بخفض توقعاته للنمو في العام المقبل 2025، لتصبح 4.7%، مقارنة بتوقعاته السابقة الصادرة في شهر أبريل/ نيسان الماضي البالغة 6% بنسبة انخفاض بلغت 1.3%، وكأنّ الصندوق يمرر فكرة مستقبلية غارقة في السوداوية عن الواقع الاقتصادي للمملكة بشكل عام، وعن "كفاءة" و"عبقرية" القائمين على التخطيط الاقتصادي في المملكة بشكل خاص، وعجزهم عن التعامل مع تحديات معروفة وقائمة، وليس فيها ثمة جديد أو مفاجئ.

أرقام صندوق النقد الدولي ليست خبرًا جديدًا بقدر ما هي جرس تنبيه لسوء إدارة الملف الاقتصادي برمته. إذ إنّ المملكة بالفعل تمر بأزمة اقتصادية معروفة ومعلنة، فموازنتها العامة للعام الحالي 2024، وُضعت أساسًا بناءً على عجز مقدر ضخم سيصل إلى 79 مليار ريال، وستعوّض المملكة هذا الفارق عبر اللجوء إلى الحل الأغبى على الإطلاق وهو "الاقتراض". إذ قد أعلنت وزارة المالية رسميًا أنّ الدين العام للمملكة سيزيد في العام الجاري ليصل إلى 294.1 مليار دولار، ما يعادل 25.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة هائلة عقلًا ومنطقًا، تتسق مع ما شهده صافي الحساب الجاري للمملكة في العام المالي الماضي 2023 من تراجع ساحق، حين وصل إلى 34.1 مليار دولار، انخفاضًا من 151.5 مليار دولار في العام 2022.

الجديد في المملكة ليس في أزمة الاقتصاد، لكن في الإعلان الرسمي عن مباركة ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" لملف ترشّح المملكة لاستضافة كأس العالم للعام 2034. هذه المباركة جاءت عبر وكالة الأنباء الرسمية "واس"، والتي أضافت أن مباركة ولي العهد حصلت بعد استكمال جميع الشروط والالتزامات للملف السعودي، استعدادًا لتسليمه إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في العاصمة الفرنسية باريس من الوفد الرسمي، برئاسة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة وياسر المسحل رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم وطفلين من مراكز التدريب الإقليمية للاتحاد لكرة القدم، علمًا بأن إعلان الفائز رسميًا باستضافة البطولة سيكون خلال اجتماع الجمعية العامة لـ "فيفا" نهاية العام الجاري.

لنا وقفة هنا مع الفكرة الرهيبة المتعلقة باستضافة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم، خصوصًا وأن التجربة العربية الوحيدة معها قاتمة للغاية. ففي ظل الصعوبات الاقتصادية القائمة في المملكة، وفي ظل مناخ عالمي لا يعرف الهدوء أو الاستقرار والتوقعات السلبية تغلفه، فمن الأجدى أن نقرأ نتائج تجربة قطر في استضافة كأس العالم في العام 2022، لعل الأرقام تفلح في ما لم تفلح فيه الكلمات.

لقد قدّرت بنوك استشارات عالمية تكاليف مونديال قطر في العام 2022، بنحو 220 مليار دولار. هذا المبلغ يمثل أضعاف ما قدّرته الإمارة الصغيرة لنفسها حين طلبت رسميًا تنظيم كأس العالم. فقد كانت التوقعات تدور حول 65 مليار دولار، هذه المبالغ كلها أنفقت لبناء ملاعب جديدة بمواصفات قياسية، ولبناء شبكة مواصلات خاصة بمواصفات قادرة على الاستجابة لأحداث كبرى، وتحركات جماهير بمئات الآلاف في وقت واحد وإلى مكان واحد.

في النهاية ماذا جنت قطر، على الأقل بالأرقام، من تنظيم حدث مبهر مثل كأس العالم؟

اللجنة المنظمة للبطولة سبق وأن قدرت مداخيل قطر من الجماهير والسياحة والإعلانات والرعاة بنحو 10 مليارات دولار. هذا الرقم طبيعي، وينسجم مع بطولات كأس العالم السابقة، حيث كلّفت كأس العالم في البرازيل في العام 2014 نحو 15.5 مليار دولار، بينما كلّف المونديال في روسيا نحو 11.4 مليار دولار فقط.

قبل أي خطوة، يجب على الإنسان أن يضع ميزانًا لتصرفاته وقراراته، هل جرت دراسة من نوع ما على عائدات من أي نوع قد تجنيها المملكة، وتتحمّل في مقابلها أعباءً مالية هائلة، هي بالأصل في غنى عنها، أم أن ما يجري هو القول الخالد: "التاريخ يكرر نفسه مرتين، في الأولى مأساة، وفي الثانية مهزلة"؟!..