وضاح حيدر - الخليج أونلاين-
في عصر يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا والاتصالات الرقمية، برز تطبيق "تليغرام" كواحد من أبرز منصات المراسلة الفورية التي تعتمد على التشفير لحماية خصوصية المستخدمين.
لكن مع تصاعد المخاوف من استخدام التطبيق لأغراض غير قانونية، أصبح "تليغرام" موضوع جدل واسع بين الحكومات وخبراء الأمن السيبراني.
وفي خطوة مفاجئة، قامت السلطات الفرنسية باعتقال مؤسس التطبيق بافيل دوروف؛ مما أثار تساؤلات حول العلاقة بين الأمان الرقمي ومخاطر استخدام التكنولوجيا.
ورغم الاتهامات الغربية للتطبيق بمخالفات كبيرة، فإن "تليغرام" ينشط في التعاون مع دول خليجية، وعلى وجه الخصوص مع الإمارات التي يقيم فيها، والسعودية.
اعتقال دوروف
وألقت السلطات الفرنسية القبض على دوروف، مساء السبت 24 أغسطس، في مطار بورجيه، في إطار تحقيق يتعلق بجرائم استغلال الأطفال في المواد الإباحية والاتجار بالمخدرات والاحتيال على المنصة.
ومددت فرنسا توقيف مؤسس "تليغرام" بعد اعتقاله بموجب مذكرة بحث أصدرها محقّقون فرنسيون على خلفية انتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق المراسلة المشفّرة.
وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي منحت جنسيتها لدوروف عام 2021، أنها تقدمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم كافة الخدمات القنصلية لدوروف بشكل عاجل.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علق على القضية وقال إن اعتقال مؤسس تليغرام "لم يكن سياسياً"، مؤكداً أن بلاده "ملتزمة بشدة" بحرية التعبير، ولكنه بيّن أن "الحريات محفوظة في إطار قانوني لحماية المواطنين واحترام حقوقهم الأساسية، والقرار في هذا الشأن يعود إلى القضاة".
وأودع الملياردير الفرنسي - الروسي البالغ 39 عاماً الحبس الاحتياطي في إطار تحقيق قضائي فتحته، إثر تحقيق أولي، الهيئة القضائية الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة (جونالكو)، في 9 يوليو الماضي حول 12 جريمة، وفق بيان للمدعية العامة في باريس لور بيكو.
وتشمل التهم رفض توفير المعلومات اللازمة لعمليات اعتراض المراسلات المصرح بها قانوناً، والتواطؤ في جرائم والجريمة المنظمة على المنصة (الاتجار بالمخدرات، والمواد الإباحية المتصلة بالأطفال، والاحتيال وغسل الأموال في إطار مجموعة منظمة) وتوفير خدمات التشفير التي تهدف إلى ضمان السرية من دون إعلان يضمن توافق الخدمات مع التشريعات.
خطورة "تليغرام"
تطبيق "تليغرام" هو واحد من أكثر تطبيقات المراسلة الفورية استخداماً في العالم، حيث يوفر خدمة التراسل الآمنة والمشفرة للمستخدمين، ومع ذلك هناك مخاوف متزايدة من استخدامه في أنشطة غير قانونية.
يستخدم التطبيق تشفيراً قوياً يحمي الرسائل من الوصول غير المصرح به، مما يجعل من الصعب على الحكومات الوصول إلى محتوى المحادثات، الأمر الذي يثير قلق عديد من الدول؛ لأنه قد يُستخدم من قبل جماعات إرهابية أو في أنشطة إجرامية.
كما يوفر "تليغرام" إمكانية إنشاء قنوات ومجموعات عامة يمكن من خلالها نشر محتوى إلى عدد كبير من المتابعين دون قيود، وهذه الميزة تجعل التطبيق بيئة مثالية لنشر الدعاية المتطرفة والمعلومات المغلوطة.
وأصبح استخدام "تليغرام" لنقل وتبادل البرمجيات الخبيثة أمراً شائعاً، حيث يمكن لمجرمي الإنترنت استخدام القنوات والمجموعات لنشر هذه البرمجيات بسهولة، رغم أنه يغلق الكثير منها لاحقاً.
ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "ENISA" الأوروبية للأمن السيبراني، يعتبر التطبيق منصة شائعة بين الجماعات المتطرفة كتنظيم "داعش"، كما حظرت السلطات الألمانية عدداً من القنوات التي تنشر محتوى عنصرياً ومتطرفاً، مشيرة إلى أنه أصبح "منصة محورية للدعاية المتطرفة" .
وذكر تقرير المؤسسة الأوروبية أن "تليغرام أصبح ملاذاً لمجرمي الإنترنت الذين يبيعون أدوات اختراق وبرامج ضارة، مستفيدين من غياب الرقابة الفعالة على التطبيق".
ونتيجة لذلك، زادت في السنوات الأخيرة الضغوط في دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات صارمة ضد التطبيق، ففي تقرير صادر عن الشرطة الأوروبية الموحدة "يوروبول" عام 2022، أكد أن تطبيقات مثل "تليغرام" أصبحت تشكل "تهديداً كبيراً للأمن القومي".
نشاط في الخليج
يعتبر الروسي دوروف أحد أبرز الشخصيات في عالم التكنولوجيا الحديثة منذ تأسيسه لـ"تليغرام"، وانتقل للعيش والعمل في الإمارات بعدما مارست حكومة بلاده ضغوطات عليه للتعامل معها.
وبعد مغادرته روسيا، في عام 2014، بحث دوروف عن بيئة آمنة ومستقرة يمكنه من خلالها إدارة أعماله بدون الضغوط السياسية التي واجهها سابقاً، حتى وجد ضالته في دبي، وأنشأ مقره الرئيسي لإدارة "تليغرام".
واصل دوروف توسيع نشاطاته ومشاريعه التكنولوجية من مقر إقامته في دبي، كما تشير تقارير رسمية إلى تعاونه مع السعودية في جهود مكافحة الإرهاب، ما أثار اهتماماً دولياً واسعاً حوله.
تقرير صادر عن صحيفة "The National" الإماراتية، قال إن اختيار دوروف لدبي جاء بناءً على سمعة المدينة كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، إضافة إلى البيئة القانونية المشجعة التي تتيح حرية العمل والإبداع.
كما كان دوروف مهتماً بتوسيع نشاطاته في مجال العملات الرقمية و"البلوك تشين"، ففي عام 2021، أعلن مشروع "TON"، الذي يعتمد على تكنولوجيا "البلوك تشين" في دبي، مستفيداً من الدعم المحلي لمشاريع التكنولوجيا المالية.
وساهم أيضاً في تعزيز بيئة الابتكار في الإمارات، حيث شارك في عدة فعاليات تكنولوجية محلية؛ مثل معرض الخليج لتكنولوجيا المعلومات "جيتكس"، وقدم رؤى حول مستقبل التكنولوجيا ودور التطبيقات المشفرة في حماية الخصوصية.
وأطلق دوروف عدة مبادرات لدعم برامج تدريبية للشباب الإماراتي في مجال البرمجة وتطوير التطبيقات، ووفقاً لتقرير من "الخليج تايمز" عام 2021، كان "واحداً من الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في جعل دبي وجهة للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا".
وبحسب موقع "أربيان بزنس"، عمل دوروف أيضاً مع مؤسسات إماراتية لتعزيز استخدام تكنولوجيا "البلوك تشين" في المعاملات التجارية والخدمات الحكومية.
وليس ببعيد عن الإمارات، نشط دوروف بالتعاون مع السلطات السعودية في جهود مكافحة الإرهاب، ما جعل "تليغرام" شريكاً أمنياً مهماً لها.
ويقول المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" في السعودية، إنه دخل في تعاون مشترك مع "تليغرام"، وتمكن من إزالة 58.8 مليون محتوى متطرف، وإغلاق أكثر من 13 ألف قناة متطرفة منذ بداية التعاون، في فبراير 2022 وحتى ديسمبر 2023.
عام 2023 وحده، سجل المركز إزالة أكثر من 43.8 مليون محتوى وصفه بـ"المتطرف" على "تليغرام"، كما أغلق 6.2 آلاف قناة "متطرفة".
ففي عام 2018، أغلق بالتعاون مع المملكة عدة قنوات مرتبطة بتنظيم "داعش" كانت تنشر تعليمات حول كيفية تصنيع المتفجرات وتنفيذ الهجمات، وكانت تحظى بآلاف المتابعين.
ونقل موقع "عرب نيوز" عن مسؤول سعودي قوله: إن "التعاون مع دوروف أسفر عن إزالة مئات المنشورات والمقاطع التي تحض على العنف، مما ساعد في تقليل الانتشار الرقمي للدعاية المتطرفة".
وساهم التعاون بين "تليغرام" والسلطات السعودية، في عام 2020، برصد ومتابعة مجموعة كانت تخطط لهجمات إرهابية داخل المملكة، وفقاً لقناة "العربية"، عبر تبادل معلومات حولها؛ مما ساعد في إحباط الهجوم وتفكيك الخلية الإرهابية.