من هنا وهناك » من هنا وهناك

عبر الصندوق السيادي.. حضور قطري بارز في الرياضة الأمريكية

في 2024/09/25

طه العاني - الخليج أونلاين- 

شهدت الساحة الرياضية الغربية في السنوات الأخيرة استثمارات قطرية ملحوظة من خلال صناديقها السيادية، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد القطري وتعزيز وجودها على الساحة العالمية، ومن ضمن ذلك مجال الرياضة.

وتأسس جهاز قطر للاستثمار (QIA) في 2005 مع قيمة أصول تصل إلى نحو 450 مليار دولار، وذلك بهدف تنويع الاقتصاد القطري وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، حتى أصبح من أكبر الصناديق السيادية في العالم.

وعبر السنين، استخدم الجهاز نفوذه المالي في الاستثمار بالعديد من القطاعات، من بينها البنية التحتية، والعقارات، والأسواق المالية، ومع مرور الوقت أصبحت الرياضة هدفاً استثمارياً رئيسياً له، حيث أدركت قطر أهمية القطاع كأداة لتوسيع نفوذها الدولي.

استهداف الرياضة الأمريكية

أثبتت الرياضة أنها ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أيضاً أداة دبلوماسية فعالة، فالدول الصغيرة، مثل قطر، يمكنها استخدام الرياضة لتعزيز نفوذها العالمي، وتحقيق مكانة مرموقة على الساحة الدولية.

هذه الفكرة تجسدت بوضوح في استثمارات قطر بالرياضة الأمريكية، ومن أبرزها شراء حصة 5% في شركة "مونومنتال سبورتس آند إنترتينمنت"، الشركة الأم لأندية "واشنطن ويزاردز" لكرة السلة، و"واشنطن كابيتالز" للهوكي، و"واشنطن ميستيكس" لكرة السلة النسائية.

وتعد الصفقة، التي بلغت قيمتها 200 مليون دولار، وتم الكشف عنها منتصف العام الماضي، الأولى من نوعها لصندوق سيادي في الرياضة الأمريكية، وقد فتحت الباب أمام مزيد من الاستثمارات القطرية في هذا القطاع، مع توسيع علاقات قطر مع الولايات المتحدة في مجالات جديدة.

من جانبه، أكد المشرف التنفيذي على برنامج تطوير المشاريع الرياضية بكلية الأعمال بجامعة نورث كارولينا، وعضو اللجنة الاستشارية لرابطة الدوري الأمريكي ولجنة التنسيق الإعلامي بنيويورك للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، بيت هوفينغراد، في تقرير بعنوان "الصناديق السيادية والرياضة الأمريكية"، على أهمية الخطة الطموحة لجذب صناديق الاستثمار، خاصة القطرية، في مجالات الترفيه والرياضة ودوري كرة القدم الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن رابطة كرة القدم الأمريكية تسير على خُطا دوريات رياضية كبرى أخرى في الولايات المتحدة، حيث أصبحت تسمح بملكية صناديق الاستثمار الخاصة في فرقها، بحسب ما نقلت صحيفة "الشرق" القطرية في أغسطس الماضي.

وقد وافقت الرابطة على قائمة محددة من صناديق الاستثمار الخاصة التي يمكنها الاستحواذ على ما يصل إلى 10% من ملكية أي فريق، ورغم ذلك فإن القواعد لا تمنع الصندوق أو مؤسسات أخرى من الاستثمار في صندوق خاص يستحوذ على حصة في فريق، كما يُسمح لصناديق الثروة بامتلاك ما يصل إلى 7.5% من كيان يمتلك ما يصل إلى 10% من الأندية المختارة.

وأعرب نائب الرئيس التنفيذي لرابطة كرة القدم الأمريكية، جو سيكلير، عن تقديره لخطوة فتح باب الاستثمار، مشيراً إلى أهمية الاستثمار القطري في مؤسسة "مومينتال سبورتس إنترتينمنت".

وأوضح أن اتحاد كرة السلة الوطني، ودوري الهوكي الوطني، ودوري البيسبول الرئيسي، ودوري كرة القدم الأمريكي، لا تفرض أي قيود على بيع الامتيازات التجارية لصناديق الثروة السيادية، ومع ذلك، وحتى الآن، لم تُسجل سوى صفقة واحدة تشمل صندوق استثمار أجنبي.

وأكد مفوض الدوري الأمريكي، دون جاربر، أن استثمارات قطر في الفرق الرياضية الأمريكية لها تأثيرات كبيرة، ليس فقط على مستوى الأداء الرياضي، بل أيضاً على مستوى الاقتصاد الرياضي، وذلك من خلال استقدام لاعبين بارزين، وتطوير البنية التحتية، وزيادة الدعم الفني والتقني، فقد تمكنت الفرق التي استثمرت فيها من تحقيق تحسينات ملحوظة في أدائها.

هذه التحسينات أدت إلى زيادة عوائد الأندية من خلال ارتفاع مبيعات التذاكر، وزيادة عدد الجماهير، وزيادة عوائد عقود البث التلفزيوني والرعاية.

كما أن هذه الاستثمارات تساهم في توسيع قاعدة المشجعين لا في الولايات المتحدة فحسب، بل على مستوى عالمي، فمن خلال تعزيز الفرق الرياضية الكبرى تفتح قطر الباب أمام فرص جديدة لتعزيز حضورها الدولي من خلال الرياضة.

فوائد وعوائد

ويرى صانع المحتوى الرياضي بدر بن أحمد، أن استراتيجية قطر للاستثمار في الرياضة الأمريكية عبر الصناديق السيادية خطوة رائعة تعكس مدى الرغبة والطموح في تنويع استثماراتها ومصادر الدخل.

ويؤكد، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن اهتمام الدولة القطرية بالرياضة ليس وليد اللحظة، حيث إنها نجحت في استضافة وتنظيم أكبر تظاهرة رياضية، وهي بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، لافتاً إلى أن "استراتيجية الاستثمار في الرياضة الأمريكية التي تعامل الرياضة كصناعة وترفيه أيضاً ستكون ناجحة".

ويبيّن بن أحمد أن هذا النوع من الاستثمارات لا يُنظر له فقط من المنظور الاقتصادي، وإنما ينظر إليه من حيث كونه قادراً على تعزيز العلاقات بين الدولتين، سواء من الناحية الرياضية أو الاقتصادية أو حتى السياسية.

ويتحدث عن إمكانية تحقيق قطر التوازن بين الاستثمار في الرياضة الأمريكية وتطوير الرياضة المحلية، مشيراً إلى أن "من أهم المكاسب من الاستثمارات الرياضية من هذا النوع هو القدرة على الاستفادة من الكفاءات الأمريكية في تطوير الرياضة القطرية المحلية".

ويضيف بن أحمد أنها أيضاً تساهم بتوسيع القاعدة الجماهيرية وقاعدة الممارسين للرياضات الشعبية الأمريكية، مثل كرة السلة والهوكي وكرة القاعدة أو البيسبول، بحيث تكون قطر وجهة أولى للفرق الأمريكية في هذه الألعاب بجولاتها الترويجية، وهو ما يعود بالنفع على الدولة القطرية رياضياً واقتصادياً وسياحياً.

تجارب ناجحة

نجحت قطر، عبر صناديقها السيادية مثل جهاز قطر للاستثمار (QIA) وصندوق قطر للاستثمارات الرياضية (QSI)، في تحقيق إنجازات كبيرة تركت بصمة واضحة في المشهد الرياضي العالمي.

وفي عام 2011، استحوذ صندوق قطر للاستثمارات الرياضية على نادي باريس سان جيرمان الفرنسي (PSG)، ومنذ ذلك الحين شهد النادي تطوراً ملحوظاً، حيث تم تعزيز صفوف الفريق بنجوم عالميين مثل نيمار وليونيل ميسي.

هذا الاستثمار حوّل باريس سان جيرمان إلى أحد أقوى الأندية الأوروبية، حيث أصبح ينافس بقوة على البطولات الأوروبية والمحلية، كما ساعد النادي في تعزيز صورة قطر عالمياً، وربط اسمها بأبرز الأحداث الرياضية الأوروبية.

ويعتبر تنظيم قطر لكأس العالم 2022 أكبر دليل على نجاح استثماراتها في الرياضة، فقد كانت أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف هذا الحدث العالمي.

واستثمرت قطر مليارات الدولارات في البنية التحتية الرياضية واللوجستية لتنظيم هذا الحدث، مما أسفر عن تحسينات هائلة في البنية التحتية الوطنية، وتعزيز مكانة الدولة كوجهة رياضية عالمية.

وأسهمت أكاديمية "أسباير" لتطوير المواهب الرياضية في قطر، منذ تأسيسها عام 2004، في تخريج العديد من الرياضيين المتميزين، الذين حققوا نجاحات محلية ودولية، حيث أصبحت هذه الأكاديمية نموذجاً يُحتذى به في تطوير المواهب الرياضية على مستوى العالم، مما يعزز من مكانة الدولة كداعم رئيسي للرياضة.