في 2025/08/13
طه العاني - الخليج أونلاين
تتحرك المملكة العربية السعودية بخطى مدروسة نحو ترسيخ موقعها كوجهة عالمية في صناعة الرياضة، مستثمرة في البنية التحتية والمشاريع النوعية والفعاليات الكبرى، ضمن رؤية تستهدف تحويل القطاع الرياضي إلى رافعة اقتصادية ومصدر دخل متجدد.
وتُوظف المملكة هذا التوجه في بناء بيئة رياضية مستدامة تعزز من جاذبية السوق المحلية، وتفتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة، وتسهم في تطوير منظومة الرياضة كأداة اقتصادية واجتماعية وثقافية.
ومن خلال دعم حكومي مباشر ومبادرات تشريعية ومؤسساتية، بات الاستثمار الرياضي أحد أبرز مسارات التنويع الاقتصادي تحت مظلة رؤية السعودية 2030.
تحول استراتيجي
وشهد الاستثمار الرياضي في المملكة تحوّلاً لافتاً من كونه نشاطاً ترفيهياً إلى صناعة متكاملة ترتكز على أبعاد اقتصادية واجتماعية وتنموية.
وأشارت جريدة "الرياض"، بتقرير نشرته في 5 أغسطس 2025، إلى أن الدولة تسعى إلى تسويق أصول وزارة الرياضة، الملموسة وغير الملموسة، في مختلف مدن المملكة، ضمن نماذج تشغيلية ومالية تتيح تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستدامة.
ويهدف هذا التحول إلى رفع نسبة الممارسة الرياضية، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالقطاع، وزيادة مساهمة الرياضة في الناتج المحلي غير النفطي إلى أكثر من 0.8% بحلول 2030، مقابل 0.2% فقط في السنوات الماضية.
فقد ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين الماضيين، من 2.4 مليار ريال إلى 6.5 مليار ريال، محققاً نسبة نمو بلغت 170%.
وتعكس هذه الرؤية تنوعاً في أشكال الاستثمار الرياضي، بدءاً من الأندية واللاعبين والفعاليات الكبرى، وصولاً إلى البنية التحتية والمنشآت والصالات، فضلاً عن الشركات الداعمة مثل وكالات التسويق والإعلانات والمنصات الرقمية.
وقد بلغ عدد الرخص التي أصدرتها الوزارة للصالات والمراكز الرياضية أكثر من 1900 رخصة، مما أسهم في خلق ما يفوق 20 ألف وظيفة مباشرة، و60 ألف وظيفة غير مباشرة، في حين تجاوزت الإيرادات غير الحكومية للأندية حاجز مليار ريال خلال العامين الماضيين، وسجلت 1.1 مليار ريال (293 مليون دولار) في 2021، و747 مليون ريال (199 مليون دولار) في 2020.
صفقات استثمارية
وتسارعت وتيرة الصفقات الاستثمارية الرياضية خلال عام 2024، حيث أبرمت 40 صفقة متنوعة، قرابة 25% منها مدعومة باستثمارات أجنبية، وفق ما كشفه مدير تطوير استثمارات قطاع الرياضة في وزارة الاستثمار، ياسر إبراهيم.
ويعكس هذا الرقم النمو المطرد في قيمة القطاع الذي قُدّر بـ30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، وسط توقعات ببلوغه 85 مليار ريال (22.5 مليار دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويأتي هذا التطور في ظل دعم حكومي مباشر لا يقل عن 60 مليار ريال (16 مليار دولار) سنوياً، موزعاً على مختلف القطاعات الرياضية، إلى جانب ضخ تمويلات حكومية بقيمة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) تحضيراً لاستضافة كأس العالم 2034.
ورغم هذا الزخم، لا تزال مساهمة القطاع الخاص محدودة، حيث تتولى الجهات الحكومية كصندوق الاستثمارات العامة وشركة "أرامكو" تمويل النسبة الكبرى من المشاريع.
وتطمح المملكة إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في القطاع الرياضي، عبر مبادرات مثل "منصة نافس" ومشروع تخصيص الأندية.
شركات رياضية
وفي إطار استراتيجياتها الطموحة تمضي المملكة في مشروع تحويل الأندية الرياضية إلى شركات ذات طابع استثماري لتعزيز الحوكمة ورفع الكفاءة المالية.
وحتى عام 2022، حصل 13 نادياً من أندية دوري المحترفين على الموافقات الرسمية لتأسيس شركات استثمارية خاصة.
وتعد هذه الشركات أذرعاً مالية تسعى لتطوير قدرات الأندية واستغلال أصولها، من خلال الدخول في شراكات، وإدارة حقوق الرعاية، والتسويق، وتأجير المنشآت، والمشاركة في الصناديق الاستثمارية والوقفية والعقارية.
وفي عام 2023، أُسست 17 شركة استثمارية جديدة تابعة لأندية واتحادات رياضية، وهو ما يعزز من مأسسة القطاع وربطه بالاقتصاد الكلي. كما أطلقت الدولة المرحلة الأولى من مشروع تخصيص الأندية بتحويل ملكية أربعة أندية إلى جهات كبرى كـ"أرامكو" و"نيوم"، ثم بدأت المرحلة الثانية التي شملت 14 نادياً رياضياً إضافياً.
وتستهدف هذه الخطوة رفع الاحترافية، وزيادة العوائد المالية، وتحفيز بيئة الأعمال في قطاع الرياضة، من خلال تمكين القطاع الخاص وتحرير الموارد الحكومية.
ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوة في توفير خدمات رياضية أكثر احترافية للجماهير، وخلق منافسة تجارية بين الأندية، إلى جانب تحسين بنيتها التحتية وتحويلها إلى مراكز جاذبة للمواهب والاستثمارات.
نجاح كبير
ويؤكد الأكاديمي الرياضي الدكتور فراس عبد الحميد، أن هناك عدة عوامل جعلت من السعودية وجهة جاذبة للاستثمار الرياضي، أبرزها الاستقرار السياسي والانفتاح على العالم.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الانفتاح أدى إلى زيادة الروابط والعلاقات مع الدول، ما ساهم في استقطاب شركات عالمية وعقد اتفاقيات معها.
ويبين عبد الحميد أن البيئة الداخلية في المملكة مهيأة لهذا النوع من الاستثمار، مشيراً إلى أن القائمين على الرياضة السعودية عملوا بجد وذكاء، واستقطبوا شخصيات وخبرات وكفاءات عالية، مما قاد البلاد إلى تحقيق نجاح كبير في هذا المجال.
ولفت إلى أن الاستثمار لا يقتصر على استقطاب اللاعبين العالميين، بل يشمل أيضاً الشركات الرياضية والمستلزمات، بالإضافة إلى الإعلانات على السلع والفعاليات الرياضية.
وأوضح عبد الحميد أن الصفقات التي تمت في عام 2024 لم تكن أهدافها مادية فقط، بل تجاوزت ذلك لتعطي المملكة مكانة مرموقة لدى الاتحادات الإقليمية والعالمية.
ويردف عبد الحميد أن هذه الصفقات كانت شاملة، ولم تقتصر على اللاعبين فقط، بل شملت أيضاً إنشاء ملاعب وقاعات رياضية، وتوريد مستلزمات رياضية ذات ماركات عالمية، واستقطاب العديد من المدربين والخبراء.
ويرى أن التحدي الأبرز الذي يواجه قطاع الاستثمار الرياضي في السعودية هو المنافسة من بعض الدول الخليجية، مثل قطر والإمارات. ويعتقد أن الصعوبات الأخرى يمكن تجاوزها، لأن الجانب السعودي قد وفّر كل متطلبات النجاح للوصول إلى هذه المكانة المرموقة.
وأشار عبد الحميد إلى أن الخطة التي وضعتها الحكومة السعودية هي خطة شمولية، تهدف إلى النهوض بجميع القطاعات، ومنها القطاع الرياضي.
تحول نوعي
لم تعد الرياضة في السعودية نشاطاً جانبياً أو مقتصراً على الترفيه، بل تحولت خلال أقل من عقد إلى أداة استراتيجية تسهم في تشكيل ملامح جديدة للمجتمع والاقتصاد.
وكشف تقرير لـ "العربية Business"، في أبريل 2025، أن البنية المؤسسية للقطاع شهدت تطوراً لافتاً، حيث ارتفع عدد الأندية الرياضية من 9 فقط في عام 2019، إلى 128 نادياً بحلول عام 2024، ما يعكس توسعاً مدروساً في تمكين الرياضة كمجال استثماري واجتماعي.
كما نما عدد الاتحادات الرياضية من 32 اتحاداً في 2015 إلى 97 اتحاداً في نهاية 2024، ليغطي طيفاً واسعاً من الألعاب، ويتيح فرصاً جديدة للتمثيل المحلي والدولي.
في موازاة ذلك، برزت المرأة السعودية كلاعب رئيسي في هذا التحول، مدعومة بتشريعات ومبادرات فتحت المجال أمام مشاركتها في مختلف التخصصات.
وارتفعت نسبة ممارسة النساء للرياضة أسبوعياً من 7% فقط في 2017، إلى 46% عام 2024، فيما بات للمملكة 40 فريقاً نسائياً يمثّلها في 25 اتحاداً رياضياً، ما يعكس تحوّلاً ثقافياً ومؤسساتياً في بنية الرياضة النسائية.
هذا الزخم طال أيضاً ملف اكتشاف المواهب، حيث أطلقت وزارة الرياضة برنامج "تكوين" الذي أسس 16 مركزاً تدريبياً، ويشرف على 11 برنامجاً متخصصاً لتطوير القدرات.
وبحسب بيانات البرنامج، تم فحص أكثر من 48 ألف طفل، والتعرف على أكثر من ألف موهبة محتملة، في خطوة تستهدف خلق جيل جديد من الرياضيين السعوديين القادرين على المنافسة إقليمياً وعالمياً.