كمال الذيب- الايام البحرينية-
تم التوقيع مؤخراً على ما سمي «ميثاق شرف رؤساء تحرير الصحف المحلية» بحضور ورعاية وزير الاعلام وزير شؤون المجلسين، وتم تقديم هذا المبادرة على انها «الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة الوطنية بين رؤساء تحرير الصحف المحلية البحرينية، والتي تجسد وعي القائمين على الصحف بالشراكة مع وزارة شؤون الإعلام بأهمية الالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة على أسس من المصداقية والأمانة والموضوعية، ومراعاة المصلحة العليا للوطن والمواطنين، ونبذ دعوات الفرقة والتعصب والكراهية». الميثاق من حيث المبدأ، ومن حيث الصورة المرسلة إلى الجمهور مهم، في ضوء وجود بعض الممارسات الإعلامية غير الحميدة وغير المهنية، ولكن العبرة ليست في التوقيع فقط، وإنما في الالتزام بما ورد في منطوقه، خصوصا وان بعض الخبرات السابقة، قد أظهرت عدم ثبات هذا الالتزام، وأن المسألة في النهاية ليست في القسم، وإنما في مدى الالتزام بداية ونهاية، بالقانون لا أكثر ولا اقل.
ولا يحتاج الأمر إلا الالتزام به، لعدم الاخلال بالمهنية، ولعدم التعدي على الخصوصية، ولعدم نشر اخبار او صور زائفة، او لعدم شن حروب إعلامية باردة، ذات طابع طائفي، وعدم تبرير الإرهاب ونشر الأكاذيب والترهات والسخافات والخرافات والصور والأقاويل والادعاءات وتشويه الحقائق او المساس بالثوابت او الاضرار بالوحدة الوطنية واسس التعايش السلمي، أو استغلال مآسي الناس وما قد يصيبهم من نكبات، أو لعدم الحث على العنف او تبييضه، أو مقارنته بما تقوم به القوة النظامية لحفظ النظام..
كل ذلك معلوم علم اليقين، بالقانون المسطور، وبالقيم وبالفطرة وبالعرف، ولكن المشكلة الأساسية، هي في ترجمة كل طرف لهذا الميثاق وترجمته على ارض الممارسة العملية، بما يؤكد الالتزام بتثبيت دعائم الحرية المسؤولة، وترسيخ القيم المهنية الأصيلة في العمل الصحفي، والذي أعاد هذا الميثاق التأكيد عليها مجددا، لأنها نابعة من روح الدستور وميثاق العمل الوطني، ولتوافقها مع المواثيق الصحفية والإعلامية والحقوقية الدولية، خاصة فيما يتعلق باحترام حرية الرأي والتعبير المسؤولة، وعدم السماح بالتحريض على العنف أو الكراهية الدينية أو الطائفية أو العنصرية أو العرقية أو المساس بكرامة الأشخاص وحياتهم الخاصة.
ويمكن أن نذكر في هذا السياق أن جمعية الصحفيين البحرينية، قد سبق لها الإعلان قبل عدة سنوات، عن ميثاق العمل الصحفي إدراكا منها لأهمية الرسالة الصحفية «ودورها التنويري في دفع عجلة البناء والتنمية الشاملة في إطار المشروع الإصلاحي، بمختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافي، وحرصا على تعزيز دور الصحافة الوطنية الحرة والمستقلة في تدعيم مسيرة الديمقراطية، واحترام الحقوق والحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير في إطار من الضوابط الأخلاقية والمهنية بما يحقق المصلحة العليا للوطن وجميع المواطنين، وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية»، وهو ميثاق مفصل ودقيق، تكتب بطريقة واضحة وشاملة تفي بمتطلبات تنظيم وعمل هذا القطاع الذي توسع في السنوات الماضية وتطور بشكل لافت ومؤثر.
كما سبق لذات الجمعية في الثالث من مايو 2008م، وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن أعلنت عن ميثاق «صحفيون ضد الطائفية»، لمواجهة الخطاب الطائفي بكافة اشكاله الذي استشرى في تلك الفترة، بشكل غير مسبوق سواء في الصحافة، او في الفضاء الإلكتروني، او عبر المنبر الديني.
ومن اللافت آنذاك أن عددا من محترفي الخطاب الطائفي كانوا من بين الذين وقعوا على هذا الميثاق، فهل احترموا هذا الميثاق؟ وهل توقفوا عن ذات الخطاب الملوث باللغة الطائفية؟ ولذلك فإن العودة مجددا اليوم إلى ذات الامر، محمود من حيث النية الخيرة، والمقصد الطيب، والسعي لخلق نوع من الاجماع حول الثوابت المعلومة، الا انه على الأرجح، لن يغير من الامر شيئا كبيرا، وفقا للتجارب السابقة والمماثلة، ولذلك فإن الحل دائما وأبدا في تطبيق القانون، وعدم التردد في تطبيقه، والالتزام بتطبيقه على الجميع، كما أن التحول الديمقراطي الذي تعيشه منذ عدة سنوات يجب أن يتزامن مع إصلاح وسائل الإعلام الرسمية والأهلية على حد سواء، وتطويرها (تقنياً - تشريعياً - مهنياً) لتستوعب التحولات التقنية والتواصلية والمعايير المهنية، لتكون هناك فرص متساوية للتأثير، والقبول بالتحدي وبتبادل الأدوار، وعدم الاحتكار، مع تعزيز القدرة على أن يكون مصدر حماية للمجتمع الديمقراطي التعددي وربطه بالمصالح الوطنية العليا في النهاية، ان يكون سقف الحرية الإعلامية احترام القانون، لأنه لا وجود لحرية مطلقة، وبعدم ولا وجود لحرية بدون حدود أو قيود، إلا حرية المجانين، وحتى في هذه الحالة فإن على العقلاء ألا يسمحوا لها بان تكون كذلك.
ولا شك ان ضوابط الحرية وحدودها، هنا، هي بلا شك المسؤولية، والقانون والثوابت التي لا يجوز العبث بها، وعلى رأسها أمن المجتمع واستقراره ووحدته، ولذلك فإن الذين يتحفظون على إجراءات (الترشيد) ويتخوفون منها، عليهم أن يطرحوا البدائل التي تؤمن استقرار المجتمع، وتمنع انفلات الأوضاع، والتي كلما حدثت تجرف الأخضر واليابس، ولن ينجو منها أحد..
هكذا تقول لنا دروس التاريخ القديم والمعاصر، فهل هنالك أية مبالغة في هذا الأمر؟؟ همس مثلما تكره الصحافة الطبالين والندابين، يجب ان تمتنع عن فتح أبوابها امام الحزبيين، فالصحافة رسالة الحرية، ولكنها الحرية المحكومة بضوابط المهنة والقانون، وإذا ما أراد الحزبي أن يكتب فليكتب بصفته حزبيا (هكذا يجب أن يقدم نفسه صراحة) في صحف ومجلات الأحزاب، ولا عيب في ذلك، ولكن المشكلة تبدأ عندما يتسلل الحزبيون إلى الصحافة ويركبون موجتها، متنكرين بثياب الصحفيين، مدعين أنهم ينقلون رسالة الحقيقة إلى القراء، في حين أنهم ينقلون (حقيقة) حزبية، وليست من الوجهة المهنية الصرف التي أساسها معايير العمل الصحفي الحر والمستقل..