محمد بن أحمد الشيزاوي- عمان اليوم-
أثار استغرابي وأنا أتلقى ردود الأفعال الإيجابية على مقال الأسبوع الماضي عن «حوكمة مؤسسات المجتمع المدني» ما أخبرني به أحد الأصدقاء من أن بعض الجمعيات غير منضبطة ماليا وأن الأموال التي تتلقاها من الشركات والوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية لا تذهب إلى الأهداف المخصصة لها، ورغم أنني لست واثقا 100% من صحة ما قاله لي إلا أنني أرى أن الرقابة المالية والإدارية على الجمعيات المهنية والأهلية أصبحت أمرا ضروريا حتى يتأكد المجتمع أن الأموال الممنوحة لهذه الجمعيات تذهب بالفعل إلى المشروعات والبرامج التي تحددها في رسائلها لطلب الدعم ولا تذهب إلى أشياء أخرى وهو ما يصب في النهاية لصالح الجمعيات بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
ولعل السبب الذي يجعلنا ندعو إلى إخضاع الجمعيات المهنية والأهلية لرقابة جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ينطلق من أن الأموال التي تذهب إلى حسابات هذه الجمعيات كبيرة وتقدر بالملايين (رغم عدم وجود إحصائيات رسمية لها)، غير أننا نلاحظ من خلال اجتماعات الجمعيات العامة العادية السنوية لشركات المساهمة العامة أن العديد من الشركات تخصص مبالغ مالية كبيرة لدعم المجتمع المحلي وعادة ما يتم دفع هذه الأموال للجمعيات المهنية والأهلية، وخلال العام الماضي على سبيل المثال نجد أن عمانتل والبنك الوطني وريسوت للأسمنت وأوريدو للاتصالات وبنك ظفار والبنك الأهلي وبنك صحار وشركة جلفار خصصت مجتمعة أكثر من مليوني ريال عماني للتبرع لبرامج دعم المجتمع المحلي، ولو احتسبنا جميع الأموال التي تمنحها شركات المساهمة العامة والشركات المقفلة والعائلية والمؤسسات الحكومية ورجال الأعمال وأصحاب الخير للجمعيات فإننا سنجد أنفسنا أمام مبالغ تقدر بعشرات الملايين؛ لا ندري هل تذهب بالفعل إلى البرامج والمشروعات التي تذكرها الجمعيات في رسائلها لطلب الدعم أو أنها تذهب إلى أشياء أخرى، وقد أشرنا في مقالنا الأسبوع الماضي عن «حوكمة مؤسسات المجتمع المحلي» إلى أن بعض مجالس إدارات الجمعيات المهنية يسافرون من بلد إلى آخر لتمثيل جمعيتهم في مؤتمر هنا واتحاد هناك وعلى درجة رجال الأعمال مع علاوة سفر (مهمة عمل) وتقوم هذه الجمعيات بإنفاق المبالغ التي تحصل عليها يمينا وشمالا على أهداف شخصية مع أن الجمعيات سواء كانت مهنية أو أهلية هي عمل تطوعي وليس عملا ربحيا، وهو أمر علينا ألا ننساه ونحن ندخل في عضوية مجالس هذه الجمعيات أو نبتعد عنها.
وقد لاحظنا خلال السنوات الماضية عددا من الشركات أصبحت تتشدد في الدعم الذي تقدمه لأي جمعية مهنية أو خيرية وتطلب من أي جهة ترغب في الدعم تزويدها بخطتها خاصة فيما يتعلق بكيفية صرف مبلغ التمويل بل إن بعض الجهات لا تقدم الدعم المالي إلا بعد انتهاء الفعالية والتأكد من أن الفعالية قد أقيمت بالفعل.
وفي ضوء هذه الحقائق فإننا ندعو إلى إخضاع الجمعيات الأهلية والمهنية لرقابة جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وفي اعتقادنا أن هذا الأمر سيعزز الثقة في هذه الجمعيات ويساعدها في تحقيق تطلعات المجتمع وطموحاته منها، وكما نعلم فإن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يهدف من خلال دوره الرقابي إلى «حماية الأموال العامة للدولة والأموال الخاصة التي تديرها أو تشرف عليها أي من الوحدات الخاضعة لرقابة الجهاز والتثبت من مدى ملاءمة أنظمة الضبط والرقابة الداخلية وسلامة التصرفات المالية والإدارية واتباعها للقوانين واللوائح والقرارات التنظيمية، وبيان أوجه النقص أو القصور في القوانين واللوائح والأنظمة المالية والإدارية المعمول بها واقتراح وسائل علاجها، وتقييم أداء الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز والتحقق من استخدام الموارد بطريقة اقتصادية وبكفاءة وفاعلية، والكشف عن أسباب القصور في الأداء والإنتاج وتحديد المسؤولية» وغيرها من الأهداف الأخرى التي تعزز من مكانة أي وحدة تخضع لرقابة الجهاز وثقة المجتمع فيها.
وهكذا فإننا نجد أن حوكمة مؤسسات المجتمع المحلي وإخضاعها لرقابة جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة سوف يمكنها من مواكبة طموحات منتسبيها وتحقيق فوائد كبيرة تعود بالنفع والفائدة على المجتمع، وفي النهاية إذا تمكنت مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية من توفير إدارة مالية وإدارية حكيمة ونزيهة فإنها ستتمكن بالفعل من تحقيق أهداف كثيرة خاصة إذا كان الأمر متعلقا بالتدريب وصقل المهارات أو برامج دعم المعوزين والمعاقين واليتامى وغيرهم من فئات المجتمع التي تستحق كل الاهتمام والرعاية.