سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
في الوقت الذي لقي فيه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بالكاد ترحيبا أثناء زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية، فإنه، وفيما وراء الكواليس، يتم إحراز تقدم على مستوى التحالف الثلاثي الجديد الذي تتشارك فيه كل من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وحلف الشمال الأطلسي. هذا الجهد يتجاوز إدارة «أوباما» وقد كان يتحرك ببط نحو الأمام على مدار الـ12 عاما الماضية.
وتدعي مصادر في إدارة «أوباما» أنه، وفي خلال المناقشات المغلقة التي جرت مع الملك «سلمان»، فقد كان الرئيس «أوباما» قادرا على التعامل مع المخاوف السعودية من التحالف المزدهر بين الولايات المتحدة وإيران وذلك عبر توضيح خطط الولايات المتحدة لتعميق التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي من شأنها أن تشمل جهودا لاحتواء إجراءات إيران التي تسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وفي حين تحوم شكوك كبيرة حول مدى فاعلية جهود هذه الإدارة، فإن هناك عملية أكثر عمقا من التعاون العسكري والتكامل في نهاية المطاف بين القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي كانت موضوعا لمحادثات وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر» و مدير وكالة المخابرات المركزية «جون برينان» وآخرين من كبار المسؤولين في القيادة المركزية الأمريكية مع نظرائهم من دول مجلس التعاون الخليجي قبل وصول «أوباما» إلى الرياض في إطار التحضير لاجتماعات «أوباما» مع رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي. أنشأ كل من «كارتر» و«برينان» أيضا خطوط قوية من الاتصالات مع نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، وهي قناة أخرى يمكن للتعاون العسكري أن يتحرك خلالها إلى الأمام.
وكما سبق أن أوردنا في «ميدل إيست بريفينج»، فقد كانت فكرة وجود تحالف رسمي بين الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي مطروحة على الطاولة منذ عدة سنوات مع مستشار الأمن القومي السابق لإدارة «أوباما»، «جيمس جونز» (القائد العام السابق لقوات حلف الشمال الأطلسي) الذي روج للفكرة خلال مؤتمر في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن في عام 2010.
في الواقع، فقد كان الإطار الرسمي للتكامل بين الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي مطروحا منذ عام 2004 متزامنا مع طرح مبادرة إسطنبول للتعاون التي تم طرحها على هامش قمة حلف الشمال الأطلسي في العاصمة التركية. انضمت أربعة دول من دول مجلس التعاون الخليجي رسميا إلى مبادرة إسطنبول للتعاون وأنشأت كل منها علاقات عسكرية مع الناتو على مستوى كل دولة على حدتها. كانت هذه الدول الربعة هي قطر والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وقد لحقت بهم كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في عام 2014 خلال مؤتمر الذكرى العاشرة للمبادرة الذي عقد في الدوحة. في تلك الدورة، أورد لأمين العام لحلف الناتو «ينس شتولتنبرج» خلال هذا المؤتمر ثلاثة مجالات للتعاون بين الناتو ومجلس التعاون الخليجي ضمن إطار مبادرة إسطنبول شملت زيادة التعاون العسكري والأمن البحري والاستشارات السياسية، وأشار إلى حملة ليبيا عام 2011 كمثال على التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والحلف. كما دعا جميع دول مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى برنامج الناتو لمكافحة القرصنة السياسية المعروف باسم «درع المحيط».
خلال اجتماع سابق لمبادرة إسطنبول في عام 2011، عرضت الكويت أن تقوم باستضافة مركز إقليمي للمبادرة والذي كان من المفترض أن يعمل كنقطة تكامل إقليمي بين حلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي الأربعة تحت مظلة مبادرة إسطنبول للتعاون.
كما تم أيضا تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على الانضمام إلى مركز التميز في التعاون المدني العسكري في هولندا، إضافة إلى مركز الدفاع ضد الإرهاب في أنقرة. تنخرط هذه المراكز في التنسيق العملي بين المسؤولين عن الدفاع من المدنيين والعسكريين ووضع أنواع من قنوات الاتصال الشخصية ذات الأهمية الحيوية لعلاقات أكثر رسمية بين حلف الشمال الأطلس ودول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل.
ميثاق تأسيس مبادرة إسطنبول للتعاون ينص أيضا على توسيع العضوية، إلى ما هو أبعد حتى من دول مجلس التعاون الخليجي بما يشمل جميع البلدان المهتمة في المنطقة التي تشترك في هدف ومضمون هذه المبادرة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
بالإضافة إلى مبادرة إسطنبول للتعاون، فقد قام الناتو في وقت سابق بتأسيس مبادرة الحوار المتوسطي والتي تشمل أهدافا مماثلة مثل التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وتشمل قائمة الدول الأعضاء في الحوار المتوسطي، بالإضافة إلى الـ26 بلدا الأعضاء في حلف الناتو كل من الجزائر، مصر، (إسرائيل)، الأردن، موريتانيا، المغرب إضافة إلى تونس. خلال قمة حلف الشمال الأطلسي في ديسمبر/كانون الأول 2012 والتي تم عقدها في شيكاغو، فقد تم رسميا دعوة ليبيا للانضمام إلى الحوار المتوسطي. كما تم تعيين أولوية جديدة تتمثل في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا. في الوقت الذي تبحث فيه بعض الدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي مع المسؤولين في واشنطن احتمال القيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال إفريقيا والتي ستكون فرصة ملموسة لتوسيع التكامل القوة، وإن كان على أساس أكثر تخصيصا.
ورغم وجود هذه الهياكل الرسمية للشراكة، فإن هناك عقبات واضحة تقف في طريق التكامل السريع بين حلف شمال الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي. هذه العقبات ليست مستعصية على الحل، وهناك بالفعل تقدم في هذا الصدد. تمضي دول مجلس التعاون الخليجي في طريقها نحو إنشاء قيادة عسكرية مشتركة، وهو أمر حيوي لخطط المزيد من التكامل مع الناتو. اتخذت السعودية زمام المبادرة في تشجيع هذا التعاون المشترك بما في ذلك توجيه المزيد من الاهتمام نحو أنظمة الأسلحة المشتركة التي تتطابق أيضا مع قدرات منظمة حلف شمال الأطلسي.
المشكلة الأخرى التي يجب حلها تتعلق بدور كل من مصر وباكستان في التكامل العسكري بين الناتو والشرق الأوسط. في الوقت الذي تمتلك فيه المملكة العربية السعودية أكبر ميزانية عسكرية في العالم العربي (تخطى الإنفاق العسكري السعودي الإنفاق العسكري لروسيا خلال هذا العام)، يعتقد مسؤولون في البنتاغون وحلف شمال الأطلسي أن انضمام مصر وباكستان، بشكل أو بآخر، هو أمر حيوي من أجل تشكيل قوة عربية فاعلة قابلة للتشارك مع منظمة حلف شمال الأطلسي.
وقد رفضت كل من مصر وباكستان طلبات السعودية للحصول على المساعدة العسكرية في حرب اليمن، بينما شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا نشاط في دعم المملكة في هذه الحرب.
خلال محادثاتهما في الرياض، أكد الرئيس «أوباما» ووزير دفاعه «أشتون كارتر» على مخاوفهما بشأن وجود تنظيم القاعدة المتنامي في اليمن. في الأيام التي تلت القمة، شنت القوات العسكرية السعودية والإماراتية عمليات قصف وهجمات برية ضد مواقع التنظيم في اليمن.
وتؤكد مصادر في واشنطن أن التكامل بين الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي يسير على الطريق الصحيح، ويظل يتمتع بأولوية واضحة. هذا سوف يبقى على حاله بغض النظر عن هوية من سيحسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. في هذه الأثناء، فإن الجهود المبذولة مثل مبادرة إسطنبول للتعاون والحوار المتوسطي سوف تنضج، وسوف يستمر جيش الولايات المتحدة في أخذ زمام المبادرة في تحريك عملية التكامل قدما.
وسوف تستمر واشنطن في متابعة «تحالف الراغبين» لمعالجة بعض القضايا مثل الحرب ضد «الدولة الإسلامية». وقد تم الإعلان عن تحالف مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في باريس في 15 سبتمبر/أيلول عام 2014 وضم في صفوفه العديد من الدولة العربية الرائدة، بما في ذلك الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر والعراق والأردن والكويت ولبنان.
وحتى من تولي هذه المبادرات مهمة القضايا الملحة مثل مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتعامل مع القرصنة، وأزمة اللاجئين والكوارث الإنسانية والطبيعية،تبقى عملية التعاون المؤسسي بارزة دوما في أذهان المسؤولين في الناتو والبنتاغون، الذين يرون الأولوية لبناء شراكات الناتو التي من شأنها أن تشكل الأساس للبنية الأمنية الأساسية للقرن الحادي والعشرين. ولا يوجد مكان يصير فيه مثل هذا التوجه أكثر إلحاحا من الشرق الأوسط.