منذ انطلاق (الربيع العربي) نهايات عام (2010) في عدد من الدول العربية وإسقاط بعض أنظمتها، تعاني بعض دول مجلس التعاون خذلان أصدقائها التاريخيين قبل الأعداء، ليصل اليوم إلى شخصيات عربية وظفت جهودها لتنفيذ أجندات سياسية من أجل تحقيق سمعة سياسية ترشحهم لمراكز أممية أعلى، ويعكس ذلك الأمر كلمة المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان التي ألقاها خلال افتتاح الدورة (33) للمجلس بتاريخ (13 سبتمبر 2016)، وأعدها له مكتبه الخاص المعروف بمواقفه العدائية ضد دول الخليج العربي عموماً، حيث بينت كلمته مدى انسياقه وراء أسلوب التجاهل للجهود الحقيقية التي بذلتها البحرين لحماية حقوق الإنسان وحقها السيادي بالدفاع عن أمنها واستقرارها والتصدي لأية تدخلات خارجية، فيما أكدت بلاده الأردن رفضها لتلك الانتقادات ووقوفها إلى جانب البحرين في مختلف الظروف.
إن (مجلس حقوق الإنسان) ما هو إلا أحد أجهزة هيئة الأمم المتحدة، وتحكم عمله مبادئ ميثاقها، التي تجاوزها المفوض السامي وتعدى صلاحياته ومهامه، وخرق ما تضمنه البند (3) من المادة (1)، والبند (7) من المادة (2) تحديدا؛ لذلك فإنه بتحركاته المكشوفة، وتقصده البحرين ودول مجلس التعاون غير ذات مرة في الدورات السابقة للمجلس، وتجاهله المتعمد لجهودها تنفيذاً لأجندات سياسية معروفة، فإنه يهدم المقاصد الأممية جملةً وتفصيلاً ويشجع من حيث يعلم زيادة التوتر السياسي والأمني فيها.
على المفوض السامي إدراك دوره الحقيقي، وممارسة وظيفته بحيادية وموضوعية وفي الحدود التي حددها له ميثاق الأمم المتحدة، وعليه استيعاب حقيقة أن المناداة بعالمية حقوق الإنسان لا تعني فرض ما يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف، فالدول المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة ذات سيادة، وهي المسؤولة عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان فيها، ودور (مجلس حقوق الإنسان ومفوضه السامي) ينحصر في التعاون مع تلك الدول ومساعدتها للقيام بهذه المسؤوليات على الوجه الذي يتوافق مع أهداف الأمم المتحدة، لا العمل ضدها وتسييس قضاياها واستخدامها لتنفيذ مخططات خبيثة وتحقيق أهداف معروفة تسعى لاستهداف الأنظمة القائمة في الخليج العربي بالتنسيق مع إيران.
إن مواقف مجلس حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة تكشف مدى خضوعه لسياسات الدول المعادية للبحرين وعدد من دول مجلس التعاون، كما توضح ذلك الحقائق التالية:
1. فشل العمل السياسي والتحرك الدبلوماسي الخليجي في تحقيق تقدم إيجابي في قضايا حقوق الإنسان التي تحدد مسار العلاقات (الخليجية الأمريكية)، خصوصاً في ظل الحملة الأمريكية الواسعة ضد عدد من دول مجلس التعاون نظراً للتغير الإستراتيجي والرؤية السياسية الجديدة لمنطقة الخليج بعد هجمات (سبتمبر2001).
2. عدم وجود (لوبي خليجي) في الكونغرس الأمريكي والمجالس البرلمانية الأوروبية يساعد على تعزيز نفوذ دول الخليج ويُظهر تأثيرها على القرارات السياسية في تلك المجالس، ويقدم الصورة الحقيقية لحقوق الإنسان والتطورات الإيجابية في مجالات المشاركة الشعبية في الحكم، ويبني علاقات صداقة قائمة على ركائز سياسية وإستراتيجية تضع المصالح المشتركة فوق أي اعتبار.
3. اتباع أمريكا لسياسة العمل الجماعي مع دول مجلس التعاون في القضايا السياسية والتجارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لتحقيق مصالحها الذاتية، واتباع نهج العمل الثنائي في قضايا حقوق الإنسان وتجاهل كل ما يقدم في هذا الشأن، وعدم التنسيق والتباحث للوصول إلى أنجع الحلول التي تحقق التقدم والتطور في هذا المجال، واتباعها سياسة الضغط السياسي المستمر وبناء التحالفات داخل أروقة مجلس حقوق الإنسان لإصدار البيانات المغلوطة والضغط على المفوض السامي للسير في ذات الاتجاه الذي يشجع على اعتماد الإرهاب كوسيلة لتحقيق الأهداف.
ومن خلال متابعتي لمجريات أعمال الدورة الحالية، وجدت تحركاً خليجياً جماعياً للتصدي لكلمة المفوض السامي، وموقفاً خليجياً يبشر بالخير لمستقبل مجلس التعاون وإعادة ترتيب أوضاعه وتثبيت دوره في المجلس، وهو ما يتطلَّب:
- إعداد إستراتيجية خليجية موحدة لحقوق الإنسان.
- تفعيل لجنة حقوق الإنسان بالمجلس على أسس من الاستقلالية ومنحها صلاحيات أوسع في الرقابة لتقديم تقارير موثوق بمصداقيتها ومعتمدة ومنسجمة مع المعايير الدولية.
وقد تكون القمة الخليجية المقرر عقدها في مملكة البحرين في (ديسمبر 2016) فرصة لتحقيق ذلك كخطوة جادة في طريق حقوق الإنسان الذي استغل لتحقيق أهداف سياسية.
حمد أحمد عبدالعزيز العامر- عكاظ السعودية-