«شيتي»، بمجلة «نيوزويك» الأمريكية-
«ينبغي ألا يقع المجتمع الدولي في فخ الوفاء بالوعود التي قد تتحقق أو لا تتحقق، في حين يتجاهل بسهولة الواقع القائم على الأرض»، بهذه الكلمات حذر الأمين العام لـ«منظمة العفو الدولية» (أمنيستي) «سليل شيتي»، مما سماه «ازدواجية» ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان».
جاء ذلك في مقال لـ«شيتي»، بمجلة «نيوزويك» الأمريكية، تطرق فيه بالنقد إلى «ثياب الإمبراطورية الجديدة» التي يظهر الأمير «بن سلمان»، وكأنه يحاول إلباسها للمملكة، منتقدا ازدواجية الأمير الصاعد نحو العرش في الحديث عن «التغيير» من جهة، وتشديد قبضة القمع على الساحة الداخلية من جهة أخرى.
وقبل أيام، نشر نائب مسؤول «الأمم المتحدة» في منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية «أكاشايا كومار»، مقالا مماثلا في صحيفة «واشنطن بوست»، قال فيه إن «محاولات الإصلاح التي أعلن عنها بن سلمان، لا يمكن أن تغطي على سجل انتهاكاته لحقوق الإنسان ومسؤوليته عن الكارثة الإنسانية المتواصلة في اليمن»، داعيا «الأمم المتحدة» إلى فرض عقوبات عليه.
إصلاح غير كاف
وكتب «شيتي» في مقاله: «محمد بن سلمان في مهمة؛ وريث العهد السعودي لديه خطط كبيرة لمملكته المستقبلية: تعهد بتقويض أكثر من نصف قرن من المحافظة المتشددة، مقدما رؤية جديدة جريئة، حيث للشرطة الدينية سلطة أقل، وللنساء حرية أكبر»، بحسب ما نقلته صحيفة «العربي الجديد».
لكن «شيتي»، لا يرى أن ذلك وحده يكفي ليكون مؤشرا على تحولات مقبلة في المملكة، معقبا بسؤال استدراكي: «المقياس الحقيقي لما إذا كانت السعودية تتغير للأفضل ليس مساحة الأعمدة المليئة بالثناء في الصحف؛ بل كيف تبدو الحياة بالنسبة للسعوديين العاديين؟».
ويجيب كاتب المقال عن ذلك قائلا إن «السلطات السعودية قلصت بشدة من الحق في حرية التعبير، كما أنها، وبشكل منتظم، تضايق وتعتقل وتحاكم أي شخص يتجرأ على تقديم رأي مخالف».
وأضاف: «تلك السلطات التي لا تفكر مرتين قبل الحكم على مراهقين بالإعدام بسبب المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بينما التمييز الراسخ والمنهجي يظل واقعا يوميا للنساء والفتيات. الأمر ذاته ينطبق على الأقلية الشيعية في البلاد، التي تعامل أساسا معاملة مواطنين من الدرجة الثانية».
علاقات عامة
وإزاء هذه الصورة القاتمة داخليا، يريد «بن سلمان»، كما يرى الكاتب، أن «ينظر إليه باعتباره قوة دافعة للتغيير»، ومع ذلك، «ينبغي ألا يقع المجتمع الدولي في فخ الوفاء بالوعود التي قد تتحقق أو لا تتحقق، في حين يتجاهل بسهولة الواقع القائم على الأرض».
ومع حملة الاعتقالات في السعودية، المستمرة بشكل متواتر حتى اليوم، والتي لم تستثن أيا من فئات المجتمع تقريبا، إذ طاولت صحفيين ونشطاء ونقادا وكتابا وشعراء وعلماء دين وأشخاصا عاديين وأمراء؛ يرى «شيتي» أنه ليس ثمة «سبب كاف للاعتقاد بأن تصريحاته (بن سلمان) ليست أكثر من مجرد ممارسة للعلاقات العامة».
ومنذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جرى احتجاز عشرات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، على خلفية تحقيق تجريه لجنة جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، بينما لم يستبعد مراقبون أن يكون من بين أهداف الحملة القضاء على أي معارضة من داخل الأسرة، لتولي الأمير الشاب السلطة.
حقوق الإنسان
ويعتقد المسؤول الحقوقي، أن «بن سلمان»، تماما كأسلافه، «يبدو عازما على سحق حركة حقوق الإنسان في المملكة».
دلل على ذلك بحالتي «عبدالعزيز الشبيلي» و«عيسى الحامد»، العضوين المؤسسين لـ«جمعية الحقوق المدنية والسياسية» في السعودية، واللذين اعتقلا في سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية «إبلاغ منظمتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، وتقديم المساعدة القانونية لأسر المحتجزين دون تهمة».
ورغم إقرار الكاتب بأن قرار السماح للمرأة بالقيادة يعتبر «خطوة إيجابية إلى الأمام»، يحذر من أن ذلك قد يكون بغرض تشتيت الأنظار عن عمليات القمع الجارية، مشيرا إلى أن «السلطات اختارت أن يكون موعد الإعلان عن قيادة المرأة في الشهر الذي تمت فيه الاعتقالات»، ثم بعد ذلك، «هؤلاء النساء أنفسهن تلقين مكالمات هاتفية تحذرهن من التعليق علنا على التطورات، وإلا فسيتعرضن للاستجواب».
حرب اليمن
لكن كبرى «العلامات التحذيرية» على أن السعودية لا تنوي أخذ حقوق الإنسان على محمل الجد؛ وفق تقدير الكاتب، هي حربها في اليمن المجاورة، واستمرارها في اتباع سياسة العقاب الجماعي رغم التحذيرات من مجاعة محدقة، بحسب قوله.
وختم الأمين العام لـ«أمنيستي» مقاله بالقول: «السلطات السعودية ليست حريصة على أن يرى العالم الخارجي كيف تشن هذه الحرب، ومع ذلك، بدأت الصور تتوالى تباعا، إنها هذه الصور، فضلا عن تلك التي للإصلاحيين الحقيقيين في المملكة ووراء القضبان، التي حري بنا أخذها في الاعتبار حينما نفكر المرة القادمة بأي تأييد عرضي لجهود ولي العهد الجديد في إحداث الإصلاح».
ومنذ نحو 3 أعوام، تشهد اليمن حربا عنيفة بين القوات الحكومية الموالية للرئيس «عبدربه منصور هادي»، المدعومة من قوات «التحالف العربي» من جهة، ومسلحي جماعة «الحوثي» المدعوم من إيران من جهة أخرى.