وكالات-
اتخذت العلاقات السعودية الإسرائيلية منحى جديدا عام 2017، خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للمملكة الصيف الماضي وصعود نجم ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان».
وبدأت هذه العلاقات للظهور على الساحة، بعدما كشفت وكالة الصحافة الفرنسية «أ ف ب» أن المسؤول السعودي الذي زار (إسرائيل) سرا في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان».
وكانت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أكدت في 7 من سبتمبر/أيلول المنصرم «أن أميرا من البلاط الملكي السعودي زار (إسرائيل) سرا، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام».
أول مقابلة مع صحيفة سعودية
تحسن العلاقات السعودية الإسرائيلية لم يقف عند حد الزيارات السرية، إذ أجرى رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي الجنرال «غادي إيزنكوت»، أول حوار لمسؤول إسرائيلي مع صحيفة سعودية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقال «إيزنكوت» في مقابلة مع موقع «إيلاف» السعودي: «نحن مستعدون لتبادل الخبرات مع الدول العربية المعتدلة، وتبادل المعلومات الاستخبارية لمواجهة إيران».
وأكد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، أن «هناك توافقا تاما بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية التي لم تكن يوما من الأيام عدوا، وأعتقد أن هناك توافقا تاما بيننا وبينها بما يتعلق بالمحور الإيراني».
الصحيفة ذاتها التي لم تجد حرجا في إجراء حوار مع مسؤولين إسرائيليين، وجه وزير الاستخبارات الإسرائيلي «يسرائيل كاتس»، دعوة عبرها إلى «محمد بن سلمان» في مقابلته معها.
وصرح «كاتس» لـ«إيلاف»، منتصف الشهر الجاري، بأن (إسرائيل) ستكون سعيدة باستضافة ولي العهد السعودي، بعد أن ترددت شائعات حول التقارب بين البلدين على مدى عدة أشهر.
وبعد نشر المقابلة، قررت «إيلاف»، عدم إدراج الدعوة وسرعان ما عدلت المقالة، إلا أن وسائل الإعلام كانت قد رصدت الدعوة وانتقدتها.
علاقات سرية
ويبدو أن العلاقات بين المملكة و(إسرائيل)، خرجت من الغرف السرية لتظهر إلى العلن، خاصة بعد التصريحات المثيرة للجدل من الجانبين في الآونة الأخيرة.
وهو ما كشفه وزير الطاقة الإسرائيلي، «يوفال شتاينيتس»، أن (إسرائي) تقيم علاقات سرية مع دول عربية معتدلة بينها السعودية.
وقال في تصريحات صحفية، «لدينا صداقات مع دول إسلامية وعربية كثيرة والمعني بإخفائها هو الطرف الثاني»، مؤكدا «نحترم رغبة دول عربية في الإبقاء على سرية العلاقات معنا».
مسلسل التصريحات تواصل، لكن هذه المرة مع وزير الدفاع الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان»، الذي أشار إلى أن السعودية أدركت أن عدوها ليس (إسرائيل)، وإنما إيران وأتباعها.
وأضاف في حديث إذاعي، مطلع الشهر الجاري: «السعودية فهمت في نهاية المطاف، أن الذي يهددها ليست الصهيونية ولا (إسرائيل)، وإنما إيران وأتباعها»، لافتا إلى أن «العالم العربي أدرك أن الدولة الإسلامية والقاعدة هما الخطر الحقيقي».
«تيران وصنافير»
تحسن العلاقات لم يقف عند حد تصريحات المسؤولين، بل وصل إلى بعض التغييرات التي شهدتها المنطقة، لعل من ضمنها اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي «تيران وصنافير» من مصر إلى السعودية، ما يخلق وضعية جديدة في البحر الأحمر، هي أكثر أريحية لـ(إسرائيل)؛ لأن مضيق تيران –الذي تعبر منه السفن الإسرائيلية باتجاه ميناء إيلات– كان خاضعا للسيادة المصرية بالكامل، أما الآن فقد تحول إلى ممر دولي، كما يرى المحلل السياسي الإسرائيلي «إيلي نيسان».
صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أشارت إلى أن الاتفاق المصري – السعودي حول جزيرتي «تيران وصنافير»، وموافقة تل أبيب عليه، يشير على الأرجح إلى «استمرار الاتصالات السرية والمصالح المشتركة ما بين السعودية و(إسرائيل)».
وراجت مؤخرا الكثير من الفرضيات والإشارات إلى قرب التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى أساسه سيكون هناك تطبيع كامل بين الدول العربية والإسلامية و(إسرائيل).
«ردود أفعال»
التطبيع المعلن بين البلدين ظهر جليا في ردود أفعال الإعلاميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، والذين انقسموا مع التطبيع ما بين مؤيد ومبرر، ورافض له.
وغرد الكاتب السعودي «تركي الحمد»، قائلا: «الرياض أهم من القدس، عفوا يا صاحبي.. لم تعد القضية تهمني.. فقد أصبحت قضية من لا قضية له.. مصدر رزق للبعض وإضفاء شرعية مزيفة لتحركات البعض».
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الكاتب والمحلل الاقتصادي السعودي، «حمزة محمد السالم»، طالب بالتطبيع، والسماح بزيارة (إسرائيل) للسياحة، مؤكدا أنها ستكون «الوجهة الأولى للسعوديين».
وأكدت الموقف ذاته الناشطة والكاتبة السعودية، «سعاد الشمري»، التي قالت: «60 عاما أشغلتنا الحكومات العربية بالقومية المزيفة وعداء (إسرائيل)، آن الأوان لنجرب السلام والتعايش».
كما دعا الكاتب السعودي، «أحمد بن سعيد القرني»، بفتح سفارة إسرائيلية بالمملكة مع تمثيل دبلوماسي عالي، قائلا: «اليهود يكنون لنا الاحترام، ولم يعتدوا علينا، أو يفجروا في بلدنا، وأدعوا الملك إلى فتح سفارة وتمثيل دبلوماسي عالي».
كما ظهر هذا التطبيع جليا في لقاءات الأمير «تركي الفيصل» الأخيرة وظهوره بمؤتمرات إسرائيلية داخل المعابد اليهودية في الولايات المتحدة وتمنيه فتح سفارة إسرائيلية في الرياض قريبا.
كما أعلن رئيس وزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» عن وصول العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية، ومنها السعودية، إلى مرحلة غير مسبوقة.
دعوات التطبيع المتصاعدة من إعلاميين سعوديين، والتي ترافقت مع الصعود السريع لسلطة ولي العهد، ««محمد بن سلمان»»، تصدى لها بشدة ناشطون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشمل ذلك، وسمين تم تدشينهما على «تويتر»، الأول باسم «#ابن_سلمان_صهيوني»، والثاني باسم «سعوديون ضد التطبيع»، وعبرهما أكد ناشطون رفضهم لسياسات ولي العهد، واعتقاله للعلماء، ومحاولاته التطبيع العلنية التي باتت قاب قوسين أو أدنى، ومحاربته لحركات المقاومة.
وكشفوا عن أن النظام يعمل على الترويج للتطبيع مع (إسرائيل) بدعوى مواجهة إيران و«حزب الله» و«الحوثيين».
وأشاروا إلى أن المملكة ستخطو خطوات عدة نحو هذا القرار يبدأ بتجهيز الإعلاميين في الصحف والقنوات التلفزيونية لطرح إمكانية التطبيع، وتجهيز عدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي لطرح ومناقشة الموضوع، على اعتباره أمرا طبيعيا.
وعبر وسم «سعوديون ضد التطبيع»، غردت «نهى البلوى»، قائلة: «سنبقى ضد الكيان الصهويني المحتل، غير معترفين به كدولة، رافضين التعامل معه، وعاملين على سقوطه وفناءه».
تحالف غير مريح
ووصفت شبكة «إن بي سي» الأمريكية الدفء في العلاقات السعودية - الإسرائيلية بـ«السر المعلن»، معتبرة هذا التحالف «غير مريح» وقائما على مواجهة التأثير الإيراني بالشرق الأوسط.
وقالت كاتبة التقرير «فيفيان سلامة» إنه «مع محاولات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الدفع باتجاه تحالف معاد لإيران تقدم إسرائيل نفسها على أنها حليف مستعد وبتشجيع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب».
وأضافت «سلامة» أن الشهية لتطوير علاقات بين حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة زادت مع تلاقي المصالح الأمنية المشتركة بينها، فيما تنظر (إسرائيل) والسعودية إلى التأثير الإيراني على أنه تهديد وجودي، وتريدان محو جماعات إسلامية متشددة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات وكيلة لإيران مثل «حزب الله».
وقال مسؤول أمريكي شهد اجتماعا وراء الأبواب المغلقة بين الإسرائيل يين والسعوديين قبل فترة، إن لقاءات كهذه غير رسمية تجري منذ 5 سنوات على الأقل.