يوسف حسني - الخليج أونلاين-
ارتفعت وتيرة أحكام الإعدام في البحرين بشكل غير مسبوق خلال الشهور القليلة الماضية، رغم الانتقادات الواسعة والمطالبات المستمرة بوقف العقوبة التي باتت تثير قلق المنظمات الدولية، فضلاً عن انتقادات مماثلة لأحكام السجن الكبيرة ولأوضاع حقوق الإنسان المتردية في البلاد.
ومنذ الـ25 من ديسمبر 2017، أصدرت السلطات البحرينية أحكاماً بإعدام تسعة متهمين، فضلاً عن أحكام أخرى بإسقاط الجنسية والسجن لمدد تتراوح بين 10 و25 عاماً، وهو ما استجلب إدانة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ودفعها إلى مطالبة المنامة بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة.
الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهي مُنظمة دولية غير حكومية معنية بحقوق الإنسان تحت مظلتها 178 منظمة من 120 دولة، دانت بشدّة موجة أحكام الإعدام غير المسبوقة في تاريخ البحرين، مطالبة سلطات المنامة بإلغاء هذه العقوبة فوراً.
وقالت الفيدرالية، في بيان الجمعة (2 فبراير 2018)، إن البحرين "شهدت زيادة هائلة في إصدار أحكام الإعدام منذ عام 2017، حيث تشكّل أحكام الإعدام الأخيرة عودة خطرة بعد توقّف تطبيق الإعدام منذ عام 2010".
ورأت نائبة رئيس الفيدرالية، فلورنس بليفييه، أن تزايد إصدار أحكام الإعدام في البحرين يثير قلقاً بالغاً، "إذ إنه يكشف عن ممارسة تمييزية وسياسة غير إنسانية، بالإضافة إلى كون الإجراءات المتخذة تنتهك الحق في محاكمة عادلة"، مشدّدة على أن "الإعدام يستخدم كأداة سياسية".
وطالبت الفيدرالية حكومة البحرين بإلغاء التعديل الدستوري الذي صدر في 3 أبريل 2017، وإعادة المادة 105 من الدستور البحريني إلى حالتها السابقة، لضمان عدم محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية.
كما طالبت أيضاً بفتح تحقيق مستقل في جميع الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات، لا سيما الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة، واعتماد المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدتها الأمم المتحدة في العام 1985.
- محاكمة المدنيين عسكرياً
وفي فبراير 2017، صادق مجلسا الشورى والنواب البحرينيان بالأغلبية على تعديل دستوري يسمح بمحاكمة المدنيين المدانين بالإرهاب أمام القضاء العسكري، وهو ما صادق عليه ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة، في 3 أبريل من العام نفسه.
وفي يناير 2017، أعدمت البحرين ثلاثة مواطنين دينوا بقتل ثلاثة من رجال الشرطة، من بينهم ضابط إماراتي، في هجوم بعبوة متفجرة عام 2014.
وكان القضاء البحريني قد أصدر سلسلة من أحكام الإعدام خلال الأسبوع الماضي، ليرتفع عدد المحكوم عليهم بالإعدام في البحرين إلى 22 مواطناً في غضون عام.
وفي 25 ديسمبر 2017، قضت المحكمة العسكرية الكبرى في البحرين بإعدام 6 متهمين، من بينهم جندي، بعد إدانتهم بتهم من بينها تشكيل خلية إرهابية، والشروع في اغتيال القائد العام لقوة الدفاع، الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، وفقاً لما نشرته وكالة أنباء البحرين.
وكان هذا أول حكم صادر عن محكمة عسكرية في قضية يحاكم فيها مدنيون، بعد التعديل الدستوري المشار إليه.
وأضافت الوكالة أن المحكمة حكمت على 7 أشخاص آخرين في القضية بالسجن 7 سنوات، وأسقطت عنهم الجنسية، في حين برأت 5 أشخاص. وشملت القضية 18 متهماً، حوكم 8 منهم غيابياً لهروبهم إلى العراق وإيران، ولدى من ثبتت إدانتهم الحق في الطعن على الحكم بمحكمة الاستئناف العسكرية العليا.
وتتهم البحرين إيران بمساندة أنشطة مسلحين فيها وهو ما تنفيه طهران.
وفي الـ27 من ديسمبر 2017، قال رئيس نيابة الجرائم الإرهابية في البحرين، أحمد الحمادي، إن المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة قضت بالسجن المؤبّد بحق 10 أشخاص، وإسقاط الجنسية عنهم، إلى جانب متّهم آخر قضت بسجنه 10 سنوات؛ لإدانتهم بعدة تُهم، بينها تأسيس جماعة إرهابية، وصناعة المتفجرات والأسلحة.
وأضاف في تصريح لـوكالة الأنباء البحرينية، أن المحكمة "أصدرت حكماً بالسجن المؤبّد (25 عاماً) بحق 3 أشخاص في قضية تصنيع وحيازة المتفجرات والأسلحة، بمستودع بمنطقة النويدرات، مع تغريمهم 300 ألف دينار (795 ألف دولار)".
وقضت المحكمة بنفس العقوبة بحق 7 متهمين آخرين في القضية نفسها، والسجن 10 سنوات للمتهم الحادي عشر، وإسقاط الجنسية عن المتهمين الـ11.
وأشار إلى أن "المتهمين أُدينوا بعدة تهمٍ؛ بينها تأسيس والانضمام إلى جماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون، وحيازة وإحراز وصناعة المتفجرات والأسلحة، وحيازة أسلحة نارية، والتدريب على استعمال الأسلحة وصناعة المتفجرات، وجميعها تنفيذاً لأغراض إرهابية".
ويحاكم 7 متهمين في القضية حضورياً، في حين لا يزال 4 هاربين، ويعد هذا الحكم ابتدائياً يمكن الطعن عليه بالاستئناف.
وأشارت وكالة أنباء البحرين إلى أنه ثبت خضوع 4 متهمين في القضية "للتدريبات العسكرية على استخدام الأسلحة وصناعة المتفجرات، من أجل ارتكاب أعمال الجماعة الإرهابية في كتائب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله العراقي".
وفي سابقة من نوعها منذ تأسيسها قبل 7 سنوات، أيّدت محكمة التمييز العسكرية في البحرين، في الـ10 من يناير 2018، حكماً بإعدام عسكري أُدين بتهمة قتل.
وأصدرت المحكمة هذا القرار، بحسب جريدة "الأيام" البحرينية، بعد إحالة حكم استئنافي عليها، في قضية عسكري تُوبع بتهمة القتل العمد، في أعقاب قتل صديق له في يناير 2017، إثر توجيه طلقة نارية لجسده، في حين ساعده ابنه على إخفاء الجثة.
وتعد محكمة التمييز العسكرية أعلى درجات المحاكم العسكرية بالبحرين، وحكمها نهائي، وأُنشئت في نوفمبر 2010.
ولأن الحكم الصادر في ديسمبر ابتدائي، يمكن للمحكوم عليهم استئنافه أمام محكمة الاستئناف العسكرية العليا، كما لهم حق الطعن بعد ذلك أمام محكمة التمييز العسكرية.
ومؤخراً، قضت محكمة بحرينية، 13 يناير 2018، بإعدام شخصين وسجن 56، وإسقاط الجنسية عن 47 آخرين؛ بعد أن أدانتهم بتشكيل "جماعة إرهابية".
وقال رئيس النيابة، حمد شاهين، القائم بأعمال رئيس نيابة الجرائم الإرهابية: إن "المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة أصدرت حكماً اليوم بحقّ 60 متهماً في واقعة تشكيل جماعة إرهابية".
وأضاف: إن "المحكمة قضت بمعاقبة اثنين من المتّهمين بالإعدام، وبالسجن المؤبّد لـ19 آخرين، و15 عاماً بحقّ 17 آخرين، و10 سنوات بحقّ 9، و5 سنوات بحقّ 11 متهماً، فيما قضت ببراءة متهمين اثنين، وإسقاط الجنسية عن 47 من المدانين"، بحسب وكالة الأنباء البحرينية.
وواجه المدانون تهم القتل والشروع بقتل أفراد شرطة عمداً تنفيذاً لأغراض إرهابية، وهروب المتهمين بعد القبض عليهم، ومساعدة متّهمين محكومين على الهرب. كما أُدينوا بالمشاركة في تهريب 10 من المحكومين من مركز الإصلاح والتأهيل بسجن (جو) جنوب شرقي البلاد، مطلع يناير 2017، ما أسفر عن مقتل أحد رجال الشرطة من قوة حراسة السجن.
وأُدين بعض المتّهمين باغتيال أحد ضباط الشرطة بمنطقة البلاد القديم، في 28 يناير2017.
وكانت نيابة الجرائم الإرهابية في البحرين أعلنت، في 26 يوليو الماضي، إحالة 60 شخصاً، بينهم 36 متهماً رهن الاحتجاز، و24 هاربون، إلى القضاء لمحاكمتهم بتهم مرتبطة بـ"الإرهاب"، وتهريب مساجين بسجن "جو".
- تنكيل بذوي المعارضين
وفي 3 فبراير 2018، اتهم ناشط حقوقي بحريني حكومة المنامة باعتقال عدد من أفراد أسرته لإجباره على وقف نشاطه، مؤكداً أنه لن يسمح لهم بكسر إرادته. وقال الناشط الحقوقي سيد أحمد الوداعي، في مقابلة مع وكالة "رويترز" للأنباء، إن السلطات البحرينية، التي جرَّدته من جنسيته، اعتقلت أفراداً من أسرته وعذَّبتهم بغية إسكاته.
وأوضح الوداعي (31 عاماً)، الذي يعيش منفياً في لندن، أنه يتحدث باسم مئات الشخصيات المعارضة التي كممت السلطات أفواههم وزجَّت بهم في السجن.
وأضاف: "من الواضح تماماً أن الأعمال الانتقامية بحق عائلتي ستتوقف فور وقفي عملي، لكن هل سأسمح لهم بكسر إرادتي؟ هل سأسمح لهم بكسري باستخدام تلك الأساليب القاسية؟ أم سأجعل الأمر مكلِّفاً لهم ولسمعتهم ولشركائهم الذين سيرتبطون بفاسدين ينتهكون حقوق الإنسان؟".
ويعتقد الوداعي أن القضية ضد أقاربه دافِعها نشاطه في حقوق الإنسان، وخاصةً الاحتجاج الذي شارك فيه في 2016 ضد حضور عاهل البحرين عرضاً ملكياً للخيول في بريطانيا.
وتابع: "يلقون باللوم في الوضع على إيران؛ لجعله يبدو كأنه مشكلة طائفية، وليس الديمقراطية ضد الديكتاتورية، وهو السياق الحقيقي للوضع في البحرين".
وذكر الناشط البحريني أن زوجته احتُجزت وخضعت للاستجواب بخصوص أنشطته وتحركاته، في حين كانت هي وابنهما الصغير يغادران مطار البحرين للانضمام إلى الوداعي في لندن.
ورداً على هذه الاتهامات، قال متحدث باسم الحكومة لـ"رويترز"، إن أي مزاعم بانتهاكات على يد قوات الأمن يمكن إحالتها إلى محقق ينظر فيها بشكل مستقل.
وفي الـ4 من فبراير 2018، انتقدت "هيومن رايتس ووتش" قيام السلطات البحرينية بترحيل مواطنين بعد تجريدهم "تعسفياً" من جنسياتهم. وذكرت المؤسسة الحقوقية الدولية أن السلطات البحرينية رحّلت 8 بحرينيين، بعد أن نزعت منهم جنسيتهم في 29 يناير الماضي، بناءً على قرار من محكمة الاستئناف بتهمة "الإضرار بأمن الدولة".
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "سقطت ادعاءات السلطات البحرينية بالتعددية والتسامح مع المعارضة، مع نزعها الواضح لجنسية مواطنين لا ترغب فيهم".
وأضافت ويتسن: "من خلال معاقبة المدافعين الحقوقيين، الناشطين السياسيين، الصحفيين وعلماء الدين بعمليات نزع الجنسية والترحيل التعسفية، تجعل السلطات البحرينية المحاكم أداة صورية في سعيها لخنق المعارضة بالكامل".
وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الأمير زيد بن رعد الحسين، انتقد في يونيو 2017 البحرين على رفضها السماح للمقررين الخاصين بزيارة البلاد منذ خمسة أعوام.
وقال في كلمة ألقاها خلال افتتاح الجلسة الـ35 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف إن البحرين هي واحدة من الدول التي لم تسمح للمقررين الخاصين بزيارة البلاد منذ 5 أعوام، ولديها أكثر من 5 طلبات متراكمة للمقررين الخاصين.
وتقول الحكومة البحرينية إنها تواجه خطراً من مسلحين مدعومين من إيران، مشيرة إلى وقوع هجمات بالقنابل وإطلاق النار على قوات الأمن خلال السنوات السبع الماضية.