من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
في هذه الحلقة -السابعة عشرة- تفضح الوثائق السرية السعودية كيف سخر النظام السعودي إمكاناته المالية بل وصفقاته العسكرية والتجارية الفاسدة ؛ ومارس ضغوطا دبلوماسية مكثفة مع الدول الغربية من أجل تسليم المعارضين للنظام الموجودين في الخارج والتضييق عليهم ؛ وذلك على غرار أي نظام ديكتاتوري قمعي لا يحترم حقوق الإنسان ؛ ولا يؤمن بثقافة الرأي والرأي الآخر؛ ومع كل ذلك فشل في تحقيق الكثير لاصطدامه بدساتير راسخة قوية وقضاء حر نزيه في معظم الدول الأوروبية؛ حالت دون تسليم هؤلاء المعارضين إلى هؤلاء الطغاة.
وتكشف الوثائق أيضا أن الحماقة وصلت بهذا النظام ورموزه على مدى عقود بان ظن أن صانعي عرشه البريطانيين يبيتون له الشر؛ وان قبولهم بوجود بعض المعارضين على أراضيهم هو نوع من النكاية والمكايدة السياسية وورقة للضغط على نظام المملكة.
بينما كشفت برقيات ووثائق سرية أخرى أن الحكومة البريطانية ممثلة برئيس وزرائها نقلت إلى كبار المسؤولين في السعودية مخاوفها من قيام المعارض السعودي الشهير سعد الفقيه بتحريك دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية إذا ما تدخلت وأرجأت تنفيذ قرار رفع اسمه من القائمة السوداء.
كارثة النظام السعودي وحماقاته المتلاحقة في ملف حقوق الإنسان إذن انه لم يستوعب ولن يستوعب ان هناك أنظمة وقوانين صارمة وقضاء عادل وحر في الدول الأوروبية؛ يقدس ويحترم حقوق الإنسان بل ويدافع عنها ؛ وأولها حقه في التعبير والاختلاف في الرأي. وتقيد في هذا السبيل الحكومات وتحظر التعدي وممارسة السلطات خارج القانون.
محاولات لإرضاء الغرب
وهكذا فشل النظام السعودي فشلا ذريعا في القضاء على المعارضين له بالخارج؛ بل أنهم راحوا يتزايدون يوما بعد يوم. ونتيجة الإلحاح والنصائح الأمريكية والبريطانية حاول النظام السعودي خلال العشرية الأخيرة؛ أن يلعب دور المصلح والمعارض لأنظمة الفساد في البلاد!..ظنا من الرياض أنها بذلك سوف تعري المعارضة وستسحب البساط من تحت أقدام رموزها بالخارج؛ الذين يتهمون النظام بالفساد والإفساد في البلاد ليقطع بذلك النظام الطريق عليهم ؛ ويفرغهم من الحجج التي يستخدمونها كسلاح في وجه النظام السعودي.
وفى سبيل أن تنطوي تلك الحيلة على الغرب قام النظام السعودي بإنشاء هيئة رسمية شكلية ومزعومة لحقوق الإنسان تابعة له؛ ومهمتها الدفاع عن جرائم النظام وتبرير أفعاله وممارسات وزارة الداخلية وتجاوزاتها غير الإنسانية ؛ لتكون واجهته أمام الدول الغربية والمنظمات الحقوقية؛ ولذلك لم يكن غريبا أن تسقط وتفلس تلك الهيئة منذ أسبوعها الأول؛ بعد أن تفرغت لتجميل صورة النظام بالخارج ؛ بدلا من الدفاع عن حقوق المواطن السعودي.
ولم تكتف مسرحيات النظام السعودي بهذا الحد ؛ بل أنها امتدت إلى إطلاق وتأسيس هيئة هزيلة أخرى لمكافحة الفساد تحمل اسم(هيئة النزاهة) ؛ زاعمين أنها وجدت لمحاربة الفساد المالي والإداري في المملكة ؛ ولكنها بدلا من استئصال فساد رموز النظام وكبار مسؤوليه الذين استشرى بصورة مفزعة وبالمليارات في كافة مؤسسات البلاد ؛ سلطت الهيئة سيفها وسهامها على صغار الموظفين وهكذا سقطت تلك الهيئة في مهمتها بعد أن تجاهلت فساد النظام.
مسرحية نساء الشورى
ثمة أمر أخر تفضحه الوثائق لتجميل وجه النظام وتنظيف ملفه الحقوقي؛ وهو تعيين النظام لبعض النساء اللاتي تم اختيارهن بعناية شديدة للتمتع بعضوية مجلس الشورى الصوري؛ الأمر الذي صار محل سخرية من المعارضة وكثير من العواصم الغربية التي طالبت بمجلس شورى منتخب؛ وله صلاحيات فعلية لا صورية بحيث تكون توصياته ملزمة للنظام للحكومة.
وفى هذا السياق تؤكد الوثائق والمراسلات أن المعارضة في الخارج تحولت إلى صداع مزمن للنظام الذي لم يترك وسيلة للتخلص منهم. ولهذا فهناك برقيات وتقارير استخباراتية تتحدث عن نشاط رموز المعارضة وترصد تحركاتهم وتكيد لهم. ولعل أوضح نموذج لذلك كان سعد الفقيه الذي نجح النظام في وضع اسمه على قائمة السوداء الخاصة بالأمم المتحدة بعد أحداث11سبتمبر2001. ولذلك لم يكن غريبا أن يفقد النظام صوابه ويجن جنونه عندما تم تشكيل لجنة قضائية في مجلس الأمن وقررت رفع اسم سعد الفقيه من القائمة. بينما وردت باقي أفراد المعارضة في الخارج عرضا مثل الدكتور محمد المسعرى.
فشل هيئة حقوق الإنسان
وتفضح وثيقة موجهة من وزارة الخارجية السعودية إلى الهيئة السعودية حقوق الإنسان ومؤرخة بتاريخ 8/5/1433هجرى عجز الهيئة عن الدفاع عن بعض المعتقلين بالمملكة وتقديم الردود المناسبة للمنظمات الحقوقية الدولية أو حتى تحديد مصيرهم ؛ حيث تقول الوثيقة إن منظمة العفو الدولية تنتقد اعتقال ستة أفراد تم اعتقالهم على خلفية يوم الغضب الذي كان مخططا له يوم 26اغسطس 2011 وهو نفس عام اندلاع ثورات الربيع العربي.
وتكشف وثيقة أخرى كيف أن الرقابة والمتابعة والتضييق امتدت إلى أنشطة وكالات الأنباء العالمية ونقلها لأخبار المملكة ؛ كما حدث مع وكالة الصحافة الفرنسية التى بثت تقريرا يرصد تداعيات فيضانات جدة عام 2009بعنوان (جمعية سعودية تحمل الفساد السياسى مسؤولية الحصيلة المرتفعة لفيضانات جدة).
ومن صور قمع الفكر والرأى الآخر تكشف وثيقة موجهة من وزارة الخارجية إلى الديوان الملكي بشأن ملاحقات السلطات للمعارض سعد الفقيه وأنشطته حيث ترصد الوثيقة مقالا نشره في صحيفة الجارديان بتاريخ 5/4/1433هجرى بعنوان (الجزيرة العربية تنتظر ثورتها) ؛ وتقترح الوثيقة مقاضاة الصحيفة.
كما تفضح إحدى الوثائق ملاحقة غير السعوديين في الخارج من الذين يتعاطفون مع أفكار المعارض سعد الفقيه مثلما تحدثت الوثيقة الموجهة من قنصلية المملكة في أوكلاند بشأن المدعو فاضل بن حسين الشريف سوري الجنسية الذي تم تحذير الطلبة السعوديين الدارسين هناك من التعامل معه.
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا