الخليج أونلاين-
كمن يحاول إخفاء خيبته أسرعت السعودية والإمارات إلى الترحيب باتفاق مدينة الحديدة، واللتان فشلتا -في تحالفهما الذي استمرّ نحو 4 سنوات- في إحكام السيطرة على المدينة التي تضمّ ميناءً استراتيجياً.
فمطامع الدولتين الخليجيتين في المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر دفعتهما إلى إطلاق حملة عسكرية، في سبتمبر 2018، لكنها اصطدمت بمعارضة جهات دولية وحقوقية.
وبعد إعلان التوصل إلى اتفاق بين أطراف النزاع في اليمن، برعاية أممية في السويد، خرجت الرياض وأبوظبي، اللتان تمثّلان عنصراً مهماً في الصراع في البلد الفقير، مرحّبتين بنجاح المشاورات، وهو ما اعتُبر بمنزلة تأكيد فشل تحالفهما.
الرياض وأبوظبي ترحبان
وعن موقف الإمارات قال وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، على "تويتر": "نرحّب باتفاق السويد (الحديدة)، ونرى نتائج الضغط العسكري الذي مارسته قوات التحالف العربي والقوات اليمنية على الحوثيين في الحديدة يؤتي ثماره".
أما سفير السعودية لدى اليمن، محمد آل جابر، فقال إن الاتفاقات التي دعمتها الأمم المتحدة بين طرفي الحرب في اليمن "تُلزم قوات الحوثيين بالانسحاب من ميناء ومدينة الحديدة".
وأضاف آل جابر: إن "الاتفاقات لم تُنشر علناً بالكامل"، مشيراً إلى أنه "بعد المحادثات فإن الحوثيين ملزمون بالانسحاب من الحديدة وتعز والإفراج عن آلاف المحتجزين".
بدوره قال سفير السعودية لدى واشنطن، خالد بن سلمان، في سلسلة تغريدات عبر "تويتر": "ترحّب المملكة بالاتفاق وتُشيد بجهود المبعوث الأممي، وهي خطوة هامة نحو استعادة الشعب اليمني لسيادته واستقلاله".
واعتبر أن تحالف الرياض وأبوظبي "تشكّل لحماية الشعب اليمني ودعم حكومته الشرعية، ولإنهاء الحرب والانقلاب والأزمة الإنسانية التي بدأتها مليشيا الحوثي"، على حد قوله.
وأضاف: "المملكة والإمارات هم أكبر المساهمين في خطة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن، وقد عمل التحالف منذ اليوم الأول لإغاثة إخواننا في اليمن عبر عدة مبادرات".
وبالنظر إلى كل التصريحات الواردة عن البلدين، فإنهما تحاولان إظهار دور للتحالف بنجاح المشاورات، في وقت تتوالى فيه الانتقادات الدولية لدور القوة العسكرية المشتركة بين أبوظبي والرياض في اليمن.
ترحيب مخالف للواقع
وتتعارض تصريحات هؤلاء مع الواقع الذي يشهده اليمن؛ إذ إن التحالف الذي تقوده بلادهما متّهم من قبل منظمات دولية وحقوقية بانتهاكات ضد المدنيين هناك، فضلاً على مئات الغارات التي استهدفت اليمنيين العزل.
وتسبّبت الحرب التي تشارك فيها الرياض وأبوظبي بأسوأ مجاعة في التاريخ الحديث، فضلاً عن تشريد ملايين اليمنيين، وانتشار الأوبئة والأمراض، وسط انعدام المنظومة الصحية والعلاجية.
وبعد 4 سنوات تقريباً من الحرب بين أطراف النزاع في اليمن، والتي كان التحالف العربي أبرزها، يبدو أنه فشل في تحقيق أهدافه، خاصة فيما يتعلّق بمحاولة السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي.
وحاول التحالف وقواته، على مدار الأشهر الماضية، السيطرة على الميناء عبر مجموعات مقاتلة مدعومة من الإمارات والسعودية، لكن ضغوط المجتمع الدولي أفشلت العملية العسكرية التي كانت ستتسبّب بوضع إنساني مزرٍ.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اليوم، توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق حول مدينة الحديدة، غربي البلاد، ومينائها الاستراتيجي، عقب مشاورات استمرت نحو أسبوع في السويد برعاية أممية.
واختُتمت اليوم جولة المشاورات الخامسة بمصافحة بين رئيسي وفدي؛ الحكومة اليمنية خالد اليماني، وجماعة الحوثيين محمد عبد السلام، وهو ما وصفه مراقبون بقرب انتهاء الأزمة.
ونجاح المشاورات يأتي بعد سنوات طويلة تخلّلتها محاولات أممية بدأها المبعوث السابق إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، لكن دون التوصل إلى حل أو اتفاق ملموس على الأرض.
ومع استمرار جهود الأمم المتحدة كانت تتواصل الانتهاكات ضد المدنيين من أطراف النزاع هناك، وهو ما خلّف مئات آلاف القتلى وملايين المشرّدين، فضلاً عن أسوأ مجاعة بالتاريخ الحديث.
خسائر بالمليارات
وكشفت مجلة "التايمز" البريطانية، مؤخراً، أن تقدير تكلفة الحرب في اليمن نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 72 مليار دولار سنوياً، و216 مليار دولار في ثلاث سنوات.
وتشير مصادر أخرى إلى أن المبلغ أكبر بكثير، في حين تقدّره "فورين بوليسي" بنحو 725 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى فقط، منها الصفقات العسكرية للمملكة.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد قدّرت الخسائر البشرية للمملكة بنحو 2500 جندي، و60 ضابط صف ومن الرتب العليا، مشيرة إلى أنه تم تدمير نحو 650 دبابة سعودية بمناطق نجران وجازان وعسير، ومئات العربات الأخرى.
وتمثّل المعارك في هذه المحافظات الحدودية نزيفاً حقيقياً للجيش السعودي، وترفع تكلفة الحرب على اليمن بمئات ملايين الدولارات، إضافة إلى أن الخسائر البشرية الكبيرة فيها تُحرج ولي العهد، محمد بن سلمان.
وفيما يتصل بالتداعيات الاقتصادية الإجمالية للحرب اليمنية على أطراف المعارك، قال الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، سابقاً لـ"الخليج أونلاين"، إن ما حدث في اليمن أثّر في مناخ الاستثمار في كل من السعودية وإيران.
وأضاف الصاوي: "تركت الحرب تأثيرات سلبية على الملاءة المالية (مصطلح اقتصادي) لكلا الطرفين (السعودية وإيران)، وهو ما يظهر في وضع المملكة بشكل كبير".
وأوضح: "تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي ليكون دون حاجز الـ500 مليار دولار، نهاية أغسطس 2017، إضافة لإقدام السعودية على الاستدانة الخارجية عبر إصدار سندات بنحو 12.5 مليار دولار بالسوق الدولية".
فشل في الحديدة
منذ مارس 2014، والسعودية تبرّر تدخّلها في اليمن بمحاولة استرجاع دور الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، واستعادة المناطق التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي.
وتقول السعودية أيضاً إن التدخل العسكري بمشاركة أطراف تربطها معها مصالح مشتركة جاء استجابة لطلب الحكومة اليمنية، والرئيس عبد ربه منصور هادي، المقيم في الرياض.
لكن ثمة أهداف كانت تحاول السعودية تحقيقها لضمان مصالحها مع اليمن الذي يشترك معها في الحدود الجنوبية للمملكة، فضلاً عن مخاوف السعودية من تغلغل إيران في البلد الجار، والتي تدعم مسلّحي الحوثي، كما تقول الرياض.
السعودية والإمارات تخفيان نوايا أبعد من "الخطر الإيراني"؛ إذ إنهما تريان في عدد من المدن اليمنية مصالح اقتصادية جمّة وتحاولان الوصول إليها متذرّعتين بحماية اليمن.
وكانت آخر عمليات التحالف الرامية إلى تحقيق مطامعه في الحديدة قبل شهرين؛ عندما شنّ حملة عسكرية على المدينة ومينائها دون أن تحقّق شيئاً هناك.
واصطدم ما كانت تصبو إليه الإمارات والسعودية بحائط دولي ضد العملية العسكرية، وسط تحذيرات أممية آنذاك من كارثة حقيقية كانت ستحدث إذا ما شن التحالف هجمة على الحديدة.
وفي نوفمبر الماضي، أكّد وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أن تحالف السعودية والإمارات في اليمن أوقف عملياته العسكرية في مدينة الحُديدة، وذلك بعد ضغط دولي زادت حدّته بعد جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.