الخليج اونلاين-
تحكم العلاقات الدولية قواعد قانونية وسياسية قائمة على احترام سيادة الدول في علاقاتها البينية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الأطراف، لكن الإمارات كسرت تلك القواعد، وجعلت من تدخلاتها وسيلة لإشعال الخلافات الداخلية في دول عربية مختلفة.
كانت ليبيا واحدة من الدول التي تضررت بسبب السياسات الإماراتية في المنطقة، حيث عرف التدخل الإماراتي في ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي، في فبراير 2011، تصاعداً مطرداً، خاصة بعد ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة، في مايو 2014.
وساهمت الإمارات في تفكيك ليبيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وسط صمت دولي على ذلك التدخل الذي وصل إلى استخدام ما تملك من قوة عسكرية لاستهداف المصالح المدنية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
آخر التدخلات
تؤكد تقارير للأمم المتحدة أن الإمارات -وإلى جانبها مصر- تقدمان دعماً عسكرياً لقوات حفتر، يُشكل خرقاً لحظر التسليح المفروض على ليبيا بموجب قرار للمنظمة العالمية.
ومنذ أيام، تستهدف غارات جوية تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، مواقع مدنية مختلفة أبرزها مطار مصراتة، الذي أحيلت إليه منذ سبتمبر الماضي، جميع الرحلات المدنية مع الاستهداف المتكرر لمطار معيتيقة الدولي، المدني الوحيد بطرابلس.
واتهمت قوات عملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة الليبية، على صفحتها في "فيسبوك"، في 5 أكتوبر، "الطيران المسيَّر الإماراتي بقصف مطار مصراتة رداً على استهداف قوات حكومة الوفاق لقوات حفتر ومقاتلين أجانب موالين له".
ويوم 7 أكتوبر الجاي، أعلنت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية أن الطيران الإماراتي المسير الداعم لقوات خليفة حفتر استهدف منطقة أبوغيلان في مدينة غريان جنوبي طرابلس، وفي الرابع من الشهر نفسه اتهمت حكومة الوفاق الوطني الليبية أيضاً "الطيران الإماراتي المسيَّر" بقصف أهداف "مدنية حيوية" في مدينة سرت (شرق)؛ دعماً لقوات حفتر.
شكوى في مجلس الأمن
وليل الخامس من أكتوبر 2019، أعلنت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، في بيان، أنها تقدمت باحتجاج رسمي لمجلس الأمن على قصف مليشيات حفتر مطاري معيتيقة ومصراتة، داعية المجلس إلى تحمل مسؤولياته ومحاسبة الدول الداعمة لحفتر في عدوانه على طرابلس.
وقالت الخارجية الليبية إن مجلس الأمن يقف مكتوف الأيدي أمام ما سمتها الجرائم التي ترتكبها "مليشيات حفتر"، التي كان آخرها قصف مطار مصراتة، ما أدى إلى إصابة أحد العاملين بجروح، وتضرر عدد من الطائرات المدنية.
ودعت الوزارة في بيانها مجلس الأمن إلى "تحمل مسؤولياته تجاه الشعب الليبي وردع المعتدي ومعاقبته ومحاسبة الدول الداعمة له".
ويعد مطار مصراتة الدولي الوحيد الذي يعمل غربي ليبيا، مع استمرار إغلاق مطار معيتيقة الدولي للشهر الثاني؛ إثر تعرضه للقصف الصاروخي، في الأول من سبتمبر الماضي، متسبباً في جرح مدنيين وإصابة طائرة ركاب ومدرج المطار.
اتهام من داخل الأمم المتحدة
في أواخر سبتمبر الماضي، ندّد رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، من على منبر الأمم المتحدة "بتدخّل" دول أجنبية في ليبيا، متهّماً خصمه اللواء المتقاعد خليفة حفتر بأنّه "مجرم متعطّش للدماء".
وقال السراج في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "من المؤسف أنّ دولاً أخرى تواصل التدخّل" في شؤون ليبيا، مسمّياً كلاً من الإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر، بحسب ما أوردته وكالة "فرانس برس".
وفي 9 سبتمبر الماضي، استنكر وزير الخارجية الليبي، محمد سيالة، موقف الإمارات "العدائي" بجعل عاصمتها منصة إعلامية لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للتحريض على طرابلس، مطالباً مجلس الأمن بالتدخل، وذلك بعدما عقد أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، مؤتمراً صحفياً في أبوظبي.
وفي رسالة قدمها سيالة إلى مجلس الأمن، الأحد، قال إن تصرف الإمارات "دعمٌ للمعتدين على العاصمة الليبية، وإعانة لهم على قتل الليبيين، ودعم لارتكابهم المزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب".
تحذير أممي
البعثة الأممية للدعم في ليبيا دعت، في السادس من أكتوبر 2019، إلى الوقف الفوري للهجمات التي تستهدف مطار مصراتة الدولي، عقب يوم من اتهام الحكومة الليبية الإمارات بقصف المطار.
وفي بيان نشرته البعثة عبر "تويتر"، أكدت أن الهجمات على المنشآت والبنى التحتية المدنية في البلاد "تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي".
وأضافت: "تدعو البعثة إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات التي لا معنى لها، وخاصة ضد مطار مصراتة المدني الوحيد المتبقي في غرب ليبيا، والذي يستخدمه الملايين من الليبيين".
1/2 في أعقاب تقارير إعلامية عن غارات جوية استهدفت مطار #مصراتة المدني، تحذر بعثة الأمم المتحدة للدعم في #ليبيا من أن الهجمات على المنشآت والبنى التحتية المدنية تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي ... pic.twitter.com/zE2COl1rWt
— UNSMIL (@UNSMILibya) October 6, 2019
وسبق أن عبر الممثل الخاص للأمين العام ورئيس البعثة الأممية في ليبيا، غسان سلامة، في مناسبات عديدة، عن إدانة البعثة للضربات المتكررة التي تستهدف مطاري معيتيقة ومصراتة، مؤكداً أن استمرار استهدافهما يرقى إلى "جريمة حرب".
مصالح القوى الكبرى
يؤكد الباحث في القانون الدولي، مرتضى عبد اللطيف، أن تضارب المواقف الدولية في ليبيا "يعود بالأساس إلى مصالح اقتصادية وتاريخية تربط الدول الفاعلة على الساحة الدولية بالملف الليبي".
وذكر الباحث الليبي، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن المجتمع الدولي لن يقوم بما هو أكثر من "دعوات وقف إطلاق النار وإدانة استهداف المواقع المدنية".
واستبعد في حديثه أي إجراءات قد يقوم بها مجلس الأمن ضد التدخلات الإماراتية، على غرار ما حدث في 2011، بفرض حظر جوي من قبل الناتو.
وأكد أن استدامة الصراع في ليبيا يعد من مصلحة القوى الدولية؛ "لأن الصراع في الأصل هو صراع دولي بأيادٍ ليبية، ولذلك لا يمكن التفكير بأي حال من الأحوال أن نرى موقفاً أممياً من الإمارات، حتى لو كان بإصدار بيان يندد بتلك الغارات والتدخلات ويذكر بالاسم أبوظبي".
كما أكد عبد اللطيف، أن مشاركة الطيران الإماراتي المسير في المعارك الدائرة بطرابلس "لم تعد سرّاً يخفى على أحد، وخصوصاً المجتمع الدولي، الذي يملك أدلة قطعية على ذلك".
ولم يستبعد الباحث الليبي أن تشن أبوظبي "قريباً ضربات جوية تنفذها طائرات الميراج الفرنسية"، مشيراً إلى أن فرنسا واحدة من الدول التي تقدم لأبوظبي الدعم العسكري ميدانياً والمعنوي في مجلس الأمن.
فرنسا داعمة للإمارات
الباحث الليبي المختص بالشؤون السياسية والاستراتيجية، محمود إسماعيل الرملي، يرى من جانبه أن الواقع على الأرض "هو أن الإمارات، بدعم فرنسي في مجلس الأمن، لا تريد الاستقرار أو بناء دولة ديمقراطية في ليبيا".
وحول أسباب الصمت الدولي إزاء التدخل الإماراتي في ليبيا قال المحلل السياسي في حديث لـ"الخليج أونلاين" إن ذلك يرجع إلى "ضعف أداء الخارجية الليبية من ناحية، والنفوذ الذي تحاول تكريسه الإمارات؛ من نشر فزاعات الإرهاب في إطار محاولات إنهاء ربيع الثورات العربية بخلق حركات تمرد مضادة".
وأكد أن الإرادة الدولية "كانت ضعيفة جداً في الملف الليبي وفي إدانة تدخل الإمارات أيضاً"، فضلاً عما وصفه بـ"التحيز الكبير" لرئيس بعثة الأمم المتحدة، غسان سلامة، لجبهة حفتر.
وكشف أن الدول الكبرى تبحث عن مصالحها؛ ولعل أهمها استقرار أسواق النفط بعد أزمة الخليج، وتوقف نصف صادرات السعودية، وإشكاليات إيران، إضافة إلى ملف الهجرة المعقد، ومكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن بعض تلك الدول ترى أنه بالإمكان تحقيق بعض مصالحها من خلال حفتر الذي تدعمه، والذي وصفه بأنه "بيدق ينفّذ ما يُطلب منه".