الخليج أونلاين-
مع تزايد انقطاع الاتصال مع المعارضين السعوديين المسجونين، واستهداف الأصوات المنتقدة داخل المملكة وخارجها، والانتهاكات المستمرة في اليمن، تواجه السعودية أزمة حقوقية على مستوى العالم أفقدتها الحصول على مقعدٍ في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي تعزف فيه السعودية على أوتار وجهها الحضاري وتجميل صورتها عبر القمم الدولية كـ"العشرين الافتراضية"، أو عبر الفعاليات الترفيهية والسياحية، تكشف العديد من التقارير الحقوقية والإجراءات الداخلية عن الوجه المقابل للصورة المُصدرة، حيث الاعتقالات والانتهاكات والقتل.
وتحول السجل الحقوقي المشين للمملكة إلى شبح يطاردها كلما حاولت تجميل صورتها الخارجية، على الرغم من استخدام نفوذها السياسي والمالي، ليطرح تساؤلات عن أبرز الأسباب التي حرمتها من الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان.
فشل في جنيف
بينما كانت السعودية تطمح للحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة يمتد لثلاثة أعوام، فشلت في 13 أكتوبر في الحصول على الأصوات اللازمة لشغل هذا المنصب أمام 4 دول أخرى من المجموعة الآسيوية.
وفي الاقتراع السري في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضواً حصلت باكستان على 169 صوتاً، وأوزبكستان على 164، ونيبال على 150، والصين على 139، والسعودية على 90 صوتاً فقط، بينما يتطلب الفوز الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة.
وعلى الرغم من خطط الإصلاح التي أعلنتها السعودية عارضت "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات حقوقية أخرى بشدة ترشيحها، قائلين إن المملكة تواصل ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين ونشطاء حقوق المرأة، ولم تظهر سوى قدر ضئيل من المساءلة عن الانتهاكات السابقة، بما في ذلك مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل عامين.
وقال لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في "هيومن رايتس ووتش"، في بيان صحفي: "لا ينبغي مكافأة عتاة المنتهكين بشغل مقاعد في مجلس حقوق الإنسان".
وأضاف: إن السعودية والصين "لم ترتكبا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بلديهما فحسب؛ بل حاولتا تقويض نظام حقوق الإنسان الدولي الذي تطلبان أن تكونا جزءاً منه".
انتهاكات بن سلمان
وضعت رؤية 2030 محمد بن سلمان في دور الإصلاحي فور إطلاقها في 2016، قبل تعيينه بمنصب ولي العهد عام 2017، غير أن التألق والأضواء والتقدم لصالح النساء والشباب السعوديين الذي شهدته المملكة كان وراءه واقع أكثر قتامة.
شنت السلطات خلال السنوات الثلاث سنوات الماضية سلسلة من حملات الاعتقال استهدفت بدايةً رجال دين بارزين، ومثقفين، وأكاديميين، ونشطاء حقوقيين، ثم رجال أعمال بارزين، وأفراداً من العائلة المالكة، وتم اتهامهم بالفساد، ثم أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في البلاد ومثقفين وكتّاباً بارزين.
ومن الانتهاكات التي سلطت الضوء دولياً على ما يحدث بالمملكة جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر 2020، وصولاً إلى الكشف عن محاولة اغتيال في كندا لسعد الجبري، مستشار ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف.
إضافة إلى ذلك فإن الاتهامات التي تلاحق السعودية بالتسبب بقتل المئات من المدنيين في اليمن في غارات جوية أصابت المنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد ما زالت مستمرة، واعتبرت جرائم حرب في القانون الإنساني الدولي.
نتيجة متوقعة
"ما حدث كان نتيجة متوقعة"، هكذا وصف مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، فشل السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان.
وأرجع سبب هذا الفشل إلى "استهتار السعودية في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان التي تتشعب"، مشيراً إلى أن ذلك لا يقتصر على انتهاكات تمارس داخل المملكة، "بل يمتد إلى خارجها، وفي مقدمتها حرب اليمن الحاضرة بقوة في الأروقة الدولية، في ضوء تكرار الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب عبر هجمات تشنها قوات التحالف والسعودية".
وأوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الرياض "لم تجرِ تحقيقات جدية تقنع المجتمع الدولي بالجرائم المرتكبة في اليمن من أجل مساءلة المسؤولين عنها وضمان عدم تكرارها"، مضيفاً: "نفس الأمر ينسحب على تعاطي السعودية مع محاكمة قتلة خاشجقي، شهدنا عملية تلاعب كبير في مسارات التقاضي مع من ارتكب هذه الجريمة".
وأشار إلى أن السعودية "اعتقدت أنه باستطاعتها الرهان على المصالح المتشابكة للدول معها، وهذا كان رهاناً خاسراً؛ لأنها اليوم تجني ليس في مجلس حقوق الإنسان ولكن في محافل دولية مختلفة"، لافتاً إلى ما حدث قبل أيام من فشل السعودية في تولي منصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، وما سبقه من إخفاقات بينها انسحابات في مجموعة العشرين، وفشل صفقة الاستحواذ على نادي نيوكاسل".
ويعتقد أن رهان الرياض "على تأثر الإرادة السياسية للدول بفكرة ترابط المصالح معها رهان خاسر؛ لأن السعودية لم تبقِ لهذه الدول مساحة من أجل تبرير أو اتخاذ مواقف تتماهى مع السياسة السعودية".
وأضاف: "هذه الدول تجد الهامش أمامها ضيقاً، والسعودية وضعت هذه الدول في موقف محرج لا يمكن في حال من الأحوال أن تتماهى مع تجاهل السعودية لالتزاماتها الدولية، وتعاطيها البارد وغير المسؤول مع الانتهاكات التي تمارسها بشكل كبير، سواء داخل البلاد أو خارجها".
انتقادات وصفعات مختلفة
وخلال 2020، شهدت السعودية صفعات جديدة بسبب انتهاكاتها، كان في مقدمتها توصية البرلمان الأوروبي، في أكتوبر، إلى دول الاتحاد بخفض مستوى التمثيل في قمة مجموعة الـ20 التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض عبر الفيديو يومي 21 و22 نوفمبر.
كما أعلنت منظمة العفو الدولية ومنظمة الشفافية الدولية ومنظمة سيفيكوس مقاطعتها اجتماعات منتدى مجموعة العشرين للمجتمع المدني العالمي الذي تستضيفه السعودية نهاية العام الجاري.
وفي منتصف سبتمبر 2020، أعربت مجموعة من 29 دولة في مجلس حقوق الإنسان عن "قلقها العميق" بشأن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، قائلة إن الحكومة السعودية "لم تلتزم بوعود الإصلاح، كما تستمر في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق قاصرين وفي جرائم غير عنيفة منها جرائم المخدرات".
وفي ذات الشهر أيضاً، أعلن نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في بيان رفض رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليغ" عرض الاستحواذ على النادي المقدم من صندوق الاستثمار العام السعودي.