الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات الأمريكية السعودية مرحلة من الفتور بعد قرار الرياض تنويع مصادر تسليحها وتوطين الصناعات العسكرية دون أي ضغط من أحد، وهو ما يثير قلق الإدارة الأمريكية.
وكشفت وكالة "أسوشييتد برس" عن أن أمريكا سحبت، خلال الأسابيع الأخيرة، بعض منظوماتها الدفاعية المتطورة، بما فيها بطاريات صواريخ "باتريوت" من السعودية، رغم مواصلة الحوثيين هجماتهم على المملكة.
وذكرت الوكالة بأن صوراً فضائية التقطتها شركة Planet Labs تؤكد اختفاء بطاريات "باتريوت" ومنظومة دفاعية من طراز "ثاد" تابعة للجيش الأمريكي، والتي كانت منتشرة في قاعدة الأمير سلطان الجوية.
وجاء تأجيل زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى السعودية ضمن جولته الخليجية الأخيرة لتثير العديد من التكهنات حول علاقات البلدين، رغم تأكيد الجانب الأمريكي أن إلغاء الزيارة يعود لأسباب تتعلق بالجدولة لدى الجانب السعودي.
التخلي الأمريكي
وفي هذا السياق يؤكد كريستيان أولريشن، الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، أن من الواضح جداً تراخي الإدارة الأمريكية وعدم التزامها تجاه الخليج كما كانت في السابق، وأن صانعي القرار في السعودية وباقي المنطقة يرون أن أوباما وترامب وبايدن يتخذون قرارات تدل إلى حد ما على التخلي.
وعلى مدى الشهور الماضية، واصلت الولايات المتحدة إعادة انتشارها العسكري، في محاولة لمواجهة ما يعتبره مسؤولون أمريكيون تحدياً ملحّاً من جهة الصين وروسيا.
وقال الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات السعودي، في معرض رده على سؤال شبكة "سي إن بي إس"، الأسبوع الماضي: إن "سحب صواريخ باتريوت من المملكة ليس مؤشراً على نية أمريكا المعلنة لمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها ضد أعداء خارجيين".
وأعرب الفيصل عن أمله في أن "تثبت واشنطن التزامها من خلال نشر كل ما هو مطلوب لمساعدة السعودية التي تفضل الاعتماد على الولايات المتحدة، لكنها طلبت دعماً آخر لتعزيز دفاعاتها الجوية ضد هجمات إيران والحوثيين".
وأشار الفيصل إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تفكر بجدية في إظهار الدعم للشرق الأوسط الآن، وخاصة بعد ما وصفه بـ"الانسحاب الفوضوي" للولايات المتحدة من أفغانستان، والذي نتجت عنه الأزمة المستمرة في كابل.
من جانبه يقول الخبير في الشؤون العسكرية، د. مؤيد الونداوي: إن "الدول حرة في تنويع احتياجاتها من الأسلحة، لكن بعض الدول المنتجة للأسلحة تحاول أن تفرض شروطاً معينة؛ مثل كيفية استخدام هذه الأسلحة"، مشيراً إلى أن "السعودية معتمدة بشكل كامل على الأسلحة الأمريكية والغربية، ولم تنفتح بعد إلى الأسلحة التي تنتج في الشرق".
ويرى في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن "الباتريوت لم تثبت الدقة في عملها"، مستشهداً بما حصل مع أسلحة قيل عنها "أكثر فاعلية"؛ كالقبة الحديدية التي فشلت مؤخراً أمام صواريخ صغيرة، وكذلك الضربات الصاروخية التي تعرضت لها قاعدة عين الأسد غربي العراق، ومن ثم هنالك بدائل أخرى تستطيع السعودية أن تستخدمها في الدفاعات، بحسب قوله.
بدوره يرى الخبير في السياسة الاستراتيجية د. قحطان الخفاجي أن "سحب الباتريوت الأمريكية من السعودية يثير الشكوك من بعض المراقبين، حيث إن توقيت الانسحاب مع استمرار الحوثيين في عملياتهم عبر الطائرات المسيرة، وتهديد الأمن السعودي، قد يؤثر على الجانب السعودية".
ويعتقد الخفاجي في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن "هناك إدراكاً سعودياً أمريكياً بأن الباتريوت غير فعال أمام الطائرات المسيرة، وكذلك واشنطن ترى أنه لا توجد خطورة تهدد السعودية تتطلب وجود الباتريوت، ويكون غير ذي حاجة في المنطقة".
الاستعاضة بروسيا
وتشير التقارير إلى أن الرياض قطعت أشواطاً كبيرة في طريق التقارب مع موسكو، وبدا ذلك جلياً في 23 أغسطس 2021، عندما جرت مباحثات سعودية روسية للتعاون في المجال الدفاعي، بحضور نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، وذلك غداة توقيع البلدين اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري.
هذا الأمر دفع بالمتحدث باسم الخارجية الأمريكية لتحذير السعودية من تعرّضها لعقوبات جرّاء تعاونها العسكري مع موسكو، داعياً "جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة لتجنّب المعاملات الجديدة الرئيسية مع قطاع الدفاع الروسي".
وفي وقت سابق قال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، إنه بينما تقلص الولايات المتحدة من وجودها العسكري بالشرق الأوسط، فإن روسيا والصين تتطلعان إلى توسيع نفوذهما في المنطقة.
وأكد ماكنزي أن الشرق الأوسط بشكل عام يعتبر منطقة تنافس شديدة بين القوى العظمى، مشدداً على ضرورة الحاجة إلى تعديل الوضع الأمريكي في المنطقة.
ويرى مراقبون أن "توجه السعودية نحو روسيا وغيرها من الدول الكبيرة فيه رسالة واضحة إلى الشريك الأمريكي المتردد؛ مفادها أنّ الفراغ الذي تتركه ستملؤه قوى أخرى، وأن المكاسب والامتيازات الكبيرة التي حصّلتها واشنطن عبر عقود من الشراكة مع دول المنطقة ليست أبدية، ولا يمكن أن تتواصل من دون مقابل".
ويشير تقرير صادر عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن السعودية تعدّ أكبر مستورد للسلاح الأمريكي، بنسبة 24% من مجموع صادرات الأسلحة، وفق شراكة كبيرة في مجال الدفاع مع السعودية، وتحصل على أموال طائلة من صفقات بيع الأسلحة للمملكة.
من جانبه لا يستبعد الخبير في السياسة الاستراتيجية د. قحطان الخفاجي أن "يكون توقيت قرار سحب الباتريوت نوعاً من أنواع الضغط السياسي، يراد به الضغط على السعودية؛ بأن يكون لديها إدراك بأن ثمة تراجعاً في اهتمامات الإدارة الأمريكية تجاه السعودية، خصوصاً أن الأخيرة بدأت تدرك أن الولايات المتحدة أصبحت غير واضحة في سلوكياتها، وآخرها ما حصل في أفغانستان".
ويرى أن "فكرة تنوع مصادر السلاح ليست جديدة في السعودية"، مشيراً إلى أن "تقارير إعلامية أكدت منذ عامين أن المملكة فكرت في خطوات تنوع شراء السلاح؛ مثل شراء منظمة إس-400، ومقاتلات 35 إس الروسية، وأسلحة الكلاشنكوف المتطورة، وقاذفات اللهب من النوع الثقيل، والصواريخ المضادة للدروع"، لكنه أوضح أن "واشنطن قد لا تسمح للسعودية بالمضي في ذلك، وقد توجد حالة من التوافق في هذا الشأن إلى حد ما".
إشارات سلبية
وتلقت السعودية الكثير من الإشارات السلبية، وبدت واضحة من خلال مجموعة سياسات ومواقف صدرت عن إدارة جو بايدن، خصوصاً مسألة التساهل والمرونة مع النظام الإيراني بشكل يتضارب مع المصلحة السعودية، وهذا دفع الرياض لتنويع شركائها الدوليين.
ويعتقد مراقبون أن سحب بطاريات الباتريوت قد تكون حفّزت السعوديين أكثر من أي وقت مضى للبحث عن بديل لمنظومات الدفاع الأمريكي، وهو ما يتوفّر تحديداً في السوق الروسية.
ويبدو أن السعودية حسمت قرارها بتأمين الدفاع عن أراضيها وحماية مجالها بعيداً عن الإملاءات الأمريكية، وبدأت تحدد صفقات التسلّح بعناية وفق الحاجات الدفاعية والرغبة في الحصول على أحدث التقنيات وأكثرها فاعلية، بغض النظر عن أي اعتبارات وارتباطات أخرى، على غرار ما أقدمت عليه تركيا في العام 2019، وهي العضو في حلف الناتو، لذا قد تقدم الرياض على إعادة إحياء صفقة منظومة "إس 400" التي دار الحديث عنها في فبراير 2018، قبل أن يتراجع ويخفت.
يقول الخبير في الشؤون العسكرية مؤيد الونداوي: إن "توجه السعودية إلى بدائل عن الولايات المتحدة لن يشكل مفاجأة، لكنه سيكون رسالة إلى الإدارة الأمريكية بأن هناك بدائل أمام السعودية، ويمكن لها أن تتحرر من الضغوط الأمريكية".
ويرى أن ذلك "لن يؤثر على العلاقات السعودية الأمريكية؛ لأنها علاقات قائمة ولن تتأثر بذلك، حيث لا تزال السعودية حليفة للولايات المتحدة، ومن ثم لن تتخلى عنها لأسباب عديدة، لكن قد تتطلع السعودية إلى انفتاح أكبر مع دول العالم؛ منها روسيا". لافتاً إلى أن "مشهد العلاقة بين الرياض وموسكو يشير إلى إمكانية أن يتطور في المستقبل القريب".
بينما يرى قحطان الخفاجي أن "العلاقة بين الرياض وواشنطن أوسع من أن تنظر من خلال خلاف صغير في فترة زمنية معينة"، لكنه استدرك بالقول: إن "السعودية ستكون مجبرة بشكل أو بآخر بإعادة النظر حول علاقتها مع الولايات المتحدة، وكذلك واشنطن لا يمكن أن تفرط في السعودية التي تمتلك ثقلاً عربياً وإسلامياً هاماً".