يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تسببت الأزمات الجيوسياسية، وخصوصاً أزمة أوكرانيا، في أداء دور كبير بارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية إلى مستويات قياسية خلال الشهرين الأخيرين من العام الجاري، ووجد منتجو الطاقة في الخليج العربي أنفسهم في الواجهة لوجودهم ضمن أكبر المنتجين للنفط والغاز.
وعلى مدار السنوات والعقود الماضية، قامت دول مجلس التعاون الخليجي بدور محوري في استقرار سوق الطاقة العالمي، ناتج في شق منه مما تمتلكه من احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، والقيام بدور إيجابي في مواجهة الأزمات العديدة التي شهدها سوق الطاقة العالمي.
ومع تفاقم الوضع يوماً بعد يوم، بسبب أزمة أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، وما سببه من ارتفاع أسعار النفط لأسعار كبيرة، يتطرق هذا التقرير إلى سر التباين بين دول الخليج في تعاملها مع أزمة الطاقة، وهل لهذه التباينات أبعاد سياسية أم أنها اقتصادية بحتة؟ إضافة إلى تساؤلات حول العمل الخليجي المشترك وهل يفترض أن يكون لها موقف موحد؟
حسابات خليجية
أمام ما تملكه دول الخليج من إمكانيات كبيرة من النفط، كان لافتاً التوجه الغربي نحوها، والتي كان أبرزها زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى السعودية والإمارات، لإجراء محادثات بشأن زيادة إنتاج النفط للتخفيف من أزمة الطاقة العالمية.
جاءت تلك الزيارة ضمن جهود المملكة المتحدة للتقليل من اعتمادها على إمدادات الطاقة القادمة من روسيا، لكن يبدو أن تلك الزيارة لم تفِ بالغرض، وعاد جونسون إلى بلاده دون تغيير موقفهما الرافض لزيادة الإنتاج لمواجهة الارتفاع في أسعار النفط العالمية، في وقتٍ فيه تؤكد الرياض وأبوظبي على حرصها على استقرار أسواق الطاقة بالعالم.
وعلى ضوء تلك الزيارة قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية: إن "الولاءات السعودية تميل الآن إلى الشرق أكثر من الغرب"، فقبل بضعة أسابيع أنهت "أرامكو" اللمسات الأخيرة على استثمار طويل الأمد في مجمع تكرير في شمال الصين.
وسبق أن ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن السعودية تجري محادثات مع الصين لتسعير بعض إمدادات الخام باليوان الصيني، وهو ما من شأنه "إضعاف هيمنة الدولار" في سوق النفط.
وهناك أسباب تجارية لتوجه المملكة نحو الشرق، فأكثر من ربع صادراتها النفطية تذهب إلى الصين، و10٪ فقط إلى أوروبا، و7٪ إلى الولايات المتحدة.
أما الأسباب الأخرى التي تشترك فيها السعودية والإمارات برفضهما رفع إنتاج النفط، فتتمثل في المخاوف الأمنية للمملكة، بعد قيام أمريكا ودول أوروبا باحتواء إيران ووكلائها، خصوصاً الحوثيين الذي يهاجمون المملكة والإمارات بشكل دائم، دون فرض عقوبات عليهم.
وتعتبر قطر من الدول المصدرة أيضاً للنفط بأرقام قياسية تصل إلى نحو 800 ألف برميل يومياً، فيما تبلغ صادرات الكويت 1.795 مليون برميل يومياً تقريباً، وتقدر صادرات عُمان بمتوسط 950 ألف برميل يومياً، أما صادرات البحرين فقد بلغت 150 ألف برميل يومياً، ومعظم تلك الصادرات تذهب إلى شرق آسيا.
الخليج والنفط
بلغة الأرقام يتجاوز إجمالي احتياطات دول الخليج الست (السعودية، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان، والإمارات، والكويت) من النفط 510 مليارات برميل، تشكل نسبتها 32.7٪ من مجمل الاحتياطي العالمي المؤكد البالغ 1.55 تريليون برميل.
ويبلغ إجمالي إنتاج دول الخليج من النفط الخام قرابة 18 مليون برميل يومياً، تشكل نسبته 19٪ من إجمالي الطلب العالمي البالغ قرابة 99 مليون برميل يومياً.
وتعتبر السعودية صاحبة ثاني أكبر احتياطي مؤكد للنفط الخام بحسب بيانات وزارة الطاقة في المملكة، بأكثر من 270 مليار برميل، تشكل نسبته قرابة 17.3٪ من الاحتياطي العالمي.
والسعودية كذلك ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 10.2 ملايين برميل يومياً، بحسب بيانات "أوبك"، وأكبر مصدر للخام عالمياً بمتوسط 6.9 ملايين برميل يومياً.
في المقابل تملك دولة الإمارات احتياطات مؤكدة تبلغ 107 مليارات برميل، تضعها في المرتبة الخامسة عالمياً، بعد كل من فنزويلا والسعودية وإيران والعراق.
ومن حيث الإنتاج النفطي تنتج الإمارات حالياً قرابة 3 ملايين برميل يومياً تشكل 3.4% من مجمل الطلب العالمي اليومي، في حين لديها قدرة فورية على زيادة الإنتاج إلى 3.5 مليون برميل يومياً، تشكل قرابة 4٪ من الطلب العالمي.
أما الكويت صاحبة سادس أكبر احتياطي نفطي في العالم بإجمالي 101.5 مليار برميل، فتنتج قرابة 2.62 مليون برميل يومياً، تشكل نسبته 2.9٪ من مجمل الطلب العالمي.
ومثل السعودية والإمارات، لدى الكويت قدرة فورية على زيادة الإنتاج حتى 3.2٪ من الإنتاج تشكل 3.6٪ من الطلب العالمي.
أما سلطنة عمان فهي منتج متوسط للنفط الخام بمعدل يومي مليون برميل تشكل 1.1٪ من الطلب العالمي، فيما بلغ الاحتياطي المتوقع للنفط الخام والمكثفات النفطية بنهاية 2020 نحو 4.706 مليارات برميل.
أما البحرين فهي بلد منتج صغير للنفط الخام بأقل من 350 ألف برميل يومياً، في حين تنتج قطر في اليوم متوسط 700 ألف برميل.
الغاز الطبيعي
باستثناء قطر، تعتبر دول الخليج منتجاً للغاز الطبيعي بما يفي بمعظم احتياجاتها المحلية، وتصدر جزءاً قليلاً منه، فيما لا تتوفر بيانات رسمية لحجم الإنتاج.
لكن قطر هي أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم بأكثر من 110 ملايين طن سنوياً، وتطمح للوصول إلى 127 مليون طن بحلول 2027، حيث تنتج قطر سنوياً 205.7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، تشكل نسبته 5.34٪ من الإنتاج العالمي، البالغ أكثر من 3.84 مليارات متر مكعب.
أمام هذه المعطيات تبرز أهمية دول الخليج العربي في صناعة الطاقة التقليدية، خاصة في وقت الأزمات الجيوسياسية، كالجارية حالياً، وخصوصاً قطر التي لا تزال واشنطن والدول الأوروبية تأمل في أن تسهم في التخفيف من تداعيات إيقاف واشنطن والغرب استيراد الغاز من روسيا.
وتريد الدوحة علاقات تجارية قوية مع الصين، وذلك يرجع جزئياً لضمان عدم استبدال غازها بالغاز الروسي، وبذات الوقت فإن لديها علاقات قوية مع واشنطن.
وخلال أزمة الغاز الأخيرة في أوروبا، في الفترة التي سبقت الحرب على أوكرانيا، رفضت قطر ضخ المزيد من الغاز للقارة، مرجعة الأمر لأسباب تجارية تتعلق بعقود طويلة الأجل.
وفي ذات الوقت وجدت قطر "فرصة تجارية" مع سعي أوروبا حالياً لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، ودخلت في محادثات مع ألمانيا بشأن إبرام عقد طويل الأمد، والذي تحقق أخيراً منتصف مارس الجاري.
وكان أمير قطر قد زار نهاية يناير الماضي واشنطن، والتقى الرئيس الأمريكي وبحثا ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية، وفي مقدمتها أزمة الغاز.
التباينات.. مصدر قوة
يرى الخبير الاقتصادي والمالي د. عبد الله الخاطر أن تباينات مواقف دول الخليج تعتبر "مصدر قوة لها"، مشيراً إلى وجود "فريق يبدو في اصطفاف مع طرف وفريق مع الطرف الآخر".
ويعتقد "الخاطر" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الأمر "يمكن الدول مجتمعة من تفادي العداوات، بل يخلق جسوراً تمكن مجلس التعاون من العبور لبر السلامة".
ويوضح قائلاً: "كل دولة توظف إمكاناتها وقدراتها لخدمة أمن المنطقة"، مدللاً على ذلك بقوله: "علاقات قطر بإيران أو طالبان تمكن الدوحة من تحقيق الأمن والسلم العالمي وعلاقات دول الخليج الأخرى بروسيا تمكن من تجاوز أي تقلبات في علاقات المنطقة".
ويضيف: "في المقابل فإن علاقات قطر المتقدمة مع الولايات المتحدة تمكنها من حفظ أمن الخليج، لذلك فإن تباين تعامل الدول الخليجية هو مصدر قوة لجميع الدول الخليجية".
بدوره يقول الكاتب السعودي محمد بن يحيى الفال، إن الإدارة الأمريكية الحالية "قررت المضي قدماً بالإساءات للسعودية واستخدامها كورقة ضغط للتأثير في قرارات المملكة في مجال إمدادات الطاقة والتزاماتها الدولية حولها".
ويرى في مقالٍ له بصحيفة "الجزيرة" السعودية، أن الملف النووي الإيراني وسعي الإدارة الأمريكية لحله حتى ولو على حساب الأطراف المتضررة من تبعاته كالمملكة، "يحتاج لنقاش معمق وسريع وحازم بين الحليفين وأهمية ربط برنامج إيراني للصواريخ الباليستية وجعله أحد أهم بنود الاتفاق المقبل مع ملالي طهران لما تمثله هذه الصواريخ من تهديد لدول المنطقة كافة".
ويرى أيضاً أنه من غير المنطقي "الطلب من المملكة التخلي عن تعهداتها الدولية بخصوص سوق النفط ومن ذلك اتفاق (أوبك+) الذي وقع بين 13 دولة من دول أوبك بقيادة المملكة و10 دول من خارجها، بزعامة روسيا وذلك لخفض الإنتاج لرفع أسعار برميل النفط لسعر عادل يرضي المنتجين والمستهلكين".
ويشير إلى أن الجانب الأمريكي لا يخفي عليه "بأن الأزمة الروسية - الأوكرانية أفرزت واقعاً سياسياً جديداً يمكن وصفه بالنسخة المعدلة من الحرب الباردة بنكهة المصالح تضع الدول فيها مصالحها الوطنية فوق كافة الاعتبارات الأخرى"، مشيراً إلى أن ذلك يأتي "بعد أن اتضح لها أن المصالح الغربية تقسم حلفاءها ضمن عدد من التقسيمات والتصنيفات لم تستثنِ أحداً".